مقابلات
PrintEmail This Page
جريدة نيويورك تايمس
31 كانون الأول 2001
1. كيف تقوّم متانة وتماسك المجتمع اللبناني، على تعدد طوائفه، بعد عشر سنوات من انتهاء الحرب في لبنان ؟

ان عمر لبنان، كما تعلم، من عمر التاريخ : وقد ورد اسمه 64 مرة في الكتاب المقدس وعايش العديد من الإمبراطوريات والممالك التي تعاقبت على هذه المنطقة، إلى ان اصبح البلد الذي يتكون شعبه اليوم بأكثريته الساحقة من أبناء الديانتين المسيحية والإسلام ويقوم نظامه، في المؤسسات الدستورية، على التوازن الدقيق بين الأديان والطوائف بحيث ان رئيس الجمهورية يكون مسيحياً مارونياً ورئيس مجلس النواب مسلماً شيعياً ورئيس مجلس الوزراء مسلماً سنيّاً ووزارات الدولة ووظائف الفئة الأولى فيها مناصفة بين المسيحيين والمسلمين،
وان الحرب التي اندلعت عام 1975 مثلثة الجوانب :
‌أ. جانب داخلي نابع من شعور المسلمين بنوع من الهيمنة المسيحية على الحكم وما اعتبروه حرماناً عند الشيعة وغبناً عند السنة، وعدم التوازن في السلطة والإدارة،
وشعور عند المسيحيين بالخوف والقلق من هيمنة إسلامية مستقبلية محتملة، من جراء وجودهم كأقلية في منطقة أكثريتها مسلمة.

‌ب. جانب إقليمي نابع من الصراع العربي الإسرائيلي وانعكاس ذلك على لبنان وخاصة من جراء وجود حوالي نصف مليون فلسطيني على أرضه.

‌ج. جانب دولي كنتيجة للحرب الباردة التي كانت قائمة آنذاك بين الجبارين الاميركي والسوفياتي.

وإذا كانت وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّتها معظم القيادات السياسية اللبنانية عام 1989 في مدينة الطائف (السعودية) قد حلّت الجانب الداخلي من أسباب الحرب بحيث أصبحت السلطة التنفيذية بيد مجلس الوزراء مجتمعاً وهو الذي يضم ممثلين عن كل الطوائف،

وإذا كانت الحرب الباردة قد انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي،
فان الجانب الإقليمي ـ أي الصراع العربي الإسرائيلي ـ ما زال قيد الانتظار،

ويقيني أننا خطونا خطوة كبرى على صعيد إعادة اللحمة وترسيخ وحدتنا الوطنية إلاّ ان العافية الكاملة لن تعود إلى لبنان قبل الوصول إلى الحل الشامل والعادل في الشرق الأوسط.

وبوسعي ان أؤكد لك ان اللبنانيين تعلّموا كثيراً من الحرب وكلهم حريصون على ان يستعيد لبنان كامل سيادته واستقلاله وحريته، ليتمكن من التعويض عن صغر مساحته وضآلة عدد سكانه ويكون البلد الوحيد الذي تلتقي وتتفاعل فيه المسيحية والإسلام في نموذج فريد لا للمنطقة وحسب بل للإنسانية جمعاء.

2. معلوم ان ثروة لبنان الأساسية هي في الإنسان، ما هي الإجراءات التي تتخذونها لوقف هجرة الأدمغة اللبنانية ؟

صحيح ان ثروتنا الأساسية هي الإنسان، وهذا أمرٌ نعتز به، وقد برهن اللبناني عن حضور فاعل وعن قدرة في التكيّف مع كل المجتمعات التي انتقل إليها، بحيث يقدر عدد اللبنانيين والمتحدرين منهم في الخارج بثلاثة أضعاف من في الداخل، فالأميّة تكاد تكون معدومة، وكل لبناني إجمالاً يتكلم اكثر من لغة إلى جانب اللغة العربية، وهو سريع الاندماج بمحيطه الجديد وسهل التعاطي معه، إلاّ اني لا أخفيك أننا نشكو من هجرة الأدمغة فالحرب دفعت بالكثير من الشباب والمثقفين إلى التفتيش عن آفاق أخرى، والجامعات تُخرّج اكثر مما يحتاجه سوق العمل والعديد من الدول وخاصة الولايات المتحدة وكندا وأوستراليا تجذب فئاتٍ لا يستهان بها نحو الاغتراب ومع ذلك ان الحكومة تعمل كل ما بوسعها لاعادة بناء ما تهدّم أثناء الحرب ولتفعيل الدورة الاقتصادية ولإيجاد فرص عمل تحد من هجمة الشباب على الهجرة،

ان لبنان هو جسر المنطقة ووسيطها وبعض مقوّمات اقتصاده تقوم على انه مقصد لجامعاته ومستشفياته وفنادقه فضلاً عن تاريخه وآثاره التي تشكل دافعاً قوياً لسواّح العالم،

ومما لا شك فيه ان السلام الموعود إذا ما تحقق يشكل عامل استقرار وثقة يساعده على القيام بدور مميّز في المنطقة بأسرها.

