مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة
PrintEmail This Page
ندوة لبنان تحت تهديد الظلام: هل يمكن إصلاح الكهرباء؟
02 نيسان 2008
استضاف مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة ندوة بعنوان: "لبنان تحت تهديد الظلام: هل يمكن إصلاح الكهرباء؟" شارك فيها الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك ورئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي عبّود والمستشار السابق لوزير الطاقة والمياه المهندس زكريا رمّال. حضر الندوة مستشارا وزير الطّاقة والمياه بالوكالة محمّد الصفدي السيّد أنطوان قسطنطين والدكتور ريمون غجر وخبراء ومهتمّون بقطاع الكهرباء.
افتتح الندوة المستشار في مركز عصام فارس الدكتور رغيد الصلح بكلمة تحدّث فيها عن جوهر المسألة والخلل الحاصل في قطاع الكهرباء ومن أعراضه الانقطاعات العشوائية والتوزيع غير العادل للخدمات. وتحدّث عن دعم الحكومة لهذا القطاع والذي بلغ عام 2006 مليار دولار وبات يشكل %4 من الناتج المحلي. وأشار إلى أنّ هذا القطاع الصناعي مثلاً يخسر سنويًّا حوالي 400 مليون دولار بسبب مشاكل الكهرباء. وأكّد الصلح أنّ اهتمام مركز عصام فارس بإعداد هذه الندوة حول إصلاح قطاع الكهرباء يرمي إلى ترشيد الجدل حول هذه المسألة وإلى إلقاء أضواء كاشفة على الحقائق والمعلومات التي تشكّل مقدّمة لأيّ إصلاح.
ثم رحّب رئيس مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية الدكتور عبدالله بوحبيب بالحضور مقدما الندوة ومعرفا بالمشتركين بدءأ بالمهندس رمال الذي استهل حديثه بالتحدث عن أزمة الكهرباء بشكل عام واعتبر أنّ نجاح أيّ خطة إنقاذية لا بد لها أن تنطوي على عملية إصلاحية تعمل بالتوازي على المدى القصير، المتوسط والبعيد. وتناول رمّال المشاكل والصعوبات التي يعاني منها قطاع الكهرباء وتمتدّ إلى الأطر التقنية والإدارية والمالية وإلى الترابط فيما بينها. وأوضح أنّ القدرة الفعليّة لقطاع الإنتاج الكهربائي تشكل حوالي %63 من قدرته الإسمية وهي غير كافية لتغطية إحتياجات الطلب. ولفت إلى ضرورة تطوير شبكة النقل والتوزيع عبر تحرير مناطق "الخنقات" وإزالة التعدّيات التي تغطي معظم مناطق لبنان.

وشدّد الرمال على أهميّة الطاقة البشريّة لمؤسسة الكهرباء التي تعاني نقصًا هائلاً يصل إلى أكثر من ٦٠% من عدد الموظفين والاجراء الضروريين لضمان التشغيل الكافي لهذه الطاقة. كذلك اشار الرمال الى ان معدّل عمر الموظفين في مؤسسة الكهرباء هو 58 عامًا مما يؤثر سلبا على انتاجيتهم. وأشار إلى أنّ معالجة التعرفة تتم من خلال مناقشة هادئة وعلميّة مقرونة بإحداث شفافية داخل القطاع تبدأ بمكافحة السرقة والتعدّي على الشبكة، وتحسين الخدمة وتطوير المنشآت وتوعية الرأي العام إلى مخاطر الوضع الحالي. وتحدّث رمال عن أحكام قانون 462 الذي ينظم بنود تطوير القطاع وتختصر توجّهاته ببعض النقاط: تشركة مؤسسة الكهرباء اي تحويلها الى مجموعة شركات متخصصة، إشراك القطاع الخاص في الإنتاج والتوزيع وإنشاء الهيئة الناظمة للكهرباء وتشجيع الاستثمارات الخاصّة للإنتاج. ثم شرح خطّة الإصلاح للنهوض بقطاع الكهرباء والتي أعدّتها وزارة الطاقة والمياه في عهد وزير الطاقة المستقيل محمد فنيش وأبرز بنودها:

تفعيل إدارة مؤسّسة كهرباء لبنان وخصوصاً الدفع المالي فيها ، استدراج عروض لاختيار شركات ذات كفاءة عالميّة لإطلاق ورشة تجهيز مليون عدّاد تحكم عن بعد لاحتواء مشاكل الهدر وتحسين الجباية وتجهيز النظم المعلوماتيّة الخاصّة ، والعمل على إنهاء تجهيز شبكة الـ 220/ ك.ف. ، العمل على تشغيل معمل ديرعمار على الغاز الطبيعي وتبنّي مفهوم الشاري الوحيد للمرحلة الانتقاليّة من أجل هيكلة أسعار موحّدة لجميع الموزّعين، والاعتماد على القطاع الخاص لتمويل مشاريع تترتّب عليها فائدة مشتركة للدولة وللمستثمر، وتشجيع ترشيد استهلاك الطاقة.

