مقابلات
PrintEmail This Page
جريدة الشرق الأوسط
13 حزيران 2003
بين الحكومة السابقة والحكومة الحالية ما الذي تغير بالنسبة إلى عصام فارس دوراً وموقعاً وماذا تغير بالنسبة للبنان؟

الواقع انه بالنسبة إليّ، لا موقعي تغيّر ولا دوري تغيّر فموقعي ما زال نائباً لرئيس مجلس الوزراء ودوري مازال هو هو، أي دور رجل الدولة الذي لا يطلب شيئاً لنفسه، الحر، المستقل، المقِّرب بين القلوب وبين وجهات النظر، الحريص على كل ما يقرّب، والبعيد عن كل ما يباعد ويفرّق.
لا همَّ لي من انخراطي في الحياة السياسية إلا مصلحة الوطن العليا والتعبير عن أحاسيس الناس ومشاعرهم وآلامهم وآمالهم.
يقول أحد المفكرين:"إن الفرق بين رجل السياسة ورجل الدولة أن رجل السياسة يعتبر الأمة ملكاً له أما رجل الدولة فيعتبر نفسه ملك الأمة. واحمد الله أني لست من الصنف الأول.
أما ماذا تغيّر بين الحكومتين بالنسبة للبنان فجوابي مع الأسف: لا شيء!!
ماذا يشكو المواطن اللبناني؟
يشكو هذا المواطن من الغلاء، من البطالة، من الهجرة، من الفساد في الإدارة، ومن تدخل السياسيين فيها، من القضاء المنتقصة استقلاليته،
ويشكو من عدم تطبيق العديد من بنود وثيقة الوفاق الوطني وبخاصة تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية، ومن وضع قانون جديد للانتخاب، وقانون اللامركزية الإدارية...

ويشكو من تراكم الدين العام
ويشكو من تعثر عجلة الإنماء،
ويشكو من طبيعة العلاقات بين كبار المسؤولين.
ويشكو من الطائفية والمذهبية والعصبيات،
ويشكو من عدم وضع الموظف المناسب في المكان المناسب،
ويشكو من غياب الشفافية في الأداء العام،
ويشكو ويشكو، ...
وعليه أسألك أنت ماذا تغير؟

لم يشعر اللبنانيون إن الحكومة الجديدة لبّت الطموحات والتطلعات والجميع بالوقت نفسه نفض وينفض يده منها. تُرى حكومة مَنْ هذه برأيك؟

أنت تتكلم عن "الحكومة الجديدة" والواقع أنها بنظري وبنظر الرأي العام اللبناني ليست "حكومة جديدة" بل هي الحكومة القديمة Bis مع بعض تعديلات طفيفة لم تؤثر في بنيتها الأساسية. وبالتالي فهي، بنظري، عاجزة عن تلبية الطموحات والتطلعات التي أشرت إليها. ومن يتابع مجريات الأمور على الساحة السياسية يتأكد له كذلك. وسأكون سعيداً جداً إذا حمل لنا المستقبل عكس ما أقول.

أما حكومة مَنْ هذه؟ فجوابي إنها من الناحية الدستورية حكومة من وقَّع مراسيم تشكيلها ومن منحها الثقة.

وأما تحديد عمرها فيصعب علي التكهن، فالحكومة معوقّة ومصابة بالشلل. Wait and see "وايت اند سي".

لوحظ انه موضوع صلاحيات نائب رئيس الحكومة عاد إلى التداول والنقاش ما هي خطة تحرككم الجديدة في هذا الصدد؟

أود أولا أن أُبعد هذا الموضوع عن الجانب الشخصي واضعه في إطارين: إطاره الدستوري القانوني وإطاره السياسي.
بالنسبة للإطار الأول، صحيح أن الدستور لا يتضمن إشارة إلى مناصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزراء الدولة، ولكنها موجودة في مراسيم تشكيل معظم الحكومات التي تعاقبت على لبنان منذ ثلاثينات القرن الماضي حتى اليوم، فأصبحت عرفاً. وللعرف كما هو معلوم، قوة القانون.
وهنا اتساءل: هل أن الرئيس لحود والرئيس الحريري خالفا الدستور عندما وقّعا مرسوم تشكيل الحكومة المتضمن وجود نائب لرئيس مجلس الوزراء ووزراء دولة؟

وهل أن مجلس النواب خالف الدستور عندما منح الحكومة الثقة؟
وهل خالف رئيس الجمهورية الدستور عندما وقع على "معاهدة الاخوة والتنسيق والتعاون" بين لبنان وسوريا وهي التي تنص على أن نائب رئيس مجلس الوزراء هو عضو في المجلس الأعلى السوري اللبناني؟
أما بالنسبة للإطار السياسي فانه من المعروف أن هذا المنصب – وفي ظلّ النظام الطائفي الذي نعيشه - خُصص لطائفة الروم الأرثوذكس في إطار التوازن المفروض أن يكون موجوداً بين مختلف الأسر الروحية في لبنان،

فإذا كان ثمة من لا يعترف بوجود هذا المنصب فما على أولي الشأن إلا إلغاءه والتعويض على الطائفة بمنصب آخر.