3. ما هي ركائز نظامكم الاقتصادي ؟

ان نظامنا يرتكز على ركنين أساسيين :
السريّة المصرفية والاقتصاد الحر
وإننا نعتبر هذين العنصرين من الثوابت في نظامنا،
وقد قمنا منذ تولي الحكومة الحالية السلطة، ببعض الإجراءات المكملّة لهذه الثوابت ومنها : سياسة الأجواء المفتوحة والتعديلات على السياسة الجمركية والخصخصة في بعض مؤسسات القطاع العام،

4. إلى أي مدى تعتقدون ان الخصخصة ستساعد على تحسّن في الوضع الاقتصادي والمالي ؟

نعتقد ان الخصخصة سيكون لها تأثير كبير في هذا الاتجاه، وهي ستساعد على أمرين مهمين :
الأول : تأمين موارد للخزينة تمكنها من تخفيض عجزها وإيفاء جزء من الدين العام وخفض قيمة الفوائد على الودائع المصرفية مما يشجّع على الإقدام على الاستثمارات.

والثاني :ان الخصخصة الكلية أو الجزئية لبعض القطاعات كالكهرباء والمواصلات والمياه من شأنها ان توفر خدمات افضل للمستهلك بأسعار ادنى فضلاً عن ان مشاركة المؤسسات الأجنبية والمستثمرين الأجانب سيعطي زخماً ودفعاً للدورة الاقتصادية ينعكسان إيجاباً على لبنان وعلى دوره الاقتصادي في المنطقة.

5. كيف ترى وضع المنطقة في الوقت الراهن ؟

ان المنطقة أمام احتمالات ثلاث :

أما استمرار حالة اللاحرب واللاسلم وهي حالة ليست في صالح الاستقرار،
واما عمل جنوني تقدم عليه إسرائيل يؤدي إلى مواجهة عسكرية بينها وبين الفلسطينيين ـ وربما ايضاً بينها وبين السوريين واللبنانيين ـ مما يزيد مشكلة المنطقة تعقيداً والصراع العربي الإسرائيلي تأججاً وتأزماً،

وأما العودة إلى طاولة المفاوضات على أسس مؤتمر " مدريد الأرض مقابل السلام "

وما آمله ان يتغلب الحل الأخير لانه آن لمنطقة الشرق الأوسط ان تعرف السلام بعد اكثر من نصف قرن من الحروب والأزمات والأحقاد والضحايا،

وكما انه بوسعي ان أؤكد لك ان العرب وبصورة خاصة الفلسطينيون والسوريون واللبنانيون ليسوا سوى ناشدي سلام ولكن السلام العادل والشامل التزاماً بالشرعية الدولية ووفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي.
ان السلام من شأنه ان يمكّن العرب من الانصراف إلى إنماء بلدانهم وتقدمها وازدهارها بدل ان توجه نسبة كبيرة من مواردهم نحو التسلّح من اجل استعادة حقوقهم المسلوبة،

كما يمكّن السلام إسرائيل من العيش ضمن حدود آمنة، ومعترف بها كما نص عليه القرار 242.

وإسرائيل تخطئ إذا استمرت في الإصرار على ان الأمن يأتي قبل السلام.


6. كيف ترون مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في بلادكم ؟

ان الموقف اللبناني واضح في هذا الصدد ويحظى بإجماع اللبنانيين :

فهناك حق العودة للفلسطينيين إلى ديارهم الذي نص عليه قرار الأمم المتحدة 194،

وهناك الدستور اللبناني الذي ينص على رفض التوطين،

وهناك الفلسطينيون أنفسهم الذي يرفضون التوطين،

فضلاً عن ان وضع لبنان الاقتصادي والاجتماعي لا يسمح بذلك فكثافة السكان في لبنان هي الآن 550 بالكيلومتر المربع وهم من اكثر النسب في العالم،

فكيف يمكن له ان يستوعب عدداً إضافيا في الوقت الذي يعمد شبابه إلى الهجرة للتفتيش عن أبواب للعمل والرزق.




