مقابلات
PrintEmail This Page
صحيفة "الوطن" السعودية
09 كانون الثاني 2002
رأى نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس في حوار أجرته صحيفة "الوطن" السعودية: "إننا نسير بالاتجاه الصحيح فبيروت استعادت الكثير من ألقها وموقعها والسفارات عادت كلها إلى العاصمة اللبنانية والوفود والمؤتمرات الدولية تتوالى والسواح يتكاثرون وإنشاء الفنادق يتزايد والأمن يعم البلاد بشكل لافت".

وعن التشكيلات الإدارية كرر فارس أنها لا تلبي كل طموحاتنا إنما في ظل رواسب الحرب المعروفة لا يمكن ان تكون مثالية، ومجلس الوزراء وهو السلطة الإجرائية بوسعه تصحيح أي خلل إذا تبين انه موجود في ضؤ التجربة والممارسة والأداء، وهذا ما قاله فخامة الرئيس.
وفي رد على سؤال حول شن الولايات المتحدة حملة ضد المسلمين في العالم قال فارس انه اتهام لا يستند إلى واقع رغم ان بن لادن حاول ان يُظهر الحرب وكأنها ضد المسلمين فالشعب الاميركي مؤلف من كل الأجناس والأصول والمعتقدات وهناك أصوليون ومتطرفون في كل بلد.
وبسؤاله عما إذا كان يتوقع تغييراً عملياً في النهج الاميركي في المنطقة أجاب فارس : ان هذا متوقف على عدة عوامل منها مدى التنسيق بين الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية ، وموقف سائر الدول الكبرى كالصين واليابان ومدى التضامن العربي لمواجهة المستجدات وخاصة لجهة وضع استراتيجية عربية واحدة وولوج الإعلام العالمي بشكل فاعل والإفادة من حضور جاليات الدول العربية في أميركا والعالم واستخدام سلاح الاقتصاد ...

وعن حزب الله قال نائب رئيس الحكومة : ان الحزب معترف به رسمياً في لبنان وله نوابه في المجلس وان لبنان يرفض الإرهاب ويدينه، وان المقاومة مشروعة لانتزاع الحقوق ويجب ان لا تطال الأبرياء.

وعن الجامعة العربية قال فارس : ان الجامعة هي القاسم المشترك بين العرب، يقوى أداؤها عندما يكون العرب متفقين ويضعف عندما يغّني كل على ليلاه، إلا ان الجامعة تشكو من الترهّل والخمول والرقابة وهي بحاجة إلى عصرنة وتحديث لتتمكن من مواجهة التحديات.

ما هو تقويمك لمسيرة الحكم في لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟

لا يمكن تقويم مسيرة الحكم حاليا في لبنان الاّ في ضوء الظروف الصعبة التي سبقته،
فبعد الحرب التي انطلقت عام 1975 والتي زعزعت الوطن وقضت على البشر والشجر والحجر ، وهدّت مؤسسات الدولة وشتتها وشرذمتها وهدّدت الوحدة اللبنانية في صميمها ، ثم ما تلاها من "حرب تحرير" و "حرب الغاء"، حتى الاتفاق على وثيقة الوفاق الوطني التي تمت في الطائف سنة 1989 راح لبنان يستعيد انفاسه ويعود الى نفسه بعد الانتخابات الرئيسية التي تلت اتفاق الطائف ووصول الرئيس الياس الهراوي الى سدّة السلطة مع الحكومات التي تشكلت وقتها ، فبدأت عملية ترميم مؤسسات الدولة الادارية وتوحيد الجيش واطلاق ورش البناء واعادة الاعمار وتأهيل البنى التحتية من مياه وكهرباء وهاتف وطرقات ومدارس ومستشفيات..الخ…

وكذلك معالجة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية المتردية التي افرزتها الحرب ، فضلا عن اعادة اللحمة التي كان المجتمع اللبناني قد عانى من تفككها،
وهذا الامر لم يكن سهلاً كما تعرفون، لأن الدولة كانت قد تحولّت الى دويلات تحكمها المليشيات وامراء الحرب، فضلاً عن وضع الفلسطينيين اللاجئين في لبنان وعددهم وصل الى حوالي النصف مليون، وفضلاً ايضاً عن مشاكل وتداخل الحالة الداخلية مع الظروف الاقليمية والدولية.