لوحظ أن علاقتكم برئيس الحكومة رفيق الحريري تمرّ بمدّ وجزر وبحرارة وبرودة فما هو سبب ذلك؟

الواقع أن هناك نوعين من العلاقة: العلاقة الشخصية والعلاقة السياسية، إذا صحّ التعبير،
فبالنسبة للأولى أنها ممتازة ولا تنطوي إلا على الاخوة والصداقة وعلى كل الود والاحترام والتقدير.
أما العلاقة السياسية فيحكمها ضميري وقناعتي ومصلحة لبنان العليا، فعندما يطرح موضوع ما على مجلس الوزراء، ابدي رأيي بكل صراحة ووضوح وأعلن موقفي من منطلق ما أكون مقتنعاً به، فنحن نعيش في ظل نظام ديمقراطي، التباين طبيعي أن يكون موجوداً والاختلاف في المواقف أيضاً، ولا استوحي في أقوالي إلا ما أراه لخير البلد وخير مواطنيه. وقد صفّيت كل أعمالي في لبنان وبعت المصرف الذي كنت املكه كي لا يكون ثمة رابط بين مواقفي الرسمية والسياسية وبين أعمالي الخاصة.

ما هو موقفكم من الخلافات الرئاسية التي تبدو أحيانا وكأنك طرف فيها أو مساهم في التسبب بها ؟

أقولها بكل صراحة المشكلة هي في اختزال المؤسسات، وطالما إن السلطة التنفيذية هي بيد مؤسسة مجلس الوزراء فمن الطبيعي أن تطرح كافة المواضيع داخل هذا المجلس.
وإذا كان الاختلاف، (كما أشرت) أمراً مشروعاً فالعودة إلى مجلس الوزراء واجب يفرضه الدستور. فإذا انطلقنا من هذا المبدأ تدرس كل الملفات وفقاً لما نص عليه هذا الدستور، المهم فصل الشؤون المطروحة عن الجانب الشخصي، وعندها يرتاح الجميع.
أما بالنسبة الي فإني أؤكد لك أنني دائماً طرف، ولكن طرف ما اعتقده حقاً وقانونياً ودستورياً ولن أحيد عن هذا المبدأ.

أين يقف عصام فارس في الاستحقاق الرئاسي تمديداً للرئيس لحود أو انتخاب رئيس جديد وهل لديك مرشحك للرئاسة؟

هناك سنة واربعة اشهر تفصلنا عن موعد الاستحقاق الرئاسي وان إثارة هذا الموضوع الآن خطأ وليس في مصلحة البلد لأن ذلك سيخلق حالة من عدم الاستقرار والبلبلة ويلهي الدولة والناس عن الاهتمام بمشاكلهم وهمومهم اليومية التي تحتاج إلى انكباب جدي على معالجتها،
هذا فضلاً عن انه منذ الآن إلى يومها تتبدل الكثير من المعطيات وبخاصة في الظروف المصيرية والبالغة الدقة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.

كيف تنظرون إلى مستقبل لبنان وسوريا خصوصاً والمنطقة عموماً في ضوء الزلزال العسكري والسياسي الذي ضرب العراق وما هي الانطباعات والمعطيات التي تكونت لديكم في ضوء اتصالاتكم وعلاقاتكم الاقليمية والدولية؟

مما لا شك فيه أن المنطقة مقبلة على تغييرات وهنا أذكّرك بما سبق وأعلنه وزير الخارجية الأميركية كولن باول بوجوب "إعادة تشكيل الشرق الأوسط".
وان المؤتمرات واللقاءات الدولية والهامة التي حصلت في الأيام الماضية في بطرسبرغ وشرم الشيخ والعقبة مؤشرات في هذا الاتجاه.

مع الإشارة إلى أن خريطة الطريق ليست خريطة أميركية فعرّابوها هم الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة – والاتحاد الأوروبي.

ولكن أسئلة عديدة مطروحة الآن ومنها على الأخص:
- قدرة أبو مازن في السيطرة كلياً على الحالة الفلسطينية.
- وقدرة شارون في السيطرة كلياً على الحالة الإسرائيلية.

