مقابلات
PrintEmail This Page
جريدة الراية القطرية
23 كانون الثاني 2003
I المحور الداخلي
دولة الرئيس،

سبق وقلتم ان الحكومة هي في غرفة العناية الفائقة ثم أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري وفاتها محدداً موعداً لدفنها بعد اقرار الموازنة.
هل في لبنان أزمة حكومة أم أزمة حكم أم أزمة وجوه حكومية دون المستوى المطلوت وبالتالي سوء اداء؟
وأي حكومة بديلة تقترحون؟

دعني أقول لك أن الأزمة التي تتحدث عنها قبل ان تكون أزمة حكم وحكومة واداء هي أزمة نظام سياسي. فالنظام الذي نحن في ظله هو نظام طائفي "يطيّف" كل شيئ، ويحوّل أقل الأمور وأتفهها الى حالة طائفية تدغدغ مشاعر الناس وتخلق حالة غير صحيّة تؤثر على الوضع العام برمته، وأعتقد أنه اذا استمر هذا المناخ الطائفي فستبقى البلاد عرضة للتجاذبات والسجالات والمماحكات وشد الحبال من هنا وهناك.

هذا لا يغنينا، طبعاً، عن الاعتراف بسوء اداء بعض الوجوه الحكومية واعترافنا بنفس الوقت بحسن اداء البعض الآخر وبأعمال وانجازات تحققت في عهد هذه الحكومة في المجالين الداخلي والخارجي، وعززت الثقة بلبنان وبموقعه ودوره وبينها ما هو معروف رئاسة لبنان للقمتين العربية والفرانكوفونية وعقد مؤتمريهما في بيروت وتوقيع الاتفاق مع الشراكة الأوروبية وتدشين محطة ضخ مياه نبع الوزاني الى القرى اللبنانية وانعقاد مؤتمر باريس ۱ و۲ فضلاً عن تبادل الزيارات بين الرئيس لحود والعديد من رؤساء العالم، وفي كل حال، نحن الآن أمام واقع أكيد وهو ان الحكومة الحالية فقدت ثقة الرأي العام والقوى السياسية في البلد وهناك نوع من الاجماع الرسمي والشعبي على وجوب استبدالها.

وأظن ان ولادة حكومة بديلة هو – الى جانب الأسباب الداخلية المعروفة – رهن أيضاً بالظروف الاقليمية، وبخاصة، تطورات الوضع في العراق وعواقبه والمتغيرات التي قد تحصل في المنطقة. مع الاشارة الى التوافق الذي يجب ان يكون متوافراً حول هذا الموضوع بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، والى الأخذ بعين الاعتبار مواقف القوى السياسية في البلد.

أما الجواب على سؤالك أية حكومة أقترح فما يهمني هو أمران:
الأول حكومة ذات بيان وزاري واضح في برنامجها واسلوبها ونهجها،  والثاني ان تضم شخصيات محترمة وموثوقة تتمتع بالمعرفة والشفافية والجرأة وقادرة على تحقيق الوعود التي تطلقها وتساعد على ترسيخ الوحدة الوطنية التي هي صمّام الأمان ولها دائماً ألأولوية في توجهنا وعملنا، أنا مدرك للظروف ولواقع الحال وللمناخ الطائفي والمذهبي والعائلي والمناطقي المخيّم على ادائنا السياسي ومع ذلك فعلينا ان لا نألو جهدا للوصول الى واقع جديد والتغلب على العقبات والعراقيل التي تعترضنا.

أين نحن من دولة القانون والمؤسسات؟
هل توافق رأي القائلين بان النظام البرلماني الديمقراطي اللبناني يتجه نحو نظام أمني مخابراتي نتيجة ما يُشكى من تجاوز القوانين وتضييق على الحريات، سواءً في الاعلام أو التظاهر أو التوقيفات الاعتباطية وما الى ذلك من مؤشرات جدية تثير القلق على الحرية والديمقراطية في لبنان؟

هل أقول جديداً اذا قلت ان لبنان دون الحرية ليس لبنان وان لا حياة له خارجها وخارج النظام الديقراطي وان مبرّر وجود وطننا هو هذه المساحة التي بوسع الانسان فيها ان يعبد ربه كما يريد ويفكر كما يريد ويعبّر عن نفسه بالشكل الذي يريد بمختلف وسائل التعبير المقرؤة والمرئية والمسموعة؟

الاّ ان ثمة سقفاً للحرية وهذا السقف هو الدستور والقانون، فالحرية لا تعني الفوضى، ولا تعني الفلتان ولا تعني الابتزاز ولا تعني التعدي على حرية الآخرين، والدستور يصون الحرية ويقول "الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون" ولا يمكن ان يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف الا وفاقاً لأحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة الا بمقتضى القانون" (المادة ۸) وحرية الاعتقاد مطلقة (المادة ۹) والتعليم حر ما لم يخل بالنظام العام ..." (المادة ۱۰) وحرية ابداء الرأي والطباعة والاجتماع وتأليف الجمعيات ... مكفولة ضمن القانون (المادة ۱۳) وكذلك حرمة المنزل والملكية ...الخاني أخالفك الرأي بأن لبنان يتحه نحو نظام أمني مخابراتي، واذا كان لا سمح الله ثمة تجاوزات أو شطط أو افراط أو سوء استعمال السلطة فعلينا مواجهتها بكل حزم لكي نحافظ على بلدنا كموئل للحريات واحترام حقوق الانسان والا فقد لبنان مبرّر وجوده.

