تصاريح
PrintEmail This Page
مطالعة نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس حول مشروع موازنة عام 2004
20 تشرين الأول 2003
لم يحضر نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس جلسة مجلس الوزراء المخصصة لمناقشة مشروع موازنة عام 2004 نظرا" لوجوده الاضطراري في الخارج. إلا أنه كان حريصا" على وضع مطالعة حول المشروع لما للموازنة من أهمية ومن انعكاسات على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وهذه هي المطالعة:

أولا": قدم معالي وزير المالية مشروع موازنة 2004 في كتابين:

أ- الكتاب الأول تحت عنوان "الورقة التقديمية لمشروع موازنة عام 2004".
وهي عبارة عن مقدمة تبريرية تحاول تغطية الأسباب الحقيقية لعدم تحقيق موازنة العام 2003 أهدافها.
كما أنها ورقة اتهامية إذ تشير في عدة مواقع منها الى أن هناك من يماطل ومن يعرقل مسيرة الاصلاح في البلد.
ولعل المقصود بتقديم مشروع الموازنة بهذا الأسلوب الغير مسبوق هو ترك تحليل أرقام الموازنة وتجاهل الوضع المالي العام والدخول في سجالات سياسية وإعلامية كما حدث في الأيام التي تلت توزيع مشروع الموازنة على وسائل الاعلام.

ب - الكتاب الثاني مشروع موازنة 2004 متضمنا" خيارين:
الخيار الأول : بدون إجراء عمليات التخصيص والتسنيد
والخيار الثاني : في حال إجراء عمليات التخصيص والتسنيد.

ثانيا": تقييم الخيارات وتصويب المسار الاصلاحي
 في الخيار الأول
لقد كان من الأنسب عرض هذا الخيار مع مشروع موازنة 2003 وهذا ما طالبت به في مداخلتي منذ سنة أثناء مناقشة المشروع في مجلس الوزراء حين واكب عرض مشروع الموازنة إصرار على ضرورة الإسراع في إقرار الموازنة بهدف إحداث صدمة إيجابية في الأسواق المحلية والدولية، وإرسال إشارات إيجابية للمؤسسات الدولية المستعدة لموآزرتنا.

 في حينه وحرصا" على مصداقية الحكومة في الداخل والخارج وعلى نجاح المشروع "الجريء والمفصلي" نبهنا إلى ضرورة تكريس الوقت الكافي لدراسة الموازنة، بتمعن وروية كي نتأكد من حظوظ تحقيق المشروع للأهداف التي نصبو إليها جميعاً، باعتبار أن التسرع قد يعطي انطباعاً معاكساً بعدم جديتنا في الدراسة، وعدم إدراكنا الكافي لأهمية الإجراءات الجذرية التي تضمنها المشروع. وللأسف هذا ما حصل.

 في حينه لفتنا النظر إلى مغالاة مشروع الموازنة في مستوى الأهداف التي وضعها وخاصة تخفيض خدمة الدين العام من 5700 إلى 4000 مليارعلى أساس تخفيض الدين العام إلى 25 مليار دولار (كما ورد في ورقة “باريس-2” ص 16). وبعد تحليل مفصل لأرقام الدين العام حذّرنا من فرضية تخفيض خدمة الدين 1700 مليار ليرة واعتبرناه غير منطقي لأن نتائج مؤتمر “باريس-2” تتحقق تدريجيا" وليس في بضعة أشهر كما افترضته الموازنة وطلبنا، أن يطلعنا وزير المالية على كيفية احتساب تطور وحجم الدين العام وفوائده شهرا" بشهر للعام 2003 لنرى مدى واقعية الأرقام التي وضعها في مشروع الموازنة.

 في حينه كان لدينا عدة ملاحظات تتعلق بعدم كفاية الاجراءات المتخذة وطالبنا بإضافة الضريبة على المداخيل الريعية وأهمها "الفوائد" التي عورضت بشدة في مجلس الوزراء ثم اعتمدت لاحقا" في مجلس النواب كحل فوري وسريع لتغطية بعض النفقات التي أجبر وزير المالية على إضافتها.
كما أبدينا ملاحظات على الأرقام الافتراضية المتعلقة بواردات الاتصالات وعائدات تسوية الأملاك البحرية واعترضنا على عدم إدراج مبالغ نعرف أنها سوف تنفق وإدراج مبالغ أخرى لن تدفع.

 وخلصنا الى أن الاجراءات غير كافية لتحقيق أهداف الموازنة، حتى ولو تأمنت الموارد المالية والمقدرة في حينه بعشرة مليارات دولار.

الآن :
بدلا" من استخلاص العبر وتصويب المسار وفقاً للتوجهات التي تضمّنتها ورقة “باريس-2” كبرنامج إصلاحي، قدم الوزير الخيار الأول خاليا" من التدابير والإجراءات الإصلاحية السابقة كالضريبة الموحدة، والأملاك البحرية ...وغيرها وباتجاه معاكس لورقة “باريس-2”.

