مقابلات
PrintEmail This Page
جريدة السياسة الكويتية
31 تشرين الأول 2003
أجوبة نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس
على أسئلة جريدة "السياسة" الكويتية

المحور الداخلي

1- نسمع دائماً عن برامج وخطط لتكريس حكم المؤسسات في لبنان ولكن لم نشاهد تنفيذاً فعلياً على الأرض في هذا الاتجاه؛ فمن المسؤول عن عدم الترجمة العملية لخطاب القسم الذي تعهد فيه رئيس الجمهورية باقامة دولة القانون والمؤسسات؟

الواقع ان المسؤول الأول عن عدم ترجمة خطاب القسم عملياً هو هذا النظام السياسي الذي نعيش حتى الآن في ظله، فهو نظام قائم على أشخاص وعلى ممثلين للطوائف والمناطق وتكتلات برلمانية ولسنا في نظام حزبي تحكمه أكثرية وأقلية. والحكومة مؤلفة من قوى سياسية اذا اتفقت كتلها تشكل أكثرية تنال ثقة البرلمان وتحكم بموجبها طالما التوافق قائم فيما بينها. ولذلك فاني أعتقد ان لا حل جذرياً الا باعتماد نظام جديد للاحزاب ونظام جديد للانتخابات على أساس حزبي، ويمكن لمن لا يرغبون بالانضواء الى الأحزاب تأسيس "حزب المستقلين".
طبعاً ان الأمر ليس سهلاً بسبب التركيبة اللبنانية الحساسة والتوازنات والتعقيدات الطائفية والمذهبية وتراكمات الحرب والوضع الاقليمي.

اما بالنسبة لرئيس الجمهورية فان سؤالك يُفهم منه وكأن لبنان يعيش في ظل نظام رئاسي او كأن كل السلطة بيده وأنه الآمر الناهي. ولذا لا بد من التذكير ان السلطة ليست لا بيد الرئيس ولا بيد رئيس الحكومة بل هي في مجلس الوزراء مجتمعاً الذي يعود اليه ادارة شؤون البلاد والعباد، كما يعود اليه تشييد بناء دولة القانون والمؤسسات، الاّ ان الرئيس يبقى، اذا صحّ التعبير "البوصلة"، التي تشرف وتسهر على ايصال السفينة الى الشاطئ الأمين، والتي توجه وتلفت النظر الى الخطأ عندما يقع والى الخلل أو التقصير أو الاهمال عندما يحصل – والى خرق الدستور والى ما يهدد مصلحة البلاد العليا.
وقد أوضحت المادة 49 من الدستور مهام الرئيس على الشكل التالي:
"رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور".

والمادة 60 منه: "لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته الا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى".
الا ان ما هو مطلوب في الوقت الحاضر هو أن يُدل على الشخص أو الجهة او المرجع الذي يعرقل ترسيخ وتحصين دولة القانون والمؤسسات لكي يكون الرأي العام على بيّنة من أموره وشؤونه. نتكلم دائماً بصيغة المجهول أو بصيغة الغائب وكأن أشباحاً غير منظورة هي التي تمنع الاصلاح والاستنهاض.

2- لبنان مقبل على استحقاقات كبيرة من أبرزها الاستحقاق الرئاسي. فهل صحيح ان أسهم التمديد للرئيس اميل لحود انخفضت لمصلحة القول بأن لبنان غني بالكفاءات؟

اني من الذين يعتقدون بأن معركة الاستحقاق الرئاسي فتحت قبل أوانها وهذا أمر لا يصب في مصلحة البلد بل من شأنه اشاحة الأنظار عن مشاكل لبنان الداخلية والخارجية. ان أولويات المواطن اللبناني اليوم هي الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية، فهو يريد تأمين العلم والدواء والرغيف والمسكن والعمل، وان اغراقه منذ الآن بالاستحقاق الرئاسي لا يساعد اطلاقاً على حل هذه المشاكل بل يدخلنا في دوامة أو في حالة من عدم الاستقرار من الآن حتى تاريخ الاستحقاق، هذا فضلاً عن أنه مرتبط في جانب منه بالأوضاع الاقليمية التي لا نعرف كيف ستتطور والى أين ستقودنا مجريات الأحداث في المنطقة.