ما هو موقفكم من قانون الانتخابات وهل أنتم مع لبنان دائرة واحدة أو دائرة مصغرة أو مع خيار آخر ولماذا؟

أنا بالمطلق مع قانون انتخابي عصري مبني على نظام أحزاب غير طائفية تخوض الانتخابات في مختلف المناطق اللبنانية بموجب برامج وأفكار سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية واضحة ولتكن المعارك الانتخابية من هذا المنطلق والا فستظل في دوامة الأمراض التي نشكو منها.

وحبذا لو نقوم بخطوة ثورية في هذا الاتجاه، ولكن بين التوق والواقع بون شاسع. لأنني لست متيقنا ان المستفيدين من هذا النظام الطائفي مستعدون للسير بهذه الخطوة! اما اذا تعذر الأمر، فلا بد – وهذا ما رددته مراراً – من قانون انتخاب يكون الأقرب الى تمكين الشعب من التعبير عن ارادته ورغباته واتجاهاته والى تأمين حرية الناخب وضمان سلامة العملية الانتخابية عن طريق المكننة والعازل وتنقية لوائح الشطب وتنظيم الدعاية الانتخابية وتحديد التفقات الانتخابية وسرعة اعلان النتائج وما الى ذلك من الاجراءات التى طالما طالبنا بها.
أما بالنسبة لتقسيم الدوائر فاننا بانتظار ان تعرض علينا وزارة الداخلية – وهي الجهة المخوّلة بذلك – مشروعها وعندها نبدي الرأي فيه، علماً ان لا مشكلة شخصية عندي حول هذا الموضوع مهما كان شكل الدوائر.

هل ساهمتم في انجاح باريس ۲ ؟ وكيف؟
هل يشكل باريس ۲ حلاًّ للأزمة المالية الاقتصادية والمديونية العامة؟
هل يصلح العطار الباريسي ما تفسده سياسة المحاصصة والهدر وتناهش مقدرات الدولة ومؤسساتها؟
كبف السبيل للخروج من الأزمة الاقتصادية ومواجهة المديونية العامة فعلا؟
الانصاف يقضي بالقول بأن الفضل الأول في عقد باريس ۲ يعود الى الرئيس رفيق الحريري وتحركه الدؤوب والى دعوة ورعاية صديق لبنان الرئيس جاك شيراك للمؤتمر والجهد الجدي الذي بذله لنجاح المؤتمر والى مباركة الرئيس لحود وتفاهمه مع رئيس الحكومة في هذا الاتجاه.
اما بالنسبة اليّ فربما أكون قد ساهمت من موقعي الحكومي والشخصي في توفير المناح السياسي المؤيد للمؤتمر بالموقف الايجابي والتصريحات التي صدرت عني حول هذا الموضوع.
ومهما يكن أمر فقد قلت أكثر من مرة بأن باريس، لا يمكن ان يعطي الثمار المرجوة منه الا اذا تزامن مع اصلاحات مالية وادارية تؤدي الى تفعيل الجباية ووقف هدر المال العام وتقليص النفقات وتحسين اداء الادارة ووضع حد للفساد والهريان الضاربين فيها وتغليب الأهم على المهم واتباع سياسة تقشف تفرضها الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي وصلنا اليها. وبودي الاعتقاد ان هذه هي العناوين التي يجب ان تكون هدف الحكومة المقبلة. والاّ يصح فينا المثل القائل : " وكاننا يا بدر لا رحنا ولا جينا ".
ان اية خطة ان لم يتولاها أشخاص على قدر المسؤولية، تبقى حبراً على ورق.

II المحور الأقليمي
دولة الرئيس،
كيف ترون الوضع الدولي في خضم دق طبول الحرب في العراق؟

العالم كله ينتظر ما ستتضمنه تقارير المفتشين الدوليين في العراق وهنا تتوالى الأسئلة: ماذا ستحمل هذه التقارير؟، وما سيكون عليه الوضع اذا قالت أنها لم تعثر على ما تفتش عنه؟، وهل الولايات المتحدة حينئذ ستقدم ما عندها من أدلة وبراهين لثبات العكس؟.
ثم ما سيكون عليه الموقف في مجلس الأمن فالمعلوم في المفهوم الأميركي للقرار ۱٤٤١ أن الضربة تلقائية ولا تحتاج الى قرار آخر بينما المفهوم الفرنسي والروسي والسوري هو عكس ذلك، فاذا استمر كل من الفرقاء على موقفه فان الأمم المتحدة نفسها قد تتعرض لأزمة دقيقة. وفي كل حال ما علينا الاّ الانتظار.


