مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة
PrintEmail This Page
"سياسة سويسرا الدفاعيّة: سبعة قرون في التكيّف المستمر في محيط متحوّل"
09 نيسان 2008
ضمن منبر الحوار الذي ينظّمه مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة شهد المركز مساء أمس الخميس محاضرة بموضوع "سياسة سويسرا الدفاعيّة: سبعة قرون في التكيّف المستمر في محيط متحوّل" لرئيس الأمانة العامة السياسيّة – الدائرة الفيديراليّة للشؤون الخارجيّة السويسريّة – السفير جاك بيتلو.

إفتتاح الندوة كان بحضور رئيس مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة السفيرعبدالله بو حبيب وسفراء وأمنيين وقانونيين ومهتمين. إفتتح اللّقاء مستشارالمركز الدكتور رغيد الصلح الذي أشار في كلمته إلى أنّ قضيّة الدفاع الوطني هي قضيّةً حسّاسة في لبنان بسبب الأوضاع الراهنة التي تجعل من هذه قضيّة نقطة خلاف بين الأفرقاء السياسيين. وإذ نناقش هذا الموضوع اليوم لا نريد قطعاً أن نزيده حساسيّة بل بالعكس. وكذلك نأمل بتنظيم حوار لبناني عقلاني للخروج بمقترحات تساعد على إيجاد الحلول له. وتبع الصلح كلمة للمستشارة في السفارة السويسريّة إفلين ستمبفلي التي أعربت عن سعادتها لوجود السفير جاك بيتلو، وأكّدت حماستها للإستماع إلى آراء السفير بيتلو كما المشاركين حول سويسرا وكل المواضيع التي سيتطرق إليها.

ثمّ عرض السفير بيتلو في مداخلته للسياسة الدفاعيّة السويسريّة التي تتأقلم بشكل مستمر مع محيطها الذي يتطوّر دائماً. وتطرّق إلى أوجه الشبه بين سويسرا ولبنان لناحية الثقافة والطبيعة ومحاولة إيجاد التوازن السياسي والإرادة لإثبات الهوية الخاصة في ظل جيران أقوياء وليسوا دائماً ودودين. وقال: إنّ لبنان كان دائماً ملتقى الثقافات والأديان والإنفتاح على العالم والتاريخ الثقافي والإقتصادي يختلف بين البلدين... خصوصاً وأنّ لبنان منذ القدم كان منطلق العولمة في مختلف المجالات. وتابع بيتلو: تمكّنت سويسرا من خلال تحالفات صغيرة بين الكانتونات من المحافظة على إستقلالها وتوسيع حدودها ضمن القارّة الأوروبيّة التي شهدت كثيراً من المواجهات ومكّنت سويسرا من مواجهة الصعوبات على مرّ التاريخ. وأوضح أنّ سويسرا لم تكن دائماً كما يعرفها الكثيرون اليوم فهي على مرّ التاريخ كانت قوّة عسكريّة شرسة شهدت حروباً أهليّة ودينيّة عديدة.

وأكّد بيتلو أنّ سويسرا تمكّنت من تجاوز كل المشاكل التي عصفت بأوروبا خلال الحرب العالميّة الأولى والثانيّة وذلك بفضل سياسة الحياد التي إنتهجتها على رغم القوة العسكريّة المتعاظمة لجيشها الذي إعتمد على قوّته الرّادعة من دون إستخدامها. وأوضح بيتلو: إنّ الهدف من الحياد هو تحييد البلاد عن المعارك الإقليميّة والدوليّة وإبعاد شبح الحروب الأهليّة عن بلد متعدّد الإثنيّات والمذاهب. وشدّد على أنّ الخدمة العسكريّة الإجباريّة برأي السويسريين هي السبيل الأنجح لتوحيد البلاد وإحداث وحدة وطنيّة. ولفت إلى أنّ سويسرا إعتمدت شعاراً "واحداً للكل والكل للواحد" وهو سرّ نجاح الدفاع السويسري.

