مقابلات
PrintEmail This Page
مجلة الافكار
03 أيار 2004
* حمداً لله على السلامة.. انهم يسمون "ديسك" الرقبة الذي أجريت لكم جراحة فيه هو "ديسك" اللجان الوزارية التي تترأسونها، وتخوضون فيها المناقشات الصعبة. فما مدى صحة هذا الافتراض؟

بالحقيقة قد يكون في ذلك بعض السبب، لأنني رجل آخذ كل مهمة تسند اليّ بأقصى الجدية والمسؤولية، فأنت تعلم ان كل بند شائك ومهم يصعب الاتفاق عليه في مجلس الوزراء يُسند الى لجنة وزارية مما جعل هذه اللجان تفوق على الأربعين، وانا ما تعودت أن أترك على مكتبي أمراً عالقاً- واني أعتز بالقول ان معظم اللجان التي تشكلت أنهت أعمالها ورفعتها الى مجلس الوزراء. وان مقولة "اللجان مقبرة المشاريع" ولّت أيامها. وما قمت به واجب عليّ في كل حال. وكم أتمنى ان يكون الاداء العام في كل مرافق الدولة على هذا المنوال.
أضيف الى جوابي على سؤالك انني مع الأسف لا أمارس الرياضة كثيراً، والبدانة عامل سلبي بالنسبة للديسك.
حمداً لله دائماً بأن العملية كانت ناجحة كلياً.

* تعودون الى لبنان من رحلة العلاج الميمون والمنطقة تتخبط في أحداث جسام من الفلوجة الى النجف الى فلسطين التي اغتيل فيها زعيم حركة "حماس" الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وصدرت تهديدات من قائد القوات الأميركية الجنرال "مايرز" لسورية بعد سقوط 9 جنود "مارينز" أميركان عند الحدود السورية العراقية. فكيف ترون صورة المستقبل الآتي؟! وما هو المطلوب لجبه هذه المكاره؟

ماذا تتوقع، يا عزيزي وليد، في هذا الزمن المؤسف وفي خضم التفكك الذي يعصف بالعالم العربي؟
يقال دائماً ان المصائب توحد، فأين التوحد؟ وأين التنسيق؟ وأين الاستراتيجيون والمفكرون الذين يبحثون ويدرسون ويخططون؟ وأين الرؤية وبعد النظر؟ وأين الاعلام في أوروبا وأميركا؟ وأين اللوبي العربي في الخارج؟ واين الوفود العربية الى مراكز القوى والقرار؟

قارن بين جامعة الدول العربية التي تأسست عام 1945 والاتحاد الأوروبي الذي انطلق عام 1954. أين صاروا وأين صرنا؟ هم رفعوا السدود والقيود والحدود في ما بينهم ونحن لم نبدأ بعد بالغاء التأشيرات. هم يعملون للعولمة ونحن نتكلم في الطوائف والمذاهب، هم يبنون المؤسسات ويبنون للمستقبل القريب والبعيد اما نحن فأنت أدرى!!
المطلوب لجبه المكاره معلوم وواضح: التوحد، العلم، المعرفة، المؤسسات، الديمقراطية، وضع مصلحة البلد فوق مصالح الأشخاص والحكام وو...

* وجودكم في الولايات المتحدة مع الجالية العربية لا بد وأن يكون قد لمس الأثر السيء الذي تركه خطاب الرئيس "جورج دابليو بوش"، مع وزراء اسرائيل وألغى فيه حق العودة للفلسطينيين، وحدود 1948- 1949 . فهل ترون ان الانتخابات الرئاسية وحدها حكمت بهذا الانحراف والالغاء للقوانين الدولية ام هناك اعتبارات أخرى؟