وبالفعل تمكنت الدولة في العهد الأول بعد الطائف من اطلاق مسيرة ما بعد الحرب على عدة خطوط:


خط تحرير الأرض من الاحتلال الاسرائيلي
خط اعادة الامن والسلام الداخلي
خط مسيرة الانماء والبناء واعادة التعمير،

لم يكن الامر سهلا فالصعوبات كانت جمّة ورواسب الحرب لا تحصى ومع ذلك اقلعت الدولة وكانت الكلفة باهظة واكثر واحيانا ، من الامكانات والقدرات المتوافرة؛ ثم كان العهد الثاني برئاسة الرئيس اميل لحود ، وها نحن نتابع المسيرة في بناء دولة القانون والمؤسسات التي يرعاها الرئيس، وقد خطونا في ذلك خطوات متقدمة، انا لا انكر ان الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي ليس وضعا مريحا فهناك عجز في الموازنة وهناك دين عام قارب ال 30 مليار دولار وهناك مشاكل اجتماعية ومعيشية، خاصة وان الوعود التي تلقاها لبنان من اخوانه العرب عام 1979 بتخصيصه بملياري دولار وصندوق الدعم العربي الذي أنشئ بعد الطائف لم تترجم عمليا، ولكن لا بد من الاقرار بأن جانبا من ازماتنا يرتبط حلّها بالوصول الى حل قضية الشرق الاوسط، ولن اتبسّط في هذا الموضوع فهو معروف ونحن ننكب على معالجة الامور التي يعود الينا وحدنا معالجتها، واعتقد اننا نسير الآن في الطريق الصحيح، فبيروت استعادت القها والكثير من موقعها السابق ،والسفارات عادت كلها الى العاصمة اللبنانية، والوفود والمؤتمرات تتوالى والسوّاح يتكاثرون
وانشاء الفنادق يتزايد والامن يعم البلاد بشكل لافت وفوق كل ذلك الانسان اللبناني وما حباه الله من طموح وذكاء ونباهة وقدرة على التكيف والتغلب على الصعاب.

اثير في الآونة الاخيرة جدل كبير حول سلة التعيينات الادارية في الفئة الاولى بين مؤيد ومعارض لها، هل تعتقدون ان هذه السلة تؤثر على الوفاق الوطني؟

ان الدستور يفرض ان تكون وظائف الفئة الاولى في الدولة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وهذا طبعا حصل، وسبق ان قلت انه اهم ما في هذه التشكيلات انها حصلت وانها لا ترضي كل طموحاتنا انما في ظل رواسب الحرب لم يكن من السهل ان تكون هذه التشكيلات مثالية . اما بالنسبة لتأثيرها على الوفاق الوطني فاني استبعد ذلك لأن البيانات حولها ليست بيانات جوهرية او ايديولوجيّة.
هذا مع العلم ان مجلس الوزراء هو السلطة التنفيذية المخوّلة في هذا الموضوع وبوسعه ازالة أي خلل اذا تبين انه موجود في ضوء التجربة والممارسة والاداء وهذا ما قاله فخامة الرئيس

هل هناك عودة الى الترويكا؟
لا اعتقد ذلك وانا في كل حال ضد وجود ترويكا لأنها تتناقض مع مبدأ فصل السلطات وتختزلها وهذا مخالف للدستور

والمحاصصة؟
انا ضد المحاصصة ، ومع مبدأ الكفاءة والشفافية ومع مبدأ الوظائف لكل الطوائف والمناطق،
بعد احداث الحادي عشر من ايلول الماضي تغيّرت معالم السياسة الخارجية الاميركية بحيث شنت الولايات المتحدة الاميركية وما زالت حملة ضد المسلمين في العالم وتحديداً العرب. كيف تنظرون الى هذا الأمر؟

لا اوافقك الرأي ان الولايات المتحدة تشن حملة ضد المسلمين في العالم او ضد العرب ، قد يكون لنا مآخذ عديدة على السياسة الخارجية الاميركية اما بالنسبة لهذا الموضوع فهذا اتهام لا يستند الى وقائع بدليل ان ملايين المسلمين يعيشون في الولايات المتحدة ونالوا جنسيتها وهم يعاملون على قدر المساواة مع سائر المواطنين ولهم جوامعهم ومراكزهم الدينية ومدارسهم.
لقد حاول بن لادن ان يظهر الحرب عليه وكأنها حرب ضد المسلمين لاستدرار عطف المسلمين عليه ولكنه لم يفلح – والدليل انه قبل احداث 11 ايلول لم نسمع بأي تمييز في اميركا بين الاديان والشعب الاميركي مؤلف من كل الاجناس والاصول والمعتقدات، الا ان هذا لا يمنع ان يكون فيه ، كما في كل بلد في العالم، متطرفون واصوليون وهؤلاء لا يعكسون مشاعر وآراء السواد الاعظم من الناس.

