مقابلات
PrintEmail This Page
مجلة الحوادث
28 تشرين الثاني 2003
أجوبة نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس
على أسئلة مجلة "الحوادث"

1- لا يمكن الدخول الى أي عنوان سياسي في هذه المرحلة دون طرق الباب الرئيسي اي الاستحقاق الرئاسي. اين موقع دولة الرئيس فارس من هذا الاستحقاق ومن تعديل الدستور تمهيداً للتمديد او التجديد علماً انك كنت ترى ان الموضوع طرح قبل اوانه ثم دعوت الطامعين والتائقين الى الوصول الى قصر بعبدا ان يكشفوا أوراقهم؟

الحقيقة انني لاحظت، كما يلاحظ الجميع، ان موضوع الاستحقاق الرئاسي أصبح، شئنا أم أبينا، أمراً واقعاً، وبات من المستحيل سحبه من التداول، وطالما ان الأمر كذلك، وطالما ان سياسة ونهج وكيفية ممارسة السلطة عند الرئيس لحود معروفة من الجميع، فقد دعوت الطامحين للوصول الى قصر بعبدا ان يكشفوا عن أوراقهم ويعرضوا برامجهم المشفوعة بطرق التنفيذ، اذ لا يكفي ان نطلق الشعارات الرنانة بل ان نرفقها بالوسائل التي سنستخدمها من أجل الترجمة العملية لهذه الشعارات، وعندها يتثنى للرأي العام اللبناني وللقوى السياسية في الداخل والخارج ان تجري عملية مقارنة بين المرشحين تمهيداً لاختيار الرئيس. وذلك من منطلق ان الاستحقاق الرئاسي هو من أهم الاستحقاقات ولا يجوز بأي شكل ان تطبخ في الظلام. فمستقبل البلاد هو "في الدق"، والتعاطي معه يجب ان يجري بأقصى درجات الجدية والمسؤولية.

اما بالنسبة لموقفي الشخصي فأنا رجل أعتز بصداقاتي ولكن، أصدقك القول، بأن لا يمكن لأية علاقة شخصية أن تتقدم على قناعاتي الراسخة، فعندما يكون عليّ ان أتخذ موقفاً أو قراراً وان أبدي رأياً أتجرد من المشاعر والعواطف وأتصرف بما يمليه عليّ ضميري ووجداني وبما أعتقده أنه الأفضل والأنسب لمصلحة لبنان العليا.
فعندما يكشف الطامحون أو المرشحون عن حقيقة نواياهم وعندما يطرحون رؤاهم لمستقبل لبنان، و"تتشرقط" الأفكار ويعرف الغث من السمين، اعود الى ضميري وأختار من اؤمن بأنه الأعرف والأخلق والأجدر بقيادة سفينة البلاد باتجاه الشاطئ الأمين والأقدر على انقاذ لبنان من الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعيشها، وتجاوز العواصف في هذا البحر الهائج الذي يواجهه بلدنا والمنطقة.
وعليه لا رأي مسبق عندي قبل أن أعرف اسماء الطامحين ومخططاتهم ومدى قدرتهم على تجمل هذه المسؤولية العظيمة. وأنا بالانتظار.

2- استطراداً هل المطلوب انتظار الايحاء او كلمة السر السورية، او انتظار تقاطع أميركي سوري غير واضح حتى الآن في لحظة اقليمية خطرة؟

ان من ينكر التأثير الاقليمي والدولي، وتحديداً، السوري والأميركي يكون من المكابرين، ولكن هذا لا يعني بأي شكل تغييب الارادة اللبنانية؛ علماً ان التقاطع السوري الأميركي الذي أشرت اليه لا يمكن الا ان ياخذ بعين الاعتبار هذه الارادة. من هنا دعوت الى ان تعلن القوى السياسية اللبنانية عن مواقفها وأن يفسح في المجال امام الرأي العام ووسائل الاعلام التعبير عن التطلعات والمشاعر والهموم والهواجس والرغبات منذ الآن.