موضوع اللاجئين
ومستقبل القدس
ودون أن ننسى موضوع الإرهاب الذي اصبح يشكل بالنسبة لأميركا أولوية كبرى بعد 11 أيلول 2001.
هذا دون أن ننسى العراق وكيف ستتطور أموره وطبيعة النظام الجديد فيه.

ودون أن ننسى تصدير ما يمكن أن يسمى "العصر الأميركي" إلى المنطقة من السلع الأميركية إلى الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان... الخ.

أما بالنسبة إلينا في لبنان وسوريا فإننا نركز كل يوم على موقفنا الثابت النابع من تمسكنا بالسلام العادل والشامل الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية التي احتلتها وعودة الحقوق إلى أصحابها وفقاً للشرعية الدولية ومرجعية مدريد وإعلان القمة العربية الذي صدر في بيروت.
مع التذكير بموقف لبنان الإجماعي والثابت من موضوع حق العودة ورفض توطين الفلسطينيين على أرضه.

لماذا غيابك المتكرر عن مجلس الوزراء؟ هل سببه استيائك من الوضع السياسي العام أو من الوضع الحكومي خصوصاً أم هل هناك اسباب أخرى؟ ما هي؟

في الواقع لم اتغيب عن مجلس الوزراء الا في الفترة الاخيرة حين اصبح مجلس الوزراء مغيباً..
واعتقد ان نتائج الجلسات التي تغيبت عنها دليل على صوابية موقفي من ضرورة العودة الى الدستور والقانون والمؤسسات، والى التطبيق الفعلي والحقيقي لمبدأ فصل السلطات.
فطالما إن المواضيع الهامة لا تطرح على المجلس،
وطالما إن المشاكل الأساسية تحل خارجه،
وطالما إن جدول الأعمال يقتصر على شؤون روتينية، عادية، وغالباً تافهة، فإن حضوري – وحضور غيري من أعضاء الحكومة – جلسات مجلس الوزراء لا نفع منه ولا جدوى.

قيل انكم عارضتم تنفيذ مشروع المدينة الالكترونية في الدامور وطالبتم بان ينفذ هذا المشروع في منطقة الضبية، مما ادى الى تعطيل او تجميد هذا المشروع، فما هي حقيقة موقفكم في هذا الصدد ؟

في الحقيقة ان المشروع عرض على مجلس الوزراء بغيابي وتشكلت لجنة وزارية برئاستي لدراسته ولم تتمكن اللجنة من عقد أي اجتماع بسبب استقالة الحكومة. ونحن بانتظار اعادة تشكيل اللجان الوزراية من قبل الحكومة الجديدة لكي تتابع هذه اللجان مهامها وعرض نتائج اعمالها على مجلس الوزراء.

تتكرر الدعوات اليومية إلى وجوب الاحتكام إلى الدستور والى احترام فصل السلطات فهل يعني ذلك أننا حتى اليوم لم نفعل ذلك؟

بالفعل هنا المشكلة، لأن الدعوة إلى الاحتكام إلى الدستور يفهم منها ضمناً إننا لم نكن نحتكم إليه،
وإذا كنا لم نفعل قبلاً فلا بد من معرفة من هو المسؤول عن ذلك.
إن اختزال السلطات في أشخاص وعدم احترام الفصل فيما بينها هو أيضاً مخالفة للدستور. فالدستور هو الذي يجب أن يكون "الحَكَم" والمرجع.
ويجب أن تتحول المواضيع من جانبها الشخصاني إلى جانبها المؤسساتي.
وما نأمله أن تحمل لنا الأيام المقبلة خطوات إيجابية في هذا الاتجاه.

سبق وتحدثتم عن وجوب إجراء بعض التعديلات الدستورية فما هي المواد التي ترون وجوب تعديلها؟

أن موضوع إجراء تعديلات على الدستور أمر بالغ الدقة ويجب أن يدرس بعناية فائقة، فهناك مواد من المفيد إعادة النظر فيها وأخرى لا بد من توضيحها.
على سبيل المثال:
- مساواة رئيس الحكومة والوزراء بالمهلة المعطاة لرئيس الجمهورية في توقيع المراسيم.
- موضوع حل مجلس النواب لأن شروط الحل كما هي واردة حالياً في الدستور من الصعب جداً أن تتوفر.
- متى تبدأ مهلة الأربعين يوماً المنصوص عليها في المشاريع المعجلة المحولة من الحكومة إلى مجلس النواب.
- الى غير ذلك من مواد لا مجال للتبسط فيها الآن.