أصارحك بأن جزءاً لا يستهان به من قوة اسرائيل وغطرستها وعنجهيتها انما هو نابع من ضعف العرب وتفككهم، ولا يردع اسرائيل الا تعبئة القدرات العربية الاقتصادية والطبيعية والاستهلاكية والبشرية، لمواجهة هذا الواقع المرير.
ان "وعد" الرئيس الأميركي قد قفز فوق القرارات الدولية 242 و338 و194.
لقد كان الموقف الأميركي السابق ان مواضيع القدس والحدود واللاجئين يجب ان تجد الحلول لها بالتفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين وأكدت على عدم شرعية الاستيطان.
وأود ان أضيف هنا ان السياسة الأميركية، وان تباينت في التفاصيل وفي التكتيك، فهي تكاد تكون واحدة في الهدف وفي الاستراتيجية ولذا لا أعلق أملاً كبيراً على التغيير بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي،
وأضيف أيضاً انه ليست السياسة الخارجية وحدها هي المؤثرة في نتائج الانتخابات الأميركية بل أيضاً الوضع الاقتصادي الذي يكون مخيّماً في الفترة الانتخابية، وهو ما يهم بصورة خاصة المواطن الأميركي العادي.

* حدد موعد القمة العربية في تونس يوم 22 أيار (مايو) المقبل، ولا شك انكم ستشاركون في الوفد الرئاسي الى القمة، ولكن ما هي ورقة لبنان لهذه القمة؟ وكيف يبعد كأس التوطين عن قدره بعدما ألغى الرئيس "بوش" بشخطة قلم حق العودة، اي حرض على التوطين؟

تفصلنا فترة شهر عن انعقاد القمة، هذا اذا استقر الرأي نهائياً على عقدها في الموعد المقترح وفي المكان المقترح، لأن الأجواء العربية ما زالت ملبدة بالغيوم وهناك عقبات لم تذلل بعد، وأعتقد ان ورقة العمل اللبنانية لا بد من تحضيرها في هذه الفترة استناداً الى المداولات التي ستجري في مجلس الوزراء باعتباره السلطة التنفيذية المخوّلة لذلك، هذا مع التأكيد ان موضوع التوطين هو من الثوابت التي نصّ عليها الدستور ونصت عليها قرارات القمة العربية في بيروت.
صحيح ان "وعد بوش" أكّد على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ولكن أية دولة؟ وأية حدود؟ وأية أرض؟ وكيف تكون هذه الدولة قابلة للحياة؟

ومهما يكن من أمر فاني أرى ان العالم العربي الآن امام تحدٍّ كبير لأن عدم انعقاد القمة سيظهر العرب عاجزين عن اتخاذ موقف موحد وهو أمر سيدفع باسرائيل الى المزيد من التصلّب والغطرسة وسيحرج أيضاً القوى الدولية المتعاطفة مع العرب، من منطلق انه لا يمكنها ان تكون أحرص على قضيتهم من حرص العرب عليها،
امّا اذا انعقدت القمة ولم تخرج بالقرارات التي تكون على مستوى المرحلة وخطورتها فيمكن ان تتصور ردات الفعل السلبية للشارع العربي ولأصدقاء العرب. وعليه أقول: اللهم أنَِرْ عقولنا وقلوبنا.

* ثمة من يرى انه كان من الأفضل عقد القمة العربية بعد اجتماع دول الثماني الصناعية في مطلع حزيران وثمة من يرى العكس فما هو رأيكم؟

في الحقيقة ان لكل فريق منطقه ومبرراته حول هذا الموضوع. اما رأيي الشخصي فهو انه اذا انعقدت القمة العربية قبل اجتماع دول الثماني وخرجت بقرارات "حرزانة"، فهذا من شأنه ان يؤثر ربما ايجابياً على القرارات التي ستصدر عن هذا الاجتماع لأن بعض تلك الدول ستتأثر، أكيداً، بالموقف العربي اذا كان موحداً وقوياً وحازماً، وتتعاطف معه ولو الى حد. وقد أشار الرئيس جاك شيراك الى ذلك.
اما اذا انعقد الاجتماع قبل القمة العربية فهذا من شأنه ان يضع امام القمة معطيات الدول الكبرى التي تمكّن العرب من ان يبنوا على الشيئ مقتضاه.