3- يقال ان دولة الرئيس عصام فارس قد عضّ على جرحه مرات عديدة، لكن وطنيته العالية جعلته مستنكفاً عن اظهار معارضته الى العلن. لماذا دولتكم متألم؟ على الجمهورية؟ على الدولة؟ ام على الرئاستين الأولى والثالثة بسبب سوء الحوار؟ أم ماذا؟

اذا قلت انني راضٍ عن مسار الأمور في دولتنا العليّة فأكون قد خدعتك. نعم وأقولها بكل وضوح بأن الأمور لا تسير حسب المشتهى
والمرغوب، وأعتقد ان الرأي العام اللبناني كله يرى ما ارى ويشعر بما أشعر،
فلا الاقتصاد في ذروة ازدهاره، ولا الوضع الاجتماعي في أحسن أحواله، ولا المالية العامة تدعو الى الارتياح بسبب ان دخل الدولة يذهب معظمه تقريباً لايفاء الدين العام، ولا الادارة عنوان للشفافية والأخلاق، ولا القضاء كامرأة قيصر؛ فكيف أكون راضياً وهل أنت راضية؟؟

من هنا أشعر اني بين "شاقوفين"، بين أن استمر في ادائي، انتقد، وأسأل، وأشير الى الخطأ وأدل على مكامن الخلل والضلال وأحاول تصويب ما أمكن، وبين ان أكون "انهزامياً" أتخلى عن موقعي اذا ما تيقنت ان في ذلك افادة ومصلحة للبلد؛
وأعتقد ان كل خطوة يجب ان تشبع درساً وخاصة في ظل الواقع الداخلي والاقليمي المعروف والذي لا يتحمل الخضات والأزمات وصب الزيت على النار.
وفي كل حال اؤكد لك انه اذا اصطدم موقعي مع ضميري فاني أضحي بالموقع من أجل الضمير.
اما على من يقع اللوم فاني أرى انه يقع أولاً على هذا النظام الطائفي – المذهبي- العائلي- الشخصي الذي يتناقض مع تطورات العصر والذي، مما لا شك فيه، يحتاج الى تطوير وعصرنة، ويقع ثانية على ما أفرزته الحرب من ترويكات ومحاصصات ورواسب وأزمات؛

4- استطراداً كيف تقرأ الفرز السياسي داخل الحكومة: كم يملك رئيس الجمهورية؟ وكم يملك رئيس الحكومة؟ وأين موقع الوزراء الحياديون؟

حبذا لو سألتني كم يملك لبنان من أكثرية أو أقلية، فأنا لا أستسيغ ان يكون هذا الوزير أو ذاك محسوباً على شخص؛ كم أتمنى أن يكون كل الوزراء محسوبين على الحقيقة ومرتبطين بمصلحة لبنان العليا ليس الاّ.
علماً انني أشهد باخلاص ان معظم الوزراء سواء المقربين من رئيس الجمهورية أو من الرئيس الحريري يتصرفون بوحي من قناعاتهم ومناقبيتهم.

5- الا ترى نفسك مؤهلاً للعب دور "الاطفائي" بين الرئاستين وأنت القطب المستقل الذي تعطي ولا تأخذ ولا تطلب شيئاٍ لنفسك ولا يهمك الاّ مصلحة الوطن والمواطن؟ وهل لقاء العشاء على متن يختكم يندرج في هذا الاطار لترطيب العلاقة بين الرئيس ورئيس الحكومة وبالتالي ترتيب الوضع الحكومي ؟

انني دائماً رسول خير وعامل تهدئة وداعياً باستمرار للتلاقي والتوافق وتوحيد الكلمة والموقف.
اما الاطفائي فيجب ان يكون في نهاية المطاف الدستور والقانون لا سواهما.
واما اجتماع اليخت فقد حصل في اطار الصداقة والمناسبات الاجتماعية.

6- في ظل الخلاف المستحكم، كيف يوفق دولة الرئيس فارس بين موقعه كنائب للرئيس الحريري وعلاقته الجيدة به وبين صداقته الحميمة مع الرئيس لحود وهل هذا يشكل احراجاً في زمن العواصف بين الرجلين؟

انا، في ادائي الرسمي، رجل أتعاطى مع الملفات والأرقام وأبني على الشيء مقتضاه، فليس عندي موقف مسبق من أي موضوع، أقرأ، أتمعنّ، أتداول مع مستشاريّ في كل الشؤون، ثم اتخذ القرار الذي اراه منسجماً مع قناعتي ومصلحة لبنان.

