أخبار ونشاطات مختلفة
PrintEmail This Page
عصام فارس "ابو الصلاحيات" لنائب رئيس مجلس الوزراء
24 تشرين الأول 2008
حدث انه كان من أهم وابرز العقد السياسية التي ظهرت في السياسة اللبنانية بعد اتفاق الدوحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، المشكلة التي أثارتها المعارضة، وخصوصا" "التيار الوطني الحر"، حول صلاحيات ومقر نائب رئيس الحكومة اللواء المتقاعد عصام ابو جمرا المنتمي الى التيار المذكور بقيادة العماد ميشال عون. ذلك ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والفريق الحاكم رفضوا رفضاً قاطعاً اعطاء مقر لنائب الرئيس في السراي الحكومي على مقربة من رئيس الحكومة، او تحديد صلاحيات لمهامه.

وقد اتسعت الضجة حول الموضوع لتدخل، كما في كل شيء في لبنان هذه الايام في الاطار الطائفي ومسألة حقوق الطوائف. فيما هي في الواقع مسألة تقنية. ذلك ان هذا المنصب يعود عرفاَ الى الطائفة الارثوذكسية. لكنه لم يحصل جدل حوله في السابق. اي قبل مرحلة الرئيس الراحل رفيق الحريري، لأن نائب رئيس الحكوة "الارثوذكسي عرفاً" كان في الماضي يحمل الى جانب منصب نائب الرئيس حقيبة وزارية فيكون مقره في الوزارة المناطة به.

الا ان العيون بدأت تتفتح على الموضوع عندما انيط منصب نائب رئيس مجلس الوزراء بنائب عكار يومها الارثوذكسي المعروف عصام فارس في اواخر تسعينات القرن الماضي ومطلع الالفية الجديدة، خصوصاً اثناء الحكومة الاخيرة للرئيس رفيق الحريري الذي غمز البعض من قناته بأنه يعتبر السراي الحكومي ملكاً خاصاً له، مختصراً مجلس الوزراء بشخصه (بمعونة الفريق السوري المسيطر على لبنان في تلك المرحلة والممثل بعبد الحليم خدام وغازي كنعان وشركاهم).

والحقيقة ان دولة نائب رئيس الحكومة عصام فارس آنذاك لم يشأ ان يجعل من الموضوع ازمة سياسية – طائفية (كما هو حاصل الآن بطبيعة الحال). اولاً بسبب المسؤولية الوطنية والحرص على الاستقرار العام في البلاد، وثانياً لانه كان يرى ان ترسيخ الحياة البرلمانية الديموقراطية كفيل بحل أي مشكلة خصوصاً الدستورية والقانونية منها، فضلاً عن انه بطبعه وثقافته وتربيته رجل غير طائفي ولم يتصرف يوماً من منطلق طائفي او يتفوه بكلام طائفي.

لكن بما ان النظام اللبناني القائم مكرس على اساس التقسيمات الطائفية في دستور الطائف (ولم يكن منصوصاً عنه في الدستور السابق اي دستور 1926 الذي يعتبر من ارقى الدساتير في زمانه)، وبما ان الطائفة الارثوذكسية هي الطائفة الرابعة في لبنان (والثانية في بيروت التاريخية)، فقد أنيطت بممثليها نيابة رئاسة مجلس النواب ونيابة رئاسة مجلس الوزراء.

ومما اضعف هذه القضية ايام نيابة عصام فارس (وما يضعفها اليوم ايام نيابة عصام ابو جمرا) ان مجموعة كبيرة من النواب والوزراء ورجال الدين الارثوذكس كانوا وما يزالوا يسيرون في ركاب "الحريرية السياسية". فأحجموا عن تبني الموضوع او دعمه خوفاً على مصالحهم الخاصة، بل ان هناك من يتهم هؤلاء "الحريريين" من النواب والوزراء ورجال الدين الارثوذكس بانهم اسهموا اسهاماً فاعلاً في تهميش منصب نائب رئيس الحكومة والعمل على الغائه لأنه مصدر احراج لهم بسبب تبعيتهم السياسية والمالية.

ويحتج رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وفريقه في هذه الايام، في معرض رفضه اعطاء نائبه مكتباً الى جانبه في السراي او تحديد صلاحيات له، بأن هذا المنصب هو منصب عرفي (وتعريفهم للعرف انه شيء شكلي خلافاً لمفهومه القانوني والدستوري على الصعيد العالمي). وان الدستور لم ينص على وجود مثل هذا المنصب، انما نص فقط على وجود منصب نائب رئيس مجلس النواب المحددة صلاحياته في الدستور ومكتبه في داخل مجلس النواب الى جانب مكتب رئيس المجلس، وهو مناط عرفاً ايضاً بالطائفة الارثوذكسية.

وعلى سبيل الاستغلال الطائفي لهذه المسألة اطلق بعض "الحريريين" مطلباً مضاداً بخلق منصب نائب لرئيس الجمهورية، وربما كان ذلك تكتيك انتخابي لاعادة استقطاب الطائفة السنية وتصوير قضية نائب رئيس الحكومة وكأنها افتئات على رئيس الحكومة وتقليص لصلاحياته المتوسعة مع الوقت. مع الايجاء بأن ذلك موجه الى الطائفة السنية. لكن هذا الموقف الطائفي من جانب السنيورة وفريقه لم يفعل فعله، كما هو منتظر. بل على العكس من ذلك افقد "المنظومة الحريرية" دعماً مسيحياً ولم يسكبها اي دعم اسلامي.

