مقابلات
PrintEmail This Page
مجلة الافكار
17 آذار 2003
المحور العربي

أ - كانت لكم خلوة داخل جامعة "تافتس" في بوسطن مع الرئيس "بوش الأب"، على هامش الندوة التي شاركتما فيها معاً. وهناك شغف لدى الكثيرين لمعرفة ماذا دار بينكما، وبأي صورة خرجتم من هذه المحادثة عن أزمة الشرق الأوسط، والعراق بصورة خاصة؟!

لا بد أولاً من القول ان العلاقات بين صديقين مهما كانت وثيقة وحتى حميمة فأن لها حدودها التي تقف عند مصلحة الدولة العليا لكل من الصديقين، وبالتالي فاني لم أتوقع ان يخبرني الرئيس بوش الأب متى ستقع الحرب وماذا يحصل بعدها وما هي المخططات والمتغيرات المتوقعة، لأنها أولاً من أسرار الدولة وثانياً لأنه حتى بوش الأب ليس مفترضاً فيه ان يكون مطّلعاً على كل أسرار الدولة التي يرئسها ابنه.
ومع ذلك فبوسعي القول ان الخلوة أو الخلوات التي جمعتني بالرئيس الأب القت ضوءاً على العديد من الأمور وخاصة بالنسبة لقضية العراق وخرجت بانطباع ان لا مفر من الحرب اذا استمر الرئيس صدام حسين في السلطة، كما خرجت بانطباع ان عملية السلام التي باشر بها في مدريد برعاية أميركية وسوفياتية لا بد ان تستأنف، من أجل الوصول الى سلام عادل ودائم في المنطقة وانه يستحيل على الشرق الأوسط ان يستمر في دوامة العنف والدم والدمع.


ب- وماذا استشفيتم بالنسبة لما بعد العراق؟

أعتقد ان الأميركييين يتطلعون الى تحقيق عدة غايات: الأول طبعاً تغيير النظام العراقي والثاني الانكباب على معالجة مشكلة النزاع العربي الاسرائيلي والثالث مكافحة الارهاب كما يرون هم، والرابع "تصدير" انتاجهم التكنولوجي والعلمي والاقتصادي وانتاجهم السياسي والفكري بالنسبة للديموقراطية والحرية وحقوق الانسان ...

2 – كيف يواجه "بوش الأب" معارضة الدول ومحافل العالم لمخطط الهجوم الأميركي على العراق؟! وهل رأيتم انه يفضل اعطاء المفتشين مهلة أطول قبل اي اجراء عسكري؟!

هم يعتقدون ان الانتصار العسكري الذي سيحققونه ينهي الموضوع فتتراجع المعارضة وتنحسر ويبدأ التعاطي مع الحالة الجديدة خاصة اذا حسمت الحرب بسرعة. وأنت تعرف ان الناس مع الواقف والمنتصر
هذا دون ان ننسى ان ثمة عاملاً شخصياً يلعب دوره بين آل بوش من جهة وصدام حسين من جهة أخرى منذ حرب الخليج. أما بالنسبة لاعطاء مهلة للمفتشين فلم أخرج بانطباع ان هذا سيحصل


3- يقال ان ما سمعتموه من "بوش الأب" حكم بسرعة سفركم الى شرم الشيخ للانضمام الى الرئيس اميل لحود، ووصلت طائرتكم قبل طائرة الرئيس لحود وطائرة الرئيس الحريري. فهل هذا الذي عجّل بالرحلة؟!

ليس هذا بالضبط هو السبب. الواقع ان البروتوكول يقضي بوصول نائب رئيس الحكومة قبل وصول رئيسها وقبل، طبعاً، وصول رئيس الجمهورية، الا انه – الى ذلك – كنت حريصاً على وضع فخامة الرئيس ودولة الرئيس بالصورة الأميركية كما رأيتها، قبل بدء اجتماعات شرم الشيخ.

4- كيف تثمّنون موقف لبنان في تلك القمة؟! وهل صحيح ان مقررات قمة بيروت العربية 2002 أنقذت قمة شرم الشيخ من حيث كونها مرجعية ومخرجاً للتوافق العربي؟!

ان موقف لبنان هو الموقف النابع من ثوابتنا الوطنية، وقد كان الرئيس لحود بالصفتين، كرئيس للبنان وكرئيس للقمة العربية، في غاية الوضوح والمسؤولية ودلّ على العناوين العريضة التي يجب ان تلتقي القمة حولها. وبالطبع كانت مقرارات قمة بيروت "البوصلة" التي أوصلت الى انقاذ قمة شرم الشيخ وهو انقاذ اتمناه ان لا يكون شكلياً وظاهرياً – لأن واقع التضامن العربي ما زال محفوفاً بالكثير من العراقيل والمصاعب ولا حاجة للاسترسال.