7- لماذا تحريك ملف الوزير السنيورة في هذه المرحلة؟ هل للتوقيت بعده السياسي ان ان المسألة قضائية صرف ولا طابع سياسي لها؟

ليس عندي معلومات دقيقة حول الدوافع والخلفيات، ولكن ما بدا حتى الآن ان القضاء اراد ان لا يبقى الملف عالقاً عنده فأرسله الى مجلس النواب، ومجلس النواب اراد ان يقوم بواجبه بالبت بهذا الموضوع من خلال وضع يده على الملف اذا ما حظي بتواقيع العدد المطلوب . وبخاصة، ان مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء لا يخضع لمهل محددة.
والقضية الآن تحولت من عهدة "القضاء العادي" الى "القضاء البرلماني". وعندما يكون ملف ما بيد القضاء فعلينا انتظار كلمته.

8- هل من مؤشرات تغيير حكومي في الأفق وخلال المرحلة الفاصلة عن الاستحقاق الرئاسي؟ ام ان الحكومة ستبقى وكأنها في حالة تسيير الأعمال حتى ذلك الاستحقاق؟

لا تبدو لي هذه المؤشرات حتى الآن، ولكن ما أستطيع قوله ان هناك مناخاً غير صحي يخيّم على السلطة التنفيذية، وهو أمر لا يجوز ان يستمر، كما لا يجوز أن تبقى مصالح البلاد والعباد أسيرة هذا الواقع حتى موعد الاستحقاق الرئاسي؛ ما أتمناه ان نركّز جميعنا على مصلحة البلد وأن تعود الى مجلس الوزراء الدينامية والزخم المطلوبان لتجاوز هذه المرحلة بأقل ما يمكن من الأضرار والسلبيات.

9- في عهدكم ولّى زمن شعار "اللجان مقبرة المشاريع"، وبالرغم من سرعة انجاز هذه المشاريع في اللجان فان بعضاً منها لا يجد طريقه الى الحسم داخل مجلس الوزراء، فمن المسؤول عن ذلك؟

ان اللجان الوزارية التي أترأسها جاوزت الأربعين وأضيف اليها أربعة الأسبوع الماضي وهذه اللجان تشكل عندما يرى مجلس الوزراء ضرورة للافساح في المجال أمام المزيد من درس بعض البنود المدرجة على جدول اعماله والتبحر فيها وجلاء بعض نقاطها، ومعالجة بعض الجوانب الفنية منها. وبالفعل فقد انجزنا أعمال حوالي الثلاثين من اللجان الموكلة الينا وتم البت بمعظمها.
وقد يرى المجلس أحياناً ولأسباب جوهرية ملاءمة تجميد بعض الأمور أو تأجيلها وعندها تنتهي مهام اللجان.


10- هل تعتبر ان اقرار انشاء محافظة عكار ووضع الخطوات العملية لهذا القرار سينصف عكار فعلاً ويرفع عنها الحرمان ام ان الأمر لا يتجاوز الاطار الشكلي لامتصاص النقمة؟

من الطبيعي ان يؤدي تحويل عكار محافظة الى تحريك عجلة الانماء فيها والى تحسين الخدمات العامة وايلاء المزيد من الاهتمام باقتصاد المحافظة وخصوصاً الزراعة.
وأعتقد انه اذا ما صدرت المراسيم التنظيمية واذا ما وفقنا في عكار بتعيينات ادارية في المحافظة تضع الرجل المناسب في المكان المناسب سيكون لذلك المردود الأكيد على المنطقة.
مع الاشارة الى ان انشاء محافظة عكار لا بد ان تستتبعه تقسيمات ادارية وانشاء أقضية جديدة فيها وهذا من شأنه تعزيز حضور الدولة ومضاعفة فعاليتها وزيادة انتاجها وتوفير الكثير من المشقات والهموم على المواطن العكاري.

11- هل بات واضحاً تصوركم لقانون الانتخاب الجديد؟

نحن بانتظار المشروع الانتخابي الذي ستقدمه وزارة الداخلية الى مجلس الوزراء لنبدي الرأي فيه. وما يهمنا من القانون كما صرحت مراراً ان لا يأتي على قياس الأشخاص بل بالشكل الذي يؤمن التمثيل الصحيح ويأتي معبراً بالفعل عن حقيقة الارادة الشعبية سواء لجهة التقسيمات الادارية او لجهة الآلية العصرية التي ستستخدم في العمليات الانتخابية.