ثم تحدّث أمين عام المجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك الذي شدّد على ضرورة وعي المواطن لبعض الأمور للخروج من دوامة أزمة الكهرباء ومنها: أن الكهرباء سلعة صناعية منتجة من الوقود الذي ترتفع أسعاره بشكل مستمر وأصبحت تشكل اليوم أكثر من %95 من كلفة إنتاج الكهرباء في لبنان وأن المواطن يدفع هذه الفاتورة. وركز على ان سرقة الكهرباء منتشرة في مختلف المناطق اللبنانية واعتبر أن مؤسسة الكهرباء تخسر نظرًا لأن التعرفة أقل من كلفة الإنتاج ومن عدم القدرة على ملاحقة المعتدين على الشبكة بالإضافة إلى أن القدرة الإنتاجية مهددة نظراً لبلوغ معظم معامل الإنتاج سن التقاعد. ودعا المواطن إلى تحمّل أعباء التعرفة خصوصًا وأنّه مضطر اليوم إلى دفع تعرفة عالية جدّاً لأصحاب المولّدات الخاصة. وأكّد حايك أنّ إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان يتطلب خمس سنوات من العمل على تنفيذ خطّة واحدة، لأنّ تغيير خطط الإصلاح أوصل قطاع الكهرباء إلى ما هو عليه اليوم.

كذلك أشار الحايك إلى أنّ لدى الدولة 64 مشروعًا إصلاحيًّا متشابهًا وقد أقرّ مجلس الوزراء اعتماد وتنفيذ خطة الوزير فنيش. ودعا إلى موازنة كل أفكار الاتجاه الإصلاحي لقطاع الكهرباء في ميزان التمويل لأنّنا مقيدون بحجم الإمكانات المالية. وأشار حايك إلى أنّ المجلس الأعلى للخصخصة يقوم بمعالجة شاملة لكلّ المشاكل والمصاعب التي يعاني منها القطاع على محاور خمس هي: تشركة مؤسسة كهرباء لبنان، تأمين قدرة إنتاج إضافيّة للطاقة، تحسين نقل الكهرباء، إصلاح التوزيع وتحديد السياسة التي ستتّبع بالقطاع مستقبلاً. ورأى حايك أنّه من أجل نجاح الجهد لإصلاح الكهرباء، يجب القيام بوضع سياسة لدعم سعر الكهرباء تأخذ بعين الإعتبار البعد الإجتماعي وقدرة المواطنين على تحمّل أعباء الكلفة وتكون جزءًا من موازنة الدولة، وتعيين أعضاء الهيئة الناظمة للكهرباء وإدخال التعديلات الضرورية على القانون 462، وتأمين استمراريّة تنفيذ الخطّة المتّبعة حاليًّا وعدم تغييرها.

ودعا رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود في كلمته إلى حلّ شامل لوضع الكهرباء الذي تتحكّم به عوامل كثيرة بدءاً من الاحتكار (الغاز والمازوت) وصولاً إلى أزمات معامل الطاقة والتعرفة. وتحدّث عن حالات ضعف المنافسة للمؤسّسات اللبنانيّة خصوصًا وأنّها تضطر إلى شراء كهرباء وبأسعار تعتبر الأعلى في المنطقة. وأشار عبّود إلى دراسة للبنك الدولي اعتبرت أن خصخصة الكهرباء في ظل الظروف الحاليّة لن تحلّ المشكلة بل ستزيد مشكلات إضافيّة، وسترفع كلفة الكيلواط - ساعة بمعدل ثلاث سنتات كحد أدنى.