5- وكيف تثمّنون أيضاً خطاب الرئيس بشار الأسد وصداه في أروقة القمة؟!

لقد أثبت الرئيس الأسد مرة أخرى انه رجل دولة من الطراز الرفيع، فمن خطابه الشهير في قمة القاهرة الى خطابه في قمة شرم الشيخ مروراً بسائر خطبه ومواقفه، يتبين لنا ان الجدير عن حق وحقيق ان يخلف والده العظيم في تولي قيادة السفينة السورية، وهو عرف كيف يجمع الحكمة والمعرفة في الأسلوب والأداء الى الصلابة والتصلب في المبادئ والأهداف.
6- كيف تعاملتم مع المبادرة الاماراتية بطلب تنحي الرئيس العراقي صدام حسين مقابل اعطائه كل الضمانات الدولية بعدم محاكمته في "لاهاي" ؟! وهل أنتم مع هذه المبادرة، وان لم تمر في قمة شرم الشيخ، ولا في قمة الدوحة؟!

الواقع ان ردات الفعل كانت مختلفة، فريق وعلى رأسه الامارات وبعض دول الخليج ترى ان هذه المبادرة من شأنها ان تنقذ الشعب العراقي من حرب محتملة لا يعرف الا الله ما ستكلفه من خسائر مادية وضحايا بشرية وانه، لا يجوز تعريض شعب لمثل هذا الخطر بسبب شخص،
اما الفريق الآخر فيرى ان القبول بالمبادرة يشكل سابقة خطرة لجهة التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وان هذا قد يفسح في المجال امام حالات مماثلة قد تحصل مستقبلاً. وعليه فان المبادرة لم تعرض، لأن الأمين العام للجامعة رأى – بعد استمزاج رأي سائر الأعضاء- ان عرضها قد يزيد الطين بلّه ويؤدي الى توسيع الشرخ القائم.

7- كيف تحرك الاطفائي اميل لحود في كواليس قمة شرم الشيخ؟!

لقد كان الرئيس في كل تحركاته واجتماعاته وخلواته حريصاً على وحدة الصف باعتبارها صمام الأمان لتسويق الموقف العربي في المحافل الدولية، وعلى انه لا يجوز ان يكون غير العرب أحرص على العرب من العرب أنفسهم.


II المحور اللبناني

8- هناك هوة واسعة الآن بين الشارع اللبناني المغلوب معيشياً وبين الحكومة. فكيف ستتعاملون بصراحتكم ورفضكم للفساد والانحراف مع ردم هذه الهوة؟!

لا شك ان الهوّة موجودة بين الشعب والحكومة. كنت وما زلت من القائلين بأنها وفّت قسطها للعلى ولا بد من رحيلها، وهناك ما يشبه الاجماع على هذا الأمر الا ان تسارع التطورات في المنطقة جمّد الموضوع.
والاسئلة المطروحة الآن هي :
هل التغيير يجب ان يحصل قبل الحرب المحتملة أو بعدها.
هل تستقيل الحكومة قبل الاتفاق على بديلتها؟
هذا مع تكرار القول بأن المهم، بنظري، في الحكومة المقبلة ان لا تجعلنا نترحم على سابقتها.
البلاد تحتاج الى سلطة تنفيذية من نوع آخر، تضرب بيد من حديد على الفساد المستشري والانحراف ومواجهة الأزمة الاجتماعية بجدية ومسؤولية فالبطالة والفقر والغلاء والظلام وموجة الهجرة وكساد المواسم الزراعية تقض مضاجع العائلات اللبنانية ولا بد من حكومة يتمتع أعضاؤها بالكفاءة والأخلاق والشجاعة والتفرغ والاقدام والشعور بالمسؤولية.

9- غاب مجلس الوزراء غير مرة بسبب أسفار رئيس الوزراء؟! فهل ترون ان هذا الأمر حالة طبيعية، أم ترون حاجة الدستور الى تعديل لتفعيل مجلس الوزراء؟!