12- في ملف المدينة تحدث وكيل ابو عياش عن لائحة المتورطين من السياسيين وغير السياسيين وعن تزوير مستندات باسم حاكمية مصرف لبنان، فهل يمكن انقاذ صورة البلاد حكماً، قضاة ومؤسسات بعد هذه الفضيحة حسب رأيك؟

ان الفضائح المالية تحصل في العديد من البلدان. وملف بنك المدينة هو الآن بيد القضاء الذي له القرار الفصل، واني اتحاشى ان ابدي رأياً بموضوع وضعت السلطة القضائية يدها على ملفه. كما أعتقد ان قضية بنك المدينة يجب ان لا تؤثر على صورة البلاد بل على العكس فان المأمول انه اذا وصلت الأمور الى خواتيمها الصحيحة ان تكون الدولة أثبتت حرصها على الثقة والصدقية اللتين يجب ان يتحلى بهما الوضع المصرفي بشكل عام.

13- تردد أنك أول من اثار مسألة هدر أموال طائلة في عمليات دمج المصارف حتى في المصارف غير المتعثرة عندما اكتشفت انه تم دفع مبلغ 40 مليار ليرة للمصرف الذي اشترى مصرفك الذي لم يكن متعثراً. فمن يتحمل مسؤولية هذا الهدر؟ ومتى يتم التوافق على مشروع التمديد لقانون دمج المصارف؟

أنا لم أعارض التمديد لقانون دمج المصارف وما زلت عند هذا الرأي. الا ان ما طالبت به هو وضع ضوابط لتحاشي الشطط والاستغلال وسوء التطبيق وتجاوز الهدف من هذا القانون وذلك من خلال تعديلي:
الأول: مساءلة ومحاسسبة المصارف في حالات معينة اذ لا يجوز لموظف من المصرف ان يسرح ويمرح ويتصرف على هواه فيما صاحب المال في السجن.
الثاني: وضع معايير دقيقة وثابتة لا تدع مجالاً للاستنساب في أي مصرف أو اداء خاطئ. والقانون موجود الآن في مجلس الوزراء بانتظار التوافق عليه مع الاشارة الى ان ما حصل في بنك المدينة جاء ليثبت صوابية موقفنا.
14- هناك ملفات غير شعبية واحدثها تصميم محطات الترحيل ومطامر النفايات في الأقضية والمحافظات، كيف توفق هنا بين حق الدولة وحق المواطن بالبيئة السليمة؟

هذا الموضوع تمّ بته في مجلس الوزراء في جلسة 13/11/2003، بحيث تقرر اعادة درس المواقع في ضوء الملاحظات والاعتراضات القائمة والأخذ بعين الاعتبار المواقع المقترحة من بعض البلديات واتحادات البلديات.
وزيادة عدد مراكز المعالجة بالشكل الذي يتحمل فيه كل قضاء النفايات الصادرة عنه وذلك تخفيفاً للأضرار البيئية على المناطق وتوزيعها مسؤوليات كل قضاء وبلدية، في حل مشكلة النفايات، تحت شعار "كل قضاء يتحمل نفاياته".
لقد حصلت ممارسات خاطئة في الماضي ونحن ما اقدمنا عليه كان من منطلق حرصنا على حق الدولة من جهة ومن جهة اخرى حق المواطن بالبيئة السليمة التي هي – وبخاصة في هذه الأيام- عنوان من عناوين حضارة البلدان.

15- بالرغم من قرار مجلس الوزراء بوقف الاتفاقيات الرضائية في تسيير المشاريع العامة، يلاحظ ان جدول أعمال مجلس الوزراء يحفل في كل مرة باتفاقات رضائية و"غب الطلب" ، فكيف تفسر ذلك؟

الحقيقة ان عبارة "غب الطلب" مبالغ فيها، وان مجلس الوزراء التزم بقراره بوقف الاتفاقات الرضائية في تلزيم المشاريع العامة الا في حالات استثنائية جداً تكون اما لأسباب تقنية بحتة أو لأسباب أمنية وبمبالغ غير ضخمة.
ومن منطلق حرصنا المطلق على الأموال العامة فاننا بنفس الوقت حريصون كل الحرص على التنبه لأي سوء استخدام (ABUS) او تجاوزات في هذا المجال.