* وماذا لو جاء الرئيس لحود ثانية وهل سنشهد زواجاً بالاكراه مع رئيس الحكومة رفيق الحريري الذي يعتبر في بعض الأوساط الداخلية
والاقليمية ضرورة اقتصادية للبنان لا سيما وأنه رئيس كتلة نيابية كبيرة؟

بكّير كتير على هذا الموضوع! ولا تنسَ ان الانتخابات التشريعية حاصلة في ربيع 2005. ففي الداخل لا أحد يمكنه منذ الآن التكهن في كيف ستكون عليه التركيبة في مجلس النواب المقبل وكيف ستكون التكتلات، وكيف ستكون الأكثرية النيابية؟ وفي الخارج يصعب التوقع كيف سيكون الوضع الاقليمي والمناخ الدولي يومها. هذا مع العلم انه في حال تم تعديل الدستور وجرى التجديد للرئيس لحود فيمكن استمرار الحكومة الى ما بعد الانتخابات النيابية وقيام البرلمان الجديد.
المهم ان نعي جميعاً خطورة ما يجري في منطقتنا، وأن نكون بمستوى المسؤولية وفي أقصى درجات اليقظة والتنبه، فمستقبل المنطقة يُرسم ويطبخ وواجبنا ان لا نكون غافلين ونترك أمورنا على الأقدار، فالوضع لا يحتمل الارتجال والخفّة وعلينا ان نكون رؤيويين وعلى بيّنة مما يهيئ لنا ومحضّرين للتعامل مع كل الاحتمالات.

* يحار الكثيرون في معرفة موقف نائب رئيس الوزراء من الاستحقاق الرئاسي خصوصاً وان صداقتكم للرئيس لحود ظاهرة للعيان، ولا تنفصم عراها. فهل أنتم بصراحة مع التمديد باعتبار ان ظروف المنطقة نفسها تحكم به، أم ترجحون كفة مرشح من الشمال ومن هو؟!

لقد أفصحت عن موقفي من هذا الموضوع عندما قلت: اذا طرح موضوع تعديل الدستور رسمياً وبالشكل الذي نصّ عليه الدستور فأنا معه، واذا لم يطرح فأنا أميل الى اعطاء الأولوية لمرشح من الشمال أرى فيه المواصفات التي تقتضيها المرحلة.

* هل يعني ذلك أنك تقطع الطريق على مرشحين من سائر المناطق؟

قلت: أعطي الأولوية ولم أقطع الطريق، وفي كل حال الأمر يتوقف على شخصية المرشح ومقدار ما يتمتع به من صفات رجل الدولة وأبرزها أولاً المعرفة والاحاطة بالملفات، وثانيها الشفافية والصدقية وثالثها الشجاعة في اتخاذ الموقف والقرار.

* أكثر من مرة ردد دولة نائب رئيس الحكومة بأن الحكومة باقية وليس هناك سبب لتغييرها حالياً. ألا تعتقدون بأن 65 صوتاً مؤيداً لها في التصديق على الموازنة يعني سقوطها نيابياً بعدما سقطت شعبياً ولا بد من تغييرها حتى لو كنا في اواخر أشهر الولاية من العهد الحالي؟

انا لم أقل "ليس هناك سبب لتغيير الحكومة" على العكس أرى أكثر من سبب لرحيلها، ولكن هل البديل ممكن؟
انا أعرف ان الرأي العام ليس "مغروماً" بهذه الحكومة وانها فقدت الكثير من رصيدها لدى الناس، ومن صدقيتها، ولا حاجة للشرح، ولكن كيف السبيل الى التغيير في ظل الواقع السياسي المعلوم؟

* البعض يقول بأن قيامة لبنان من وضعه المتردي سياسياً ومالياً يتطلب معجزة.. فكيف السبيل للانقاذ وماذا تستطيعون ان تفعلوا على هذا الخط؟