دعني أولاً أفصل الموضوع عن الجانب الشخصي، لأن منصب نائب رئيس الحكومة ليس مطوباً على اسم احد. الاّ ان المطلوب هو اما تحديد صلاحيته وطبعاً بالشكل الذي لا يثير اية حساسيات ولا يتعارض مع المبادئ الميثاقية التي ارتضيناها جميعاً، واما الغاء هذا المنصب واعطاء الطائفة الارثوذكسية منصباً آخر ذات صلاحيات معروفة. ولكن اذا كان المنصب بروتوكولياً وللمظاهر فقط فالطائفة بغنى عنه.
اما بالنسبة لانعقاد مجلس الوزراء عند غياب رئيسه فلا بد من معالجته من خلال النظام الداخلي للمجلس أو قانون في مجلس النواب لوضع حد للأخذ والرد حول هذا الموضوع،
ومهما يكن أمر أؤكد على أمرين:
- على ان لا تتوقف عجلة الدولة بغياب رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة.
- على حرصي على مراعاة الوفاق الوطني والأمور الميثاقية في كل ما نقدم عليه.

10- بيان المطارنة الموارنة المنفتح على سورية أنتج شعوراً بالارتياح في الأوساط اللبنانية والسورية. فكيف يرى الرئيس عصام فارس ان تكون الخطوة المقبلة للاستفادة من هذه الأجواء الايجابية بالنسبة للحوار الوطني؟!

لقد لقي بيان المطارنة برئاسة الكاردينال البطريرك صفير ارتياحاً شمل مختلف الفئات ومختلف القوى السياسية والروحية في البلد – وهذه ولا شك خطوة لافتة على صعيد ترسيخ الوحدة الوطنية لأنها ستفسح في المجال امام توفير المناخ الملائم لحوار وطني يرعاه "الرئيس" (وأعني بالرئيس رئيس الجمهورية)، علماً ان الرئيس ليس طرفاً في اي حوار بل هو رمز الوطن ووحدته.
اما بالنسبة للعلاقة مع سوريا فاني ارى انه يجب التمهيد له بالحوار اللبناني – اللبناني، وبعد ذلك يتولى "الرئيس" والحكومة، الأمر من أجل ازالة كل ما يعيق ان تكون العلاقات اللبنانية السورية ممتازة ومميّزة وفضلى، ومثالاً يحتذى للدول العربية جميعاً في العمل العربي المشترك.



11- هل ترون ان اعادة فتح محطة تلفزيون "ام تي في" عامل مساعد لتفعيل الحوار الوطني بقيادة رئيس الجمهورية؟

ان موضوع MTV ينطوي على جانب قانوني قضائي وجانب سياسي.
اما الجانب القضائي فلا أتدخل فيه وذلك من منطلق احترامي المطلق للسلطة القضائية،
واما الجانب السياسي فقد يوجد له مخرج اذا انطلق الحوار الوطني برعاية "الرئيس"
وهناك أيضاً احتمال تقديم مشروع قانون بتعديل المادة ال 68 من قانون الانتخاب الذي استندت اليه المحكمة في قرارها.

12- تبقى عكار والمناطق المحرومة والكارثة الطبيعية من أمطار وسيول. فكيف ستكون حركة هيئة الاغاثة للتعويض عن المتضررين، وسد الحاجات المعيشية؟!

بالنسبة للاضرار التي خلفتها الأمطار والسيول فان الحكومة قامت بالمترتب عليها لناحية تخصيص المبلغ ومسح الأضرار واعطاء الأولوية للأمور الملحة التي تستدعي المعالجة الفورية. اما بالنسبة لعكار والمناطق المحرومة فالأمر مختلف لأن هذا الموضوع يدخل ضمن الموازنة العامة والانماء المتوازن وامكانات الدولة. واني شخصيا لم ولن أوفّر جهداً في هذا الاتجاه، فعكار منطقتي وقد لحقها الغبن والحرمان والاهمال منذ زمن وان أقل الايمان ان تنال ولو الحد الأدنى مما تستحقه ويعود اليها، خاصة وانها لم تقصّر بواجباتها ازاء الدولة وقد رفدتها بقوافل متتالية من الضباط والجنود واستشهد من استشهد من ابنائها من اجل الوطن الذي غذته بنخبة من السفراء والاداريين والقضاة ومفكرين وسواهم.


13- هل هناك توجه الى لجنة طوارئ برئاستكم لتدارك تداعيات حرب العراق في لبنان؟!

مما لا شك فيه ان على الدولة ان تكون مستعدة لكل الاحتمالات وان تكون متحلية بالرؤية وبعد النظر، وانه لمن المفيد جداً تشكيل لجنة طوارئ ( ولا يهم ان تكون برئاستي أو برئاسة سواي) لتسهر على كل التفاصيل سواء منها اللوجيستية بتأمين المواد الضرورية من النفط والغاز وسواها او الاستعانة بفريق من المفكرين والباحثين لرصد التطورات وتقديم الخيارات للدولة خاصة اذا تطورت الحرب، في حال حصولها، لتشكل منطلقاً لتغييرات في المنطقة قد تكون سياسية وقد تتحول - لا سمح الله – الى جغرافية.