ولعل النقاش الدستوري الاهم حول الموضوع في السابق جرى في جلسة لمجلس النواب مخصصة لاستجواب الحكومة انعقدت في نيسان / ابريل من عام 2002 وغاب عنها رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري بداعي السفر وحضرها نيابة عنه نائب الرئيس عصام فارس.
وعندما اعترض النائب حسين الحسيني (الرئيس السابق لمجلس النواب) على دستورية جلسة مجلس النواب لاستجواب الحكومة في غياب رئيسها. رد الرئيس نبيه بري بأن رئيس الحكومة لم يبلغ رئاسة مجلس النواب بسفره، رافضاً بدوره عقد جلسة الاستجواب بحضور او غياب رئيس الحكومة، بل ومحذراً من هذا الربط على اعمال المجلس النيابي، وقال بري يومها كلمته الشهيرة: اننا اذا سمحنا ألا تعقد الجلسة النيابية بسبب غياب رئيس الحكومة بان النتيجة هي "تخبزوا بالعافية" (او بكلام آخر: السلام على النظام البرلماني).

وقال بري انه اذا تعطلت الجلسة لهذا السبب يكون ذلك من اخطر الامور في تاريخ البرلمان اللبناني.
واذ انسحب الرئيس حسين الحسيني من الجلسة المذكورة بحجة ان الجلسة غير دستورية (حسب اتفاق الطائف) لأنه اعتبر ان صلاحيات رئيس الحكومة لا يمكن تفويضها. ومعه بعض النواب من بينهم نائب زحلة نقولا فتوش (الذي كان في السنة السابقة قد تطاول على نائب رئيس الحكومة آنذاك عصام فارس حول هذا الموضوع معتبراً ان اجتماعات نائب الرئيس مع كبار موظفي الدولة والامن مخالف للمادة 64 من الدستور. وكان ذلك في غياب نائب الرئيس عصام فارس في اميركا لحضور المؤتمر الخامس والاربعين للابرشية الارثوذكسية في اميركا. فتناوله فارس من هناك برد شديد اللهجة قال فيه: "ليطمئن سعادة النائب بأن لقاءاتي واستقبالاتي اليومية لا علاقة لها لا بالكسارات، ولا بصنع الويسكي المحلي، ولا بالقرصنة على التخابر الدولي، ولا بأي مغارة من المغارات. وهذا اشارة الى "العمليات" التي قيل يومها ان النائب المذكور كان يقوم بها او يشارك فيها بحماية ضباط سوريين معنيين بالشأن الامني اللبناني). فان التذرع بأن اتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه والذي ما زال معمولاً به لم يلحظ منصب نائب رئيس للحكومة ولا صلاحيات صاحب هذا المنصب. ليس كلاماً دقيقاً. وان كان صحيحاً في الشكل، خصوصاً ان الرئيس حسين الحسيني كان اكثر المسؤولين آنذاك ارتباطاً بمجريات مؤتمر الطائف. وذلك للملاحظات التالية التي اوردها ل"الديبلوماسي" نائب سابق شارك في اعمال ومناقشات الطائف.

اولأً: صحيح ان مسألة نائب رئيس الحكومة لم تتطرق اليها الوثيقة النهائية لاتفاق الطائف. الا ان كثيرين في لبنان اليوم يغفلون عن حقيقة واقعة وهي ان الموضوع جرى بحثه في المداولات، كما اجتمع نواب الطائفة الارثوذكسية الذين حضروا مؤتمر الطائف وهم موريس فاضل، وميشال ساسين، ونجاح واكيم، وميشال معلولي، والمرحوم الدكتور عبدالله الراسي. وطالبوا بأن تتضمن وثيقة الطائف نصاً يكرس العرف المتبع في هذه المسألة. لكن هذا لم يتم، الا ان المداولات بشأن الموضوع (وهنا تكمن القطبة المخفية) مثبتة في محاضر اجتماعات الطائف، وهذه المحاضر ما زالت بحوزة الرئيس الحسيني ولم يفرج عنها حتى الآن.

ثانيا": ان مسألة نائب رئيس الحكومة لم تثبت في مؤتمر الطائف لغايات مرسومة مسبقاً من رعاة المؤتمر وعلى رأسهم الرئيس الراحل رفيق الحريري الطامح يومئذ الى رئاسة الحكومة، وكان فاعلاً خلال المؤتمر ويتمتع بدعم سعودي مطلق. وذلك كما ثبت لاحقاً وما زال سارياً. من اجل استئثار رئيس الحكومة السني المدعوم من السعودية بالحكم بدون شراكة احد.

ثالثا": ما يؤكد هذه النية المخططة مسبقاً لاستئثار رئيس الحكومة بالسلطة كاملة واختصارها بشخصه هو التقليص الجذري لصلاحيات رئيس الجمهورية عن سابق تصور وتصميم. وهذا الاجراء هو توأم تجاهل منصب نائب رئيس الحكومة.

رابعا": ان القول الجاري الآن، والكامن ضمنياً في نوايا محركي مؤتمر الطائف، من ان لا صلاحيات دستورية لنائب رئيس الحكومة، وانه لا يجوز له ان يقوم مقام رئيس الحكومة في حالات معينة، امر يدحضه العرف، كما اكد ذلك جميع الذي تولوا هذا المنصب في السابق (أي قبل الطائف، مما يظهر النية المبيتة بهذا الخصوص في الطائف وبعد الطائف) ومنهم فؤاد بطرس، وغسان تويني، وميشال ساسين، والياس سابا، والدكتور البير مخيبر، الذين مارسوا بالفعل صلاحيات رئيس الحكومة لدى غيابه لسبب من الاسباب، وهو المبرر الاساسي للعرف المعمول به