اني أرى صعوبة اجراء تغيير ذات شأن في الفترة التي تفصلنا عن الاستحقاق الرئاسي، اما بعد ذلك فلا بد للرئيس الجديد او المجدد له من القيام بخطوات دراماتيكية نوعية تبدأ بوضع قانون جديد للانتخاب يؤمن التعبير الصحيح عن الارادة الشعبية ويحصّن الوحدة الوطنية ويردم الهوة القائمة بين الشعب والسلطة، فضلاً، طبعاً، عن تحقيق الاصلاحات التي أشرت اليها آنفاً.

* وهل الحلول مؤجلة حتى انقضاء العهد ومجيئ رئيس جديد أم ماذا؟
يتراءى لي ذلك!!

* وماذا عن بعض المناطق التي تعد فيها المعارضة العدة لتسييس الاستحقاق البلدي وخوضه على قاعدة المعارضة والوقوف ضد السلطة ورموزها؟

للمعارضة الحق ان تسيّس او لا تسيّس الاستحقاق البلدي، ولكن الأمر يعود في نهاية المطاف الى الشعب والى صناديق الاقتراع. وما يقرره الشعب نخضع له. هذا هو النظام الديمقراطي الذي ارتضيناه جميعنا.

* وكيف ينظر دولة نائب الرئيس الى معركة بيروت التي تتداخل فيها الخلافات الرئاسية من خلال استبعاد الرئيس الحريري لبعض القوى المؤيدة للرئيس لحود من جهة والعمل باتجاه اعطاء رئيس البلدية صلاحيات على حساب المحافظ من جهة أخرى؟

يجب ان لا ننكر على الرئيس الحريري حرصه على التوازن الطائفي في المجلس البلدي للعاصمة، وهذا ما أثبتته الانتخابات الماضية. وطبعاً على ان لا يبدو هذا التوازن وكأنه منّة لطائفة او مجاملة او مسايرة لها، بل ان يكون نابعاً من الحرص على اختيار أصحاب الكفاءات المعرفية والأخلاقية الجديرين بتولي العمل في الشأن العام. وأعتقد ان سائر القيادات السياسية عندها هذا الحرص يقينا من الجميع ان لبيروت خصوصيتها من جهة، كما لها، من جهة أخرى، تأثيرها الذي ينعكس على كافة المحافظات اللبنانية،
اما التوازن السياسي فأمر آخر وهو يتعلق بقدرة تلك القيادات على المنافسة وعلى التوحد وتعبئة صفوفها.

* كيف سيكون موقف دولة نائب الرئيس اذا ما أقر مشروع القانون الخاص بالبلديات والقاضي بجعل بيروت كغيرها من البلديات وصلاحيات الرئيس فيها مماثلة لصلاحيات اي رئيس آخر وكيف يمكن ارضاء الطائفة الارثوذكسية آنذاك؟

ان الانتخابات البلدية ستجري، كما هو معلوم، على أساس القانون الحالي. ونأمل ان لا يطول الوقت الذي تتقدم فيه وزارة الداخلية بمشروع قانون جديد للبلديات كي يصار الى دراسته ملياً بالتشاور والتوافق بين مختلف القيادات الروحية والسياسية. وبالشكل الذي لا يتعارض مع المبادئ الميثاقية التي نحن جميعاً حريصون عليها.
ودعني أقول ان كل هذا النظام الطائفي، المذهبي، لا يرضي طموحي. وحبذا لو نصل الى يوم، نتمناه غير بعيد، يطل علينا فيه نظام أحزاب لا طائفية تتولى هي السلطة والمعارضة على مستوى البلديات وعلى مستوى الوطن.
ولكن يبدو حتى الآن انه بين هذا الطموح وبين تحقيقه بوْن شاسع.
على كل حال قول انشالله!!