ولكن اشرتم الى مآخذ على اميركا؟

طبعا ان المأخذ الاساسي على اميركا هو انحيازها الى اسرائيل في الصراع العربي الاسرائيلي؛ نريد منها ان تكون الوسيط العادل وغير المنحاز ، فهناك حقوق عربية مغتصبة، وهناك اراض عربية محتلة وهناك فلسطينيون هُجّروا من وطنهم ، وهناك قدس لكل الاديان وهناك اعتداءات اسرائيلية مستمرة
وهناك قرارات دولية لم تنفذ ،
وما هو المطلوب من الادارة الاميركية بصفة اميركا القوة الاعظم في العالم ان تتحرر من تأثير اللوبي اليهودي عليها وان تنظر الى الأمور بعين التوازن وبمنظار الحق والعدل.

وهل تعتقدون ان هذا الواقع سيتغير؟

اعتقد ان احداث 11 ايلول بدّلت في الكثير من المفاهيم والمعايير والمواقف، كما اعتقد ان الادارة الاميركية باتت مدركة لأهمية استعجال الحل لمعضلة الشرق الاوسط التي تشكل اليوم احدى اخطر بؤر التوتر في العالم.
وحدها التسوية العادلة والشاملة في هذه المنطقة تؤمّن السلام وتفسح المجال امام شعوبها الى الانصراف الى النموّ والازدهار واستثمار خيراتها وثرواتها لخير الانسان وللمستقبل الأفضل.

هل تتوقعون تغييراً عملياً وفعالاً للنهج الاميركي في المنطقة؟

اعتقد ان ذلك يتوقف على عدة امور:
- مدى التنسيق بين الولايات المتحدة والمجموعة الاوروبية
- مواقف سائر الدول الكبرى كالصين واليابان
- مدى التضامن العربي لمواجهة المستجدات والتطورات اذ انه من البديهي القول ان قوة اسرائيل في جانب منها، انما هي نتيجة غياب هذا التضامن ، فلا بد بالتالي من تعبئة كل الطاقات من خلال استراتيجية عربية واحدة وولوج الاعلام العالمي بشكل فاعل، والافادة من حضور الجاليات العربية في الولايات المتحدة وفي العالم ، واستخدام سلاح الاقتصاد الخ…..

الا تعتبرون ان ما تقوم به اسرائيل اليوم ضد الفلسطينيين هو عمل ارهابي؟

ان الارهاب الاسرائيلي وهو ما يسمى بارهاب الدولة ليس ابن البارحة فهو موجود منذ قيام الكيان الاسرائيلي الى اليوم.

كيف برأيكم يمكن للشعب الفلسطيني استعادة ارضه وحقوقه بالمقاومة ام بالدبلوماسية؟

لكل وسيلة اوانها وظروفها المحلية والاقليمية والدولية ومناخاتها السيكولوجية، فالدبلوماسية هي الوسيلة اليومية والمقاومة لاسترجاع الارض وازالة الاحتلال امر اقرّته الشرعية الدولية ،

وماذا بالنسبة لحزب الله ؟ وما هو السيناريو الاميركي الذي تتوقعون له؟

لا اعرف حقيقة ما تخطط له الادارة الاميركية ولكن اعرف ان هناك موقفا لبنانيا معروفا يستند الى الثوابت التالية:
- ان لبنان يرفض الارهاب ويشجيه ويدينه ،
- ان المقاومة مشروعة لانتزاع الحقوق
- ان المقاومة يجب ان لا تطال الابرياء ولا تتجاوز الارض المحتلة
- ان حزب الله موجود على لائحة الارهاب الاميركية ولكنه غير موجود لا على اللائحة الاوروبية ولا على لائحة الامم المتحدة

هناك الآن دعوة اميركية لاقامة حوار رسمي بين الحكومة اللبنانية وحزب الله فما هي صحة هذه الدعوة؟

حوار حول ماذا؟
حول وقف عمليات المقاومة
ان حزب الله هو حزب لبناني معترف به رسمياً وله نوابه في مجلس النواب كالعديد من الاحزاب ، وله نشاطه وتحركه واعلامه واجتماعاته ومهرجاناته ، والحوار والتعاطي معه يحصل كما يحصل مع سائر الاحزاب والفاعليات اللبنانية
تشير كل الايحاءات اليوم الى ان الولايات المتحدة بدأت باعطاء اشارات ضوء " باتجاه افغنة فلسطين " كما ان ثمة كلاما اسرائيليا بشن حرب ضد سوريا ولبنان ، هل ترون ذلك وما هو مطلوب في هذه الحالة؟