7. هل ترون إمكانية اندماج اقتصادي بين البلدان العربية ؟

طبعاً إننا نتمنى هذا الأمر، وان لبنان كان من أول المطالبين بإنشاء السوق العربية المشتركة ولكن حتى الآن وبسبب غياب التضامن الحقيقي بين البلدان العربية ـ فانه لم يتحقق شيء من هذا على صعيد الاقتصاد والنقد والسياحة والتأشيرات والجمارك والقوانين وسواها لان الهّم السياسي النابع من الصراع العربي الإسرائيلي، طغى على تحرك الجامعة العربية ونشاطها ولم تعطِ سائر المواضيع الأولوية التي ستحققها، على غرار ما فعلت المجموعة الأوروبية التي وصلت إلى رفع الكثير من الحدود والقيود والسدود ووصلت إلى حد اعتماد العملة الموحدة.

8. كيف تنظرون إلى الحضور اللبناني في الولايات المتحدة الأميركية ؟

ان عدد اللبنانيين والمتحدرين منهم في الولايات المتحدة يقدر بحوالي الملونين، ويسعدنا ان نلاحظ انهم يشاركون بفعالية في الحياة الأميركية بمختلف وجوهها، وهناك منهم من تبوأ مراكز عالية في السياسة والإدارة،

ما نريده منهم ان يكونوا قبل كل شيء مواطنين أميركيين صالحين وان يشكلوا جسر صداقة وتقارب بين بلدينا وان يكونوا أوفياء لأميركا التي احتضنتهم وأمنت المستقبل الأفضل لهم ولأولادهم، دون ان ينسوا الدم اللبناني الذي يجري في عروقهم والحنين لوطن آبائهم وأجدادهم.

9. ما درجة ولوج التكنولوجيا الجديدة في المواصلات والاتصالات إلى لبنان ؟

إننا خطونا كثيراً في مجال استكمال البنية اللبنانية التحتية والفوقية كشبكات الاوتوسترادات والطرقات والمياه والكهرباء والهاتف وسواها، وكذلك في مجال الاتصالات والمواصلات والتكنولوجيا الحديثة،
ورغم ان ذلك كلفنا فوق طاقتنا نظراً لوضع الخزينة المعروف بعد الحرب، فأن تحقيقها كان ضرورياً لكي نقدم للمستثمر الأجنبي واللبناني المغترب الراغب في التوظيف، كل ما قد يحتاجه في عمله،

وما نرجوه ان تساعد التطورات والمستجدات في المنطقة على تمكين لبنان من الاستنهاض ليستعيد موقعه كبلد خدمات من الدرجة الأولى،

10. ماذا على صعيد المساعدات العربية والدولية ؟

لقد جاءت المساعدات اقل من آمالنا وطموحاتنا، فمؤتمر القمة العربي الذي انعقد عام 1979 خصَّ لبنان بملياري دولار لم يسدد منها سوى أقل من الربع،
وصندوق دعم لبنان الذي أُقر بعد مؤتمر الطائف لم يرَ النور بعد،
ومقررات أصدقاء لبنان في واشنطن لم يتحقق منها شيء حتى الآن،
وكذلك توصيات اجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت العام الفائت،
إلاَّ أننا نسجّل لبعض الدول العربية المساعدات والقروض التي قدمتها منفردة من بعض صناديقها المخصصة للإنماء.
كما نسجّل لبعض المنظمات الدولية مؤازرتها لتنفيذ بعض المشاريع التي نحتاجها،

11. إضافة إلى مسؤولياتك الرسمية، أنشأت "مؤسسة فارس" لمساعدة المحتاجين وللإسهام في إنماء بلدك، هل لك ان تنوّرنا عن نشؤ هذه المؤسسة وإنجازاتها ؟

لقد كنت دائماً اشعر انه، إلى جانب عمل الدولة، فان للقطاع الخاص دوره في الإنماء الإنساني والاجتماعي وخاصة خلال سنوات الحرب الشرسة التي عصفت ببلدنا، وان من انعم الله عليه بالثروة ان يخصص ولو جزءاً يسيراً منها للتقديمات الإنسانية والخيرية وهذا ما حداني إلى إنشاء " مؤسسة فارس " لمؤازرة المحتاجين والمعوزين من جهة وللإسهام في إنماء بعض المناطق المتخلفة وخاصة المنطقة التي انتمي إليها من جهة أخرى ، وذلك ضمن برامج ذات صلة بالخدمات الصحيّة والتربوية والريفية وسواها.
وقد تمكنت هذه المؤسسة من ملء فراغ لا يستهان به فأمَّنت التعليم لآلاف الطلاب والمساعدات الإنسانية لمجموعات كبيرة، حتى انها قامت أحياناً مقام الدولة ونأمل ان نستمر في هذه الإنجازات.