* ما هي المواصفات التي تنادون بها في المرشحين للعمل البلدي ولا سيما بالنسبة لمنطقة عكار؟

انا ضد تسييس العمل البلدي الذي أعتبر انه يجب ان يبقى ضمن اطاره الانمائي وبخاصة الترقي والتجميل والتحسين والحفاظ على البيئة وانشاء الحدائق العامة والقاعات الاجتماعية والثقافية والنوادي الرياضية، واصلاح الطرق الداخلية وكل ما يساعد على اعطاء الصورة الناصعة للقرية او البلدة؛
اما مواصفات المرشحين فهي تلك التي تنطبق على كل من يعمل في الخدمة العامة: المعرفة والأخلاق والرغبة في تخصيص بعضٍ من وقته للشأن العام.



* خبّرونا كيف أُعدَّتْ العدة للرحلة الى تونس وكيف تفكك كل شيء وألغيت الرحلة؟

أخبار القمة، دعوةً وتحضيراً والغاءً، ملأت عناوين وصفحات الصحف ووسائل الاعلام وهي باتت معروفة – اما بالنسبة الى لبنان فان كل شيء كان معداً للمشاركة بوفد على أعلى مستوى يترأسه رئيس الجمهورية ويضم رئيس الحكومة ونائب الرئيس ووزراء. وكان الوفد قد تم تشكيله في مجلس الوزراء وسافر وزير الخارجية الى تونس لمشاركة الوزراء العرب في التحضير للقمة، ثم كان ما حصل.

* ما رأيكم في الغاء قمة تونس خصوصاً وأن الشائبة الأولى في هذا الالغاء كانت في عدم صلاحية تونس لالغائها لأنها لم تتسلم الرئاسة بعد؟

بالحقيقة هذه أمور تقنية بحت، ولا أملك المعطيات الدقيقة حولها، وأعتقد ان الموضوع غير واضح في ميثاق جامعة الدول العربية حول حق أو صلاحية الدولة المضيفة بالغاء مؤتمر أو تأجيله وما اذا كان الأمر يتطلب تشاوراً مسبقاً مع الدول الأعضاء.

* كيف تقارنون بين قمة بيروت 2002 التي استطاع الرئيس لحود ان يضمن لها حضوراً على مستوى الملوك والرؤساء وقمة تونس التي غاب عنها الكبار، وكاد الرئيس بوتفليقه ان يغيب هو الآخر؟

طبعاً الظروف تختلف بين قمة بيروت وقمة تونس، فقمة بيروت عقدت قبل حرب العراق وقبل الكلام عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، وكان التركيز فيها على حل قضية المنطقة وتحديداً تبني المشروع السعودي حول هذا الموضوع، بينما قمة تونس تقرر عقدها في مناخ خيّم عليه التباين حول عنوانين أساسيين: تعديل ميثاق جامعة الدول العربية والموقف من الاصلاحات المقترحة لدول وشعوب المنطقة.

* هل تتصورون ان وحياً اميركياً كان وراء الغاء القمة لعدم رغبة الولايات المتحدة في التحوّل العربي عن مبادرة السلام؟

لا أعتقد ذلك بدليل التصريحات التي صدرت عن الجانب الأميركي والمؤيدة لانعقاد القمة؛ وكما قلت في كلمتي مؤخراً في واشنطن، ان سلاماً عادلاً في المنطقة يحسّن صورة أميركا ويعطي لبنان الزخم الذي يحتاج اليه لانماء طاقاته ويشجع الحركات الاصلاحية وحذّرت من ان بعض الاصلاحات التي يمكن ان يتبناها بلد ما قبل ان يتأمن السلام العادل والشامل في المنطقة قد تؤدي عكس ما يريده مطالبو الاصلاح والى ازدياد في التطرف والتعصب".