ولفت عبّود إلى أنّ البنك الدولي حمّل المسؤوليّة في ارتفاع العجز في مؤسّسة الكهرباء إلى التدخّل السياسي وسخاء التعرفة الحكومية التي وضعت على أساس 25 دولاراً لسعر برميل النفط مع نصيحة البنك بزيادة التعرفة %55 شرط أن تترافق مع تطوير الحماية الإجتماعيّة. وبعد أن تحدّث عبّود عن تقديرات كلفة الإستثمار ضمن هذا القطاع، طرح فكرة لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء تعتمد على أن يولّد الطاقة منتجي الطاقة المستقلّين، منهم للاستعمال الخاص ومنهم لبيع إنتاج كهربائهم الخاصة، مما يوفّر على الماليّة العامّة مليار وخمسمئة مليون دولار خلال فترة ثلاث سنوات وفترة زمنيّة تمكّنها من التحوّل من المازوت إلى الغاز بعد فتح باب الإستيراد الحرّ، ممّا يعني دعمًا أقلّ على الدولة وشروط بيئيّة أفضل.

وشرح عبّود المشاكل الماليّة التي تعاني منها مؤسّسة الكهرباء والتي تتضمّن شقّين مستقلين: ارتفاع كلفة التشغيل وتدنّي العائد المالي. وأكّد عبّود أنّ استخدام الغاز الطبيعي بدل مادة الديزل سيؤدّي إلى خفض الكلفة إلى حوالي 85 ليرة لبنانيّة بدلاً من 150 ليرة للكيلواط - ساعة، وأنّ توجّه لبنان نحو استعمال الغاز سينعكس إيجابًا على خفض كلفة الفاتورة النفطيّة للكهرباء، وسيشكّل توازنًا ماليًّا للمؤسّسة، إضافةً إلى زيادة دخل الخزينة. ولتحقيق ذلك، يجب الاتفاق مع سوريا على شراء الغاز الطبيعي والعمل الجدّي على تنفيذ تمديد خط الغاز العربي لكي يشمل لبنان ويرتبط مع سوريا ومصر والأردن. وإعتبر عبود أنّ تأمين الغاز الطبيعي إلى لبنان هو الحل الوحيد لتأمين طاقة بأسعار معقولة ليست فقط لإنتاج الكهرباء بل لكلّ الاستعمالات وهو الحل الأسرع لمعضلة الكهرباء.

وكانت مداخلة لمستشار وزير الطاقة والمياه بالوكالة محمد الصفدي السيّد أنطوان قسطنطين الذي ردّ على بعض النقاط التي وردت في كلمات المحاضرين مشيرًا إلى أنّه لا يمكن التفكير بإصلاح الكهرباء بمعزل عن الإصلاح السياسي العام وقيام سلطة سياسية موحّدة الرؤية تعمل من وحي سياسي واضح وتملك رؤية عامّة لمشكلة الكهرباء، خصوصًا وأنّ المشاريع المطروحة للكهرباء ترتبط برؤية يتبناها اصحاب القرار السياسي متضامنين ثم يعطى القرار التنفيذي لكلّ المشاريع. وشرح قسطنطين أسباب عدم تنفيذ مشاريع الغاز المطروحة لحلّ مشكلة الكهرباء مؤكّدًا أنها ليست سياسية وإنّما ترتبط بقدرة سوريا على امتلاك المخزون الكافي من الغاز حتّى تتمكن من إعطاء لبنان ما هو بحاجة إليه. وأمل أن تفي مصر كذلك بالتزاماتها بإعطاء لبنان حاجته من الغاز خصوصًا وأنّ الخط العربي سيمرّ أيضاً بالأردن التي سيأخذ منه حاجته.

وأكّد قسطنطين أنّ الأمل الوحيد والمهم للبنان في تأمين الغاز هو العراق، الذي تعمل أوروبا وأميركا لربطه بعقود طويلة الأجل مع أوروبا لتزويدها بالغاز الطبيعي، دون المرور بخط الغاز العربي. وأشار إلى أنّه في حال وصول الغاز إلى لبنان فالحل بسيط وهو إنشاء مصنع في ديرعمار قدرته 900 أو 1000 ميغاوات، بالإضافة إلى مصنع آخر في سلعاتا قدرته بين 400 و600 ميغاوات. وتمنّى قيام تعاون عربي حقيقي لاستجرار خط غاز عبر البقاع للوصول به إلى الجنوب. ولفت إلى أنّ الحلول التقنيّة واضحة لكن للأسف فإنّ التعاون العربي غير مشجّع وموضوع الغاز يصبح واقعًا عندما يتمّ إشراك ليبيا والعراق في خط الغاز العربي. ثم تناول موضوع إنتاج الكهرباء على الطاقة النوويّة المكلفة للبنان داعيًا إلى قيام مشروع عربي مشترك لإنتاج الطاقة الكهربائيّة النوويّة.