لا اتصور اننا وصلنا الى هذه المرحلة، وما هو ظاهر ان الولايات المتحدة ما زالت تبذل المساعي باتجاه اعطاء الدفع للتسوية السلمية في الشرق الاوسط بدءاً بوقف التدهور الحاصل في الاراضي الفلسطينية المحتلة بدليل ارسال الموفد الاميركي زيني الى المنطقة مرتين لهذه الغاية خلال فترة وجيزة لا تتجاوز الشهرين وهو سيعود اليها ثانية بعد الاعياد كما ذكرت الانباء
اما المطلوب فهو ان علينا ان نكون في جهورية تامة لكل الاحتمالات وبصورة خاصة تحصين وحدتنا الداخلية في لبنان ، وتعزيز التضامن العربي وتكثيف الاتصالات والتشاور ، بين العرب من جهة وبينهم وبين القوى المؤثرة في العالم من جهة اخرى.

كيف تقومون وضع جامعة الدول العربية؟


ان الجامعة العربية هي في المبدأ القاسم او الجامع المشترك بين العرب يقوى اداؤها عندما يكون العرب متفقين ويضعف عندما يغنّي كل على ليلاه، فهي الاداة التنفيذية لما يقرره الاعضاء ،
الاّ ان الجامعة ، عدا ذلك ، تشكو من الترهل والخمول والرتابة والبيروقراطية وقلّة الانتاج وهي بحاجة الى نوع من " هزة " اذا صح التعبير والعصرنة والتحديث لتتمكن من مواجهة التحديات ومن تحقيق الاهداف التي من اجلها أنشئت.

ما هو موقفكم من الخلاف الذي حصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري ؟

ان موقفي من هذا الموضوع هو وجوب العودة دائماً إلى المؤسسات ،
فالمفروض عندما يتكلم الرئيس برّي انه يعبّر عن موقف السلطة التشريعية وعندما يتكلم الرئيس الحريري انه يعبّر عن موقف السلطة التنفيذية وقد لاحظنا ان السلطتين لم تستمزجا في ما حصل مؤخراً، " فالورقة الإصلاحية " التي حصلت في القصر الجمهوري بين الرؤساء الهراوي وبرّي والحريري منذ خمس سنوات لم تناقش ضمن السلطتين قبل التوافق عليها،
وكذلك " اتفاق فقرا " بين الرئيسين برّي والحريري منذ شهرين لم تطلع السلطتان عليهما قبل الإعلان عنه،
لا بّد اذاً من إبعاد الجانب الشخصي عن مثل هذه المواضيع والاحتكام دائماً إلى الدستور والمؤسّسات.
وأكرر هنا ما اشرت اليه آنفاً معارضتي للترويكا والدويكا وما إليهما.
أنا مع فصل السلطات واستقلاليتها واحترام الواحدة منها للأخرى ولكن طبعاً ضمن التعاون الكامل فيما بينهما.

وأين موقع رئيس الجمهورية من هذه الأمور ؟

رئيس الجمهورية بموجب المادة 49 من الدستور هو " رمز وحدة الوطن ، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لاحكام الدستور "،
وبموجب المادة 60 " لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى
" فالرئيس إذن هو الجامع المشترك بين كل اللبنانيين ".

حصل لغط حول موضوع انعقاد القمة العربية في لبنان بين مؤيد ومعارض، فما هو موفقكم من هذا الامر ؟

لا يمكن لموقفي ان يكون موقفاً شخصياً فانا عضو في الحكومة ونائب لرئيس مجلس الوزراء وملتزم بما تقرره السلطة التنفيذية حول هذا الموضوع،
لقد سبق للقمة في اجتماعها الاخير ان قررت عقد مؤتمرها المقبل في بيروت والامور تسير في هذا الاتجاه ، وقد كان الرئيس نبيه برّي واضحاً عندما اعلن ان مطالبته بتأجيل المؤتمر هو موقف شخصي وليس موقف السلطة التي يرئسها،
وفي كل حال، ان اهمّ ما في هذا الموضوع ، هو ما سيصدر عن القمة من قرارات ومواقف وتوصيات، لجهة تحرير الارض واستعادة الحقوق وصون المقدسّات.