* ما هي بنظركم الاصلاحات السياسية المقبولة في جدول أعمال القمة وتلك غير المقبولة؟

كان على جدول أعمال القمة نوعان من الاصلاحات:
الاصلاحات الواجب ادخالها على ميثاق جامعة الدول العربية والاصلاحات الشرق أوسطية.
فبالنسبة للبند الأول، حصل تباين في بعض المواقف وبصورة خاصة حول موضوع التصويت؛ حيث ان فريقاً يطرح بأن تتخذ القرارات بالأكثرية بينما ثمة فريق آخر يرى الابقاء على الوضع الحالي الذي ينص على الاجماع او بمعنى آخر على ان القرارات لا تُلزم الا الدول التي توافق عليها،
هذا مع العلم ان التصويت كان أحد المواضيع التي حصل خلاف حولها عام 1944 عند وضع بروتوكول الاسكندرية الذي كان ينص على الأكثرية ، وكان لبنان من المعترضين عليه، ثم كان ميثاق الجامعة عام 1945 بنصه الحالي.

اما بالنسبة للمبادرات الدولية التي طرحتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وسواهما لجهة الاصلاحات في الشرق الأوسط والتي ستطرح في قمة شمال الأطلسي والقمة الأميركية الأوروبية في اسطمبول وقمة الدول الصناعية الثماني في لوس أنجلوس في تموز المقبل، فان المشروع العربي ينطوي، وفق ما تسرّب، على التكيف مع مسيرة الاصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي ومع التطوّر والتحديث بما يتوافق مع القيم الدينية والحضارية لكل دولة وتعميق الديمقراطية والتعددية السياسية واحترام حقوق الانسان وتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والارتقاء بنظام التعليم بما يتوافق والتطورات العلمية والتكنولوجية ومتطلبات العولمة وروح العصر، وكل ذلك في اطار الشراكة الحقيقية بين الدول العربية والمجتمع الدولي، وفي التزام المجتمع الدولي في عملية التنمية وخفض الفقر والبطالة، وتسوية الصراع العربي الاسرائيلي على أساس الشرعية الدولية ووفقاً لمبادرة السلام العربية بالانسحاب من الأراضي المحتلة في سوريا ولبنان والضفة وغزه وعودة اللاجئين الى وطنهم،
فضلاً عن جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بكاملها.

* في رأيكم ما هي الاصلاحات السياسية المطلوبة للبنان؟

ان الاصلاحات السياسية المطلوبة للبنان نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني اللبناني (الطائف) التي، مع الأسف، لم ينفذ العديد من بنودها حتى الآن.
ولو عدنا الى هذه الوثيقة لوجدنا العناوين التالية:
الغاء ذكر الطائفية والمذهب في بطاقة الهوية،
الغاء الطائفية السياسية،
اعادة النظر في التقسيم الاداري،
توسيع صلاحيات المحافظين والقائممقامين وتمثيل جميع ادارات الدولة في المناطق الادارية على أعلى مستوى ممكن،
اعتماد اللامركزية الادارية الموسعة،
اعتماد خطة انمائية موحدة شاملة للبلاد،
انتخاب عدد معين من أعضاء مجلس القضاء الأعلى من قبل الجسم القضائي،
وضع قانون انتخابي جديد يؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات.
توفير التعليم وجعله الزامياً في المرحلة الابتدائية على الأقل وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية.
هذه الاصلاحات وردت في الوثيقة وما زالت تنتظر الترجمة العملية.

* استطعتم بشخصكم ان تغطّوا فجوة الصلاحيات الممنوعة على نائب رئيس الوزراء، ويقول الرئيس الحسيني ان اتفاق الطائف لم يلغ صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء بل تركها لخطة تنظيم أعمال مجلس الوزراء، كما قال لنا الوزير فؤاد بطرس انه مارس صلاحيات نائب رئيس الوزراء في غياب الرئيس رشيد كرامي فأين الحواجز امام هذه الصلاحيات؟