أما أهم نتائج هذا الخيار فهي:
إجمالي النفقات (موازنة + عمليات خزينة) 10،150 مليار ل.ل.
إجمالي الإيرادات (موازنة + عمليات خزينة) 6،850 مليار ل.ل.
العجز الإجمالي 3،300 مليار ل.ل.
خدمة الدين 4،300 مليار ل.ل.


 الخيار الثاني (أي في حال إجراء الخصخصة والتسنيد)
تتلخص أهم نتائجه بالآتي:
إجمالي النفقات (موازنة + عمليات خزينة) 9،750 مليار ل.ل.
إجمالي الإيرادات (موازنة + عمليات خزينة) 6،850 مليار ل.ل.(مساوية للخيار الأول)
العجز الإجمالي 2،900 مليار ل.ل.
خدمة الدين 3،900 مليار ل.ل.

في ضوء هذه الأرقام ُيلاحظ الآتي:
أ"- أن الايرادات في الخيار الثاني لا يمكن أن تبقى كما هي في الخيار الأول أي 6،850 مليار لأنه في حال إجراء الخصخصة والتسنيد تنخفض الايرادات.
ب- الأمر المقلق أنه وبعد أن حصل لبنان "على فرصة نادرة وغير مسبوقة في أهميتها وجديتها"، بحسب تعبير وزير المالية، وتدفق العشرة مليارات دولار بنتيجة “باريس-2” وبالرغم من تحسن الايرادات هذه السنة لم ينخفض حجم الدين العام الى 25 مليار كما كان متوقعا" بل ارتفع الى 33 مليار.
مما يدفعنا الى الطلب من وزير المالية أن يساعدنا على فهم ما حصل عن طريق تزويدنا بالجداول التالية:
1. تطور الدين العام حتى نهاية شهر تموز 2003.
2. توزيع استحقاقات سندات الخزينة بالليرة اللبنانية.
3. تطور قيمة سندات الخزينة بالليرة اللبنانية حسب صفة المكتتب.
4. الدين العام الخارجي بالعملات الأجنبية حتى نهاية تموز 2003.

ينذر مشروع الموازنة بأنه حتى لو اعتمدنا خيار الخصخصة والتسنيد سيكون العجز الإجمالي 2،900 مليار مما يعني أننا لو بعنا الآن "الجمل بما حمل" من خليوي وكهرباء ومياه وايرادات الكازينو ورسوم الجمارك على التبغ والتنباك ورسوم عبور الأجواء وكل ما تجيزه قوانين الخصخصة والتسنيد، قد لا تكون كافية للخروج من "فخ المديونية". الأمر الذي يجب التوقف عنده والطلب من الوزير العودة إلى ما قدمه في مؤتمر “باريس-2” وأعني بذلك "جدول احتساب تطور المالية العامة والدين العام للسنوات 2002 إلى 2007" .
وباعتبار أن ما تحقق من نتائج على صعيد الدين العام والعجز، جاء مغايراً بنسب كبيرة عما توقعه الوزير.
فقد بات من الضروري إعادة احتساب وتصحيح "الجدول الارتقابي" المذكور للسنوات الأربع المتبقية من "البرنامج التصحيحي".

ونتمنى، هذه المرة، أن يأتي التصحيح شاملاً النقاط الأربع التالية:
1. أن يكون بالتوافق الصريح والدقيق مع مصرف لبنان كي لا نكتشف لاحقا" كما تبين لنا هذا العام، من مقدمة الوزير، أن ثمة تباينا" في السياسات المطبقة من قبل كل من وزارة المالية ومصرف لبنان.
2. أن لا يتم إغفال نفقات من المعروف أنها ستدفع كما حصل هذا العام بالنسبة لمؤسسة كهرباء لبنان مثلا"، وبالتالي احتساب المبالغ المطلوبة لتأمين الفيول للعامين المقبلين لأنه من الواضح أن مؤسسة كهرباء لبنان لن تحقق فائض في العام 2004.
3. أن يتم تخفيض ايرادات الدولة بنتيجة تفرغها عن ايرادات المرافق التي يتم تخصيصها أو تسنيدها عند احتساب أرقام مشروع الموازنة و"الخطة" للأربع سنوات المتبقية من البرنامج المذكور.
4. أن يتم التمييز بين الفوائد على الدين المستجد والفوائد على الدين السابق كي نتمكن من معرفة أثر تغير الفوائد على حجم خدمة الدين عند احتساب خدمة الدين العام نتيجة الانخفاض المفترض في معدلات الفوائد.
وفور إعداد هذا النموذج الارتقابي وإعادة صياغة مشروع الموازنة من ضمنه يتوجب علينا جميعا" إعادة تقييم الأمور والسير بالخيار الذي نتحقق من أنه الأفضل.