3- هل صحيح برأيكم ان لبنان مقبل على خمسة أشهر صعبة وبالتالي فان تطورات أمنية وسياسية كبيرة ستحصل؟ وكيف يمكن للبنانيين ان يواجهوا هذه التطورات؟

أعتقد ان هذا الكلام يدخل في خانة التكهن والافتراض ولكن الأكيد ان المنطقة كلها تغلي وان لبنان يحمل جزءاً كبيراً من وزر الصراع العربي الاسرائيلي. ولا تنسى ما قاله وزير الخارجية الأميركية عند نشوب حرب العراق بالنسبة لاعادة ترتيب الشرق الأوسط؛
المهم ان يكون اللبنانيون جميعاً حكومة وشعباً واعين لدقة الظروف التي نمر بها وللمتغيرات المحتملة التي يمكن ان نشهدها وبالتالي مواجهتها بأقصى درجات المسؤولية والتوحد.
فالدولة المحترمة الجديرة بهذا الاسم هي التي تتحلى بالرؤية وتعرف ان تستبق الأمور وترسم الخيارات امام كل حدث محتمل؛ فنحن اجمالاً، هنا وفي العالم العربي نعيش على ردات الفعل وليس على الفعل.

4- الدين العام فاق الـ 33 مليار دولار، واللبنانيون حائرون بين مصرّ على الخصخصة والتسنيد كطريق لسداد جزء من الدين وبين مؤكد على الاقتصاد الانتاجي والاصلاح الاداري لتحقيق هذا الهدف. ما الذي يراه نائب رئيس الحكومة في هذا المجال؟

أنا رجل أؤمن بالأرقام واستند اليها في ابداء الرأي.
ففي موضوع الخصخصة أعلنت أكثر من مرة أنني لا أعارضها اذا تبين من خلال الأرقام والاحصاءات ان خصخصة بعض القطاعات تدر على خزينة الدولة أكثر مما تدره ادارة الدولة لها.
فأنا لا مواقف مسبقة لي من أي موضوع، ولا مصلحة شخصية لي في أي مشروع، ما يهمني هو مصلحة الخزينة ليس الاّ.
اني حتى الساعة لا أفهم مثلاً كيف ان مديونية الدولة لم تنخفض رغم ان مداخيلها ارتفعت بعد باريس -2- ونتيجة الضرائب التي فرضت؛
هناك قول مأثور بأن "الدولة تاجر فاشل" والسبب في ذلك، باعتقادي، يعود الى ان القروض التي تصلنا من الخارج وايرادات الداخل لا تترافق مع الاصلاحات المالية والاقتصادية والادارية التي من شأنها وقف الهدر وصرف الأموال في الاتجاه الصحيح.

5- كثر الكلام في وسائل الاعلام عن ان ثمة نية أو رغبة لديكم بالاستقالة من الحكومة فالى أي حد صحة هذه الشائعات؟

أصدقك القول بأني غير راضٍ عن الأجواء السياسية المخيّمة على الحكومة، ولست أنا وحدي في هذا الشعور فسواد الرأي العام اللبناني غير راضٍ.
فمشاكلنا المالية والاقتصادية تتفاقم، والأوضاع الاجتماعية غير مريحة على الاطلاق، والبطالة تزداد والهجرة كذلك، والاصلاحات المرجوّة ما زالت وعوداً،
هذا فضلاً عن طبيعة العلاقات ضمن أركان الحكم والتي ما زالت تمر في مدٍّ وجزر، مما يعرقل مسيرة عجلة الدولة وفق ما هو مشتهى ومرغوب. واني أخشى أن تستمر الأمور على هذا المنوال حتى وصولنا الى الاستحقاق الرئاسي. أما بالنسبة للاستقالة فلا أكتمك ان الفكرة راودتني أكثر من مرّة، الا ان الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد تجعلني أفكر ملياً وأقارن بين فائدة البقاء او التخلي. وفي كلّ حال ان الأمور مرهونة بأوقاتها وبالتطورات المقبلة علينا.

6- وكيف تصف علاقتك هذه الأيام برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؟

ممتازة ولا مشكلة عندي والحمدلله مع أحد. ما يهمني هو مصلحة لبنان العليا واستنهاض بلدنا لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي نمر بها أو التي تنتظرنا.

7- ماذا جدّ بالنسبة لصلاحيات نائب رئيس الحكومة وبالنسبة للتنظيم الجديد لمجلس الوزراء؟

هذا الموضوع يحتاج الى توقيت ملائم، ونحن الآن بصدد تفضيل الأهم على المهم.