لقد أجبت على هذا السؤال في أكثر من مناسبة بالقول ان هذا المركز أعطي للطائفة الأورثوذكسية من منطلق التوازن بين العائلات الروحية اللبنانية، فأما ان يكون لهذا الموقع مهمة معيّنة وصلاحية معيّنة، وتحدد هاتان المهمة والصلاحية، واما الغاء هذا المركز واعطاء الطائفة موقعاً آخر.
وأود هنا التشديد على ما سبق وشددت عليه، بأن تحديد الصلاحيات يجب الا يتعارض مع تلك المعطاة لرئيس الحكومة ومع المبادئ الميثاقية. مثلاً: لماذا في ظرف استثنائي طارئ وفي غياب رئيس الحكومة لا يمكن لنائب رئيس الحكومة دعوة المجلس الى الانعقاد بعد التشاور معه هاتفياً وبالتوافق طبعاً مع رئيس الجمهورية طالما ان مجلس الوزراء مجتمعاً هو الذي يتولى السلطة التنفيذية لا الرئيس وحده ولا رئيس الحكومة وحده؟

لماذا لا يمكن، في غياب رئيس الحكومة، ان يوقع نائب الرئيس المراسيم التي يكون سبق لمجلس الوزراء ان أقرّها؟

واذا كنت انا شخصياً، كما تلطفت وأشرت، قد تمكنت من تغطية فجوة الصلاحيات الممنوعة على نائب رئيس مجلس الوزراء، وأشرفت على انجاز أعمال أكثر من ثلاثين لجنة وزارية عالجت أدق المواضيع المعروضة على المجلس، فقد حصل ذلك بمجهود شخصي لا علاقة للنصوص به.
لهذا السبب لا بد بشكل نهائي من حسم هذا الموضوع وطبعاً في جو من التفاهم بين الجميع والحرص على حقوق الجميع.

* هل أنتم راضون عن مسار جلسات مجلس الوزراء؟ وان لا فعلى من تلقون تبعات الارتباك الحاصل؟

لم أكن راضياً عن مسار جلسات مجلس الوزراء عندما كان المجلس مختزلاً وكما يقول المثل "شرابة خرج" ، وعندما كانت المواضيع الجوهرية والأساسية تعالج خارج المجلس، فامتنعت عن حضور بعض الجلسات كبادرة استياء من هذا الواقع لأني اعتبرت ان كل الأمور يجب ان تبحث داخل المجلس وليس فقط "التمديد لأجير" و"قبول هبة" و"اعفاء سيارة دبلوماسية من الجمرك"... الخ
وان الوفود الرسمية الى الخارج على كل المستويات يجب ان تشكل في مجلس الوزراء الذي عليه ان يطلع على نتائج الزيارات وأن يؤمن المتابعة لها لأنه المسؤول عن وضع سياسة الدولة الداخلية والخارجية.

* في الكواليس همسات بأن مشروع "صنين زينة لبنان" مدعوم أصلاً من الرئيس رفيق الحريري ولكن حتى يمرره في مجلس الوزراء أخذ دور المعترض، فكان طبيعياً ان يأخذ رئيس الجمهورية دور الموافق وهكذا يمر المشروع. فما رأيكم؟

أعتقد ان في السؤال الكثير من الخيال. لأن معاملات المشروع كانت معروضة ضمن الأصول وضمن ما نصت عليه القوانين والأنظمة المرعية، وأسماء أصحاب المشروع والمشاركين فيه معروفة.
واذا كنا قد وصلنا الى وقت يؤيد فيه رئيس الجمهورية مشروعاً لا لسبب الا لأن رئيس الحكومة يعارضه، ورئيس الحكومة يوافق على مشروع لا لسبب الا لأن الرئيس لا يؤيده، اذا كان ذلك كذلك فعلى لبنان السلام!!