هل ترون ان الحرب واقعة لا محال؟

لا أعتقد ان أحداً يمكنه الجزم القاطع أو النفي المطلق، فاذا عدنا الى حرب الخليج نرى أنها تحولّت من حرب بين العراق والكويت الى حرب بين المجتمع الدولي والعراق تنفيذاً لقرارات واضحة صادرة عن مجلس الأمن الدولي. أما اليوم فالأمر مختلف لأن القرار ۱٤٤١ حضر مضمونه بعمل المفتشين ولم يصل الى الدرجة التي يخوّل فيها صراحة الضربة التلقائية.

هل ترون ان ثمة صلة بين ما يجري في فلسطين وما قد يجري في العراق؟
وهل هناك مخطط لحمل الدول العربية تباعاً على الاعتراف باسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية معها قبل الاعلان عن قيام الدولة الفلسطينية واستيعاب العراق والدول المجاورة لقسم كبير من اللاجئين الفسطينيين؟

يتراءى لي انه في حال حصلت الضربة الأميركية البريطانية (وبتحالف دولي اذا تغيّرت المعطيات الحالية) فقد تجد الولايات المتحدة الفرصة مؤاتية لفرض حل لمسألة الصراع العربي الاسرائيلي.
أما موضوع الاعتراف التدريجي فقد حصل باعتراف مصر والأردن وعرفات بالكيان الاسرائيلي فضلاً عن القنوات المفتوحة بين اسرائيل وبعض الدول العربية وخاصة في المجال التجاري. ولولا الصمود السوري واللبناني لكان كل شيىء قد انتهى .

أين القمة العربية مما يجري؟

الأصح أن تسأل أين العرب؟ أن القمة العربية اذا لم تدع الى الانعقاد في مناخات عربية ملائمة وتوافقية فالأفضل لها ان لا تنعقد. لقد خرجت قمة بيروت بقرارات ممتازة نالت الموافقة الاجماعية، وحصل أثناءها كسر الجليد بين العراق والكويت. أما اليوم فالأجواء ضبابية ولا أدري ما اذا كان ثمة رؤية موحدة لما يجب أن تكون عليه المواقف العربية. قلناها مراراً، لا خيار أمام العرب الاّ تضامنهم وتوحدهم واذا كانت قوة اسرائيل تستند الى دعم الولايات المتحدة والشتات اليهودي في العالم فهي تستند أيضاً الى تفكك العرب وتبعثر قواهم وقدراتهم.
" الا هبّوا واستفيقوا أيها العرب "، قالها لبناني منذ أكثر من قرن وما زالت الدعوة قائمة.


ا هي بنظركم الانعكاسات التي قد تترتب على المنطقة، وتحديداً على لبنان، سياسياً وأمنياً واقتصادياً في حال قررت واشنطن تنفيذ مخططها بضرب العراق، وخاصة بالنسبة للسيطرة على منابع النفط واحتمال تغيير جغرافي في المنطقة؟

انا لا أعتقد ان بيد الولايات المتحدة حلولاً معلّبة لكل مشكلة، ففي الحروب قد نُمسي على شيىء ونصبح على شيىء آخر. هذا مع العلم ان الأمر يختلف اذا تولت أميركا وحدها الحرب أو اذا شاركها المجتمع الدولي ودول أخرى كبرى في العالم وهذه ايضاً لها مصالحها وحساباتها، وبالتالي ستكون لها مشاركتها في النتائج وفي الحلول وفي كيفية التصرف بالموارد الطبيعية للمنطقة.
أما بالنسبة للتغيير الجغرافي والفرز العرفي والأمني والمذهبي فدونه الكثير من الموانع والعقبات. وفي كل حال، نحن في عالم عجيب غريب: عولمة تشق طريقها، دول تتحد مع بعضها، ودول تنشطر وأخرى غارقة في حروب داخلية.
وحبذا لو تتجه جهود العالم للقضاء على الجوع والقهر والفقر والأمية والمرض والجريمة وتلوث البيئة والفضاء، والقضاء على المخدرات وأسلحة الدمار وازالة الفوارق بين الطبقات والتمييز بين بني البشر والوصول باحترام حقوق الانسان الى مداه الأقصى والى الحد من كل أنواع الهيمنة والسيطرة والاستغلال سواء على مستوى الدول أو على مستوى الانسان.

هل نحن فعلاً أمام حرب أو صراع حضارات؟

أنا لا أستسيغ عبارة حرب حضارات لأن الحضارات لا تتصارع، فالشعب الأميركي نفسه مكوّن من مهاجرين ينتمون الى مختلف شعوب العالم وكل منها نقل الى الولايات المتحدة حضارته وتراثه وتقاليده وعاداته. الاّ ان الحادي عشر من أيلول ۲۰۰۱ خلق وضعاً جديداً. وبرز موضوع الأرهاب ليحتل أولوية اهتمامات الادارة الأميركية كما برز موضوع التمييز بين المقاومة والارهاب.
انا أعتقد أنه يجب استبدال عبارة صراع الحضارات بعبارة حوار الحضارات ولبنان هو المثل الجلي لمثل هذا الحوار وقمة بيروت للفرنكوفونية انما عقدت تحت هذا الشعار.