هذا على صعيد تقييم الخيارات وتصويب المسار الإصلاحي

ثالثا: تحليل أرقام مشروع الموازنة
أما على صعيد تحليل الأرقام في مشروع الموازنة فنسجل الملاحظات التالية:

1. في المالية العامة
كالعادة، أرقام المشروع لا تشمل كامل الانفاق العام.
فعلى سبيل المثال تم دفع مبلغ 180 مليون دولار لشركتي الخليوي ولم تظهر في النتائج المالية لهذه السنة.

2. في حجم الدين العام وإدارته وخدمته
ضرورة احتساب خدمة الدين العام على أساس "الجدول الارتقابي" المصحح للسنوات الأربع القادمة والجداول التي توضح تطور الدين العام وخدمته لنرى مدى واقعية الأرقام المدرجة في مشروع الموازنة.
إذ لا يجوز أن يعتمد مجلس الوزراء هذه السنة أيضا" أرقاما" غير مدعمة بهذه الجداول التي تبين طريقة احتساب خدمة الدين والذي يشكل 47% من النفقات وهو أساس المشكلة ومعرفة حجمه هو بداية المعالجة.
مع العلم أنه لو قمنا بعملية احتساب على أساس حجم الدين العام البالغ 48،937 مليار بنهاية آب 2003 مع متوسط معدل فائدة 9،47% لوجدنا حجم خدمة الدين العام يختلف عما توقعه الوزير في ورقته التقديمية (اي 4800 مليار).
وبالتالي لو اعتمدنا خدمة الدين العام بنهاية 2003 (كما توقعه الوزير) = 4،800 مليار
وبما أن خدمة الدين العام مع الخصخصة والتسنيد في مشروع الموازنة = 3،900 مليار
يكون التخفيض الحقيقي في خدمة الدين في حال الخصخصة والتسنيد = 900 مليار
أي أنـه يقارب التخفيض الفعلي للعام 2003 والـذي بلـغ 900 مليار
من 5700 مليار (تقديري) بدون "باريس-2" الى 4800 مليار بعد "باريس-2" نتيجة "تدفق" 10 مليارات دولار
إذن التخفيض في خدمة الدين غير واقعي خاصة إذا أضفنا الخطأ الغير بسيط وهو كما أشرنا سابقا" الاحتفاظ "بالواردات" بعد التخصيص والتسنيد.
وهنا لا بد من توضيح أن التسنيد الذي هو حسم لايرادات مستقبلية تتفرغ عنها الدولة وبالتالي تنخفض ايرادات الموازنة في السنين اللاحقة فيتزايد العجز الاجمالي.
والتسنيد عمليا" هو مجرد استبدال دين بدين.
كما سيحصل عند تسنيد رسوم التبغ والتنباك: فالمتوقع أن تكون العملية في حدود 500 مليون دولار مما يعني استبدال دين بنفس القيمة ولكن مع تحسين نقطتين عن السوق.
أي أن الوفر المتوقع من خلال هذه الآلية المعقدة تقنيا" هو في حدود 10 ملايين دولار فقط.

3. في اختلاف الأرقام بنسب كبيرة مقارنة بالعام السابق بدون ايضاح الأسباب
نتمنى على وزير المالية أن يضمن المشروع ايضاحات تبين أسباب تغيّر بعض الأرقام حين تكون نسب التغيّر كبيرة مقارنة بالعام الماضي.
فعلى سبيل المثال:
- زيادة التعويضات عن أعمال إضافية لبعض الإدارات (تصل الى 50% - مثلا" مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة كما تصل في التفتيش المركزي الى 100% مع زيادة 50% للمكافآت).
- تخفيض رواتب مجلس الخدمة المدنية
من 1،912،862،000 في العام 2003
الى 879،670 في العام 2004
- زيادة مساعدات مجلس الخدمة المدنية لمؤسسات عامة من 100 مليون الى 2،400 مليون

رابعا": في التعديلات المقترحة للنصوص القانونية
المادة الثانية عشرة: اعتمادات المعالجة الصحية
هذا الموضوع هو قيد الدرس في اللجنة الوزارية المكلفة بدراسة الفاتورة الصحية ووزير المالية عضو فيها.

المادة الثانية والاربعون: تفسير موضوع الفنيين في الإدارات العامة
هذا الموضوع بحث في مجلس الوزراء سابقا" ولم يتخذ قرارا" بشأنه.

المادة الثالثة والأربعون: إبقاء وظيفة مساح
هذه المادة تتعلق بموظف في وزارة المالية يمكن معالجة مشكلته خارج مشروع الموازنة.

خامسا: الجدول رقم 9
لم يتضمنه مشروع الموازنة


في الخلاصة
نقترح أخيرا"، وبعيدا" عن المزايدات والمناورات تعديل مشروع الموازنة في ضوء هذه الملاحظات، إذ لا داعي هذه السنة أيضا"، للتسرع واصدار موازنة ترسل اشارات سلبية وتعرّضنا لانتقادات المؤسسات المالية والنقدية الدولية، حتى ولو اضطررنا الى اعتماد القاعدة الاثني عشرية.