* جرى الطعن في دعوة وزير الداخلية الى انتخابات محافظة الشمال، لأنها أسقطت عبارة "محافظة عكار"، فهل أخذت عكار ميكانيكية المحافظة ام ان عقبات تعترض التنفيذ؟
هذا السؤال ينطبق أيضاً على بعلبك الهرمل التي أصبحت محافظة ولم يشملها قرار الدعوة الى الانتخابات بل اكتفي بذكر "محافظة البقاع"،
وأعتقد ان السبب في الحالتين هو عدم صدور المراسيم التنظيمية للمحافظتين الجديدتين حتى الآن!

* نحن على أبواب انتخابات بلدية فما هي حاجات منطقة عكار وكيف تعالجون شؤونها الانمائية؟

لا بد من التمييز بين حاجات المنطقة ككل وهو أمر يتعلق بالسلطة المركزية اي الوزارات والدوائر المختصة، وبين الحاجات داخل القرى والبلديات التي من اختصاص المجالس البلدية؛ وأعتقد على المرشحين ان يقوموا بمسح لهذه الحاجات ويحددوا ميزانيتها ووسائل تنفيذها ويعلنوا ذلك على الناخبين لكي يتمكن هؤلاء من اختيار الأفضل.
اما حاجات محافظة عكار الانمائية من ماء وكهرباء وطرقات ومدارس وبيئة وسواها فانني ساهر عليها وأتعاون مع نواب المحافظة على تلبيتها، ضمن ما تسمح به امكانات الخزينة.
علماً ان عكار التي ما قصّرت يومها ازاء الوطن، لها حقوقُ على الدولة، ولكن مع الأسف لا تسير الأمور بالسرعة المشتهاة، وخاصة بالنسبة لخطة الانماء المتوازن، واللامركزية الادارية وصدور المراسيم التنظيمية للمحافظة.


* من خلال جولاتكم مع الرئيس على عدد من البلدان التي تضم مغتربين لبنانيين، برأيكم كيف يمكن للبنان ان يساعد هؤلاء على العودة الى ديارهم والاستثمار فيه وماذا يمكن للمغتربين ان يقدموا لبلدهم؟

مما لا شك فيه ان الانتشار اللبناني في العالم يختزن طاقات وقدرات هائلة لا عد لها ولا حصر في مختلف المجالات والميادين. وان استثمارها سياسياً واقتصادياً وثقافياً وسياحياً يعود بالخير العميم على المنتشرين انفسهم وعلى لبنان وعلى تقوية علاقاته بالدول المضيفة.
ولا بد في هذا السياق من التمييز:
بين المنتشرين في قارتي أميركا وأوقيانيا وهؤلاء اندمجوا نهائياً في اوطانهم الجديدة وأمر عودتهم من الصعوبة بمكان،
وبين المنتشرين في أفريقيا واحتمال عودتهم متوفر بالتأكيد،
والمنتشرين في الخليج ووجودهم فيه موقت،
والمنتشرين في اوروبا الذين يحافظون على تواصلهم الدائم مع لبنان.
واني أعتقد ان باب الاستثمار مفتوح أمامهم اذا توفرت عندهم المعلومات الكافية عن المشاريع التي تنفذها الدولة للمساهمة فيها، واذا اطمأنوا الى ان الوضع في لبنان يسير باتجاه الاستقرار والأمان.
وفي كل حال، ان اللجنة الوزارية التي شكلها مجلس الوزراء لهذه الغاية ستنجز قريباً مهمتها وتضع تقريرها المنطوي على التوصيات والمقترحات التي تراها كفيلة باستثمار هذا الرأسمال الضخم على الوجه الأفضل. وسأرفع، بصفتي رئيساً للجنة، هذا التقرير الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب بصدده.

* هل ترون في هذه الحكومة قابلية للحياة ام ان ظروف المنطقة تحول دون التغيير؟

أعمار الناس بيد الله وأعمار الحكومات بيد الظروف والتطورات والأقدار؛ ولكن ثمة شيئاً أكيداً هو ان الوضع الحالي لهذه الحكومة وضع غير صحي ويحتاج الى الكثير من المعالجات والمقويات والسهر. وما علينا الا الانتظار.