ثم دارت مناقشة بين المشاركين والسفير بيتلو أجاب خلالها عن أسئلة تركّزت حول الدور الذي يمكن أن تلعبه سويسرا في عمليّة السلام العربيّة الإسرائيليّة وعن كيفيّة مواجهة سويسرا للإرهاب. كذلك سُئل بيتلو عن سياسات الدفاع السويسريّة وخصوصاً تفاصيل التجنيد الإجباري ونتائجه وعن رؤيته في كيفيّة إدخال "حزب الله" في الجيش اللّبناني بطريقة سلميّة. فأجاب السفير بيتلو إنّ الصراع العربي الإسرائيلي تتدخّل فيه كلّ القوى الكبرى وبالتالي يصعب على سويسرا أن تساعد فيه بطريقة فعّالة لكنّها تساهم في تسهيل قنوات الحوار في لقاءات ومشاورات مع الأطراف المعنيّة عبر تفعيل نشاطها الدبلوماسي لتقريب وجهات النظر.

وتطرّق بيتلو إلى موضوع الإرهاب معتبراً أنّ مواجهة الإرهاب هي مواجهة إيديولوجيّة طويلة المدى مع السعي لإقناع الناس بعكس ما يحاول السلفيون إقناعهم به وأن تبرهن لهم أنّ القانون يسود الجميع. وشدّد على أن سويسرا لا تطلق صفة إرهابي بطريقة عشوائيّة بل عبر الأطر القانونيّة لأنّها على قناعة بأنّ مواجهة الإرهاب تكون عبر حكم القانون وليس بالإنزلاق إلى مستوى الإرهابيين . وعن التجنيد الإجباري قال السفير بيتلو على الرغم من أنّ بعض الناس يرون فيه مضيعة للوقت والمال العام غير أنّ هذه السياسة تساهم في تدعيم الوحدة الوطنيّة حيث يدرك المجنّدون القيم المشتركة التي تجمعهم ببعضهم، وكلفة هذه المهمّة أقل من إنشاء جيش مهني. وعن إدخال حزب الله في الجيش أكّد أنّ أيّ ميليشيا تريد التخلّي عن سلاحها يجب بمقابل تنازلها هذا أن تجد لها نفس المحيط الآمن الذي يخلقه لها هذا السلاح. وردّاً على سؤال حول رأيه بالذين يعتبرون أن لا مجال للحياد بين الخير والشرّ، كالدكتاتوريّة والديمقراطيّة أو كالإرهاب ومكافحة الإرهاب. وبالواقعيّين الذين يعتبرون أنّ الحياد لا يطبّق إلا في حال توازن دولي للقوى، فإذا فقد التوازن فقد الحياد. أجاب السفير بيتلو: إنّ القوانين كلها تعتمد بحسب رؤيتنا لما هو عادل وغير عادل. والحرب على الإرهاب يجب أن تكون ضمن الأطر الديمقراطيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة التي إذا ما تجاوزناها نكون قد خسرنا مسبقا هذه الحرب. ولهذا حاولت سويسرا وتحاول منذ فترة لإنشاء سلطة قانونيّة لتصنيف الإرهابيّين بحيث يستطيع المتهم بالإرهاب الاعتراض أمام المحاكم وألا يترك لكيدية التصنيفات.

وعن ميزانيّة الجيش السويسري والنسب المعتمدة لتقسيم هذه الميزانية على ميليشيات الكانتونات، ونصيحته للبنانيّين كمراقب من الخارج، أجاب بيتيلو: إنّ ميزانيّة الجيش السويسري تراجعت منذ ١٥ عامًا من ٢٣% إلى حوالي ١١% من الموازنة الفدراليّة، أيّ٣,7 مليار دولار سنويًّا. أمّا نصيحته للبنان فهي أن يعرف اللبنانيّون ما لديهم وأن يعرفوا ما سيخسرون إذا ما تقاتلوا وليحاولوا ألا يخسروه.