في الوضع الاقليمي

1- قانون محاسبة سوريا هل ترون انه مجرد ضغط على دمشق ام لغايات أخرى وهل تعتقدون ان اسرائيل ستفتح الجبهة السورية – اللبنانية للهروب من مأزقها الداخلي ولاراحة اميركا في العراق؟

ان هذه الاسئلة هي اسئلة من العيار الثقيل، والاجابة عنها يحتاج الى الكثير من المعطيات.
ولكن اذا تابعنا المراحل التي مر بها قانون محاسبة سوريا، نجد انه بدأ بتوقيع أقلية في الكونغرس وبتحفظ من الادارة ومن البيت الأبيض، ثم راح يتسع حتى ادى الى اتفاق الحزبين الجمهوري (الحاكم) والديمقراطي (المعارض) عليه والى اعطاء الضوء الأخضر من الرئيس بوش شخصياً. وان الموافقة الشبه اجماعية من الكونغرس على القانون واحتمال موافقة مجلس الشيوخ قد يستتبعهما توقيع الرئيس عليه بحيث يصبح القانون نافذاً، او تريث الرئيس في التوقيع على القانون. والحالتان ستشكلان ولا شك ضغطاً على سوريا، لأنها كما هو معروف، وبتلازمها مع لبنان، تبقى قلعة الصمود في العالم العربي أمام التحدي الاسرائيلي. لذا أعتقد ان على العرب واجب التضامن مع الشقيقة سوريا، بالفعل لا بالقول، في حال عمدت اسرائيل الى فتح الجبهة السورية اللبنانية، مع التذكير بأن هناك معاهدة الدفاع العربي المشترك بين الدول العربية.

2- يقول بعض المحللين ان أميركا ستشهد في العراق فيتنام ثانية. هل ترون ان هذا التحليل واقعي ومتطابق مع ظروف العصر الراهنة؟

هناك ولا شك فارق بين وضع فيتنام ووضع العراق، ففي فيتنام اتت القوات الأميركية لمساندة الحكم القائم بينما في العراق أتت للاطاحة بالحكم القائم.
وفي فيتنام لم يكن ثمة دور لمنظمة الأمم المتحدة بينما هذه المنظمة أخذت وتتخذ القرارات العديدة بالنسبة للعراق تمهيداً لشرعية الوجود الأميركي الموقت فيه.
اضيف الى ما تقدم ان المعطيات الدولية تختلف بين الستينات من القرن الماضي وبين اليوم فضلاً عن ان أحادية الولايات المتحدة هي الآن في أوجها.
وفي كل حال أعتقد أنه لا يجب المبالغة حول فيتنام ثانية في العراق وخاصة بسبب التفوق العسكري الأميركي.
ويعتبر الأميركيون ان خسائرهم البشرية ضئيلة اذا ما قيست بضخامة الأحداث، والخسائر المادية ضئيلة اذا ما قيست بالأرباح التي سيجنونها من حرب العراق، وبخاصة لجهة السيطرة على النفط واعادة التعمير واعادة فتح السوق الاستهلاكية.

3- بعد حرب العراق قيل الكثير عن دور الكويت وأنتم ماذا تقولون خاصة في ظل معرفتكم بالكثيرين من المسؤولين الكويتيين؟

لقد برهنت الكويت سواء في حرب الخليج أو في حرب العراق انها الدولة الحريصة على سيادتها واستقلالها وعلى كرامتها وعنفوانها وعلى علاقات الأخوة بين شقيقاتها الدول العربية، والقيادة الكويتية، لا تألو جهداً لتطوير الكويت ودفعها في معارج التقدم والرقي والازدهار، في كل المجالات الانمائية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية والصحية وسواها،
أواكب نهضة الكويت بغبطة واعتزاز، واني على يقين أنه بقدراتها وبشمائل الحكمة والاتزان والاخلاص التي تميز سمو أمير البلاد ورئيس مجلس الوزراء وكبار المسؤولين، فان الكويت مرشحة لأن تكون قدوة في بناء الدولة الصالحة وفي العمل العربي المشترك.
واني اعتز بالصداقات التي بنيتها في الكويت الشقيقة.

4- قمة مجلس التعاون الخليجي تستعد للانعقاد في الكويت في ضوء ذلك كيف تقوّمون الدور الذي ينبغي ان تضطلع به دول الخليج العربي؟

الدور معروف ويعرفه كل القادة وهو اقتران الأقوال والشعارات بالأفعال والترجمة العملية.
فكل انجاز تقوم به دول مجلس التعاون الخليجي سيكون قدوة وحافزاً لسائر الدول العربية من ازالة الحواجز والقيود الجمركية فيما بينها، واقامة السوق العربية المشتركة، الى الغاء التأشيرات، الى توحيد النقد، الى اجراء التنسيق اللازم في برامج التعليم والشؤون القانونية، الى أوضاع المرأة، الى سواها.
ان ضخامة الأحداث السياسية في منطقتنا يجب ان لا تحول دون اهتمامنا بهذه الشؤون الآيلة الى تأمين المتطلبات الأساسية لشعوبنا ودولنا،
اضيف الى ما تقدم ان لدول الخليج دوراً كبيراً في ترسيخ التضامن وفي تعزيز العمل العربي المشترك وخاصة امام التحديات المصيرية التي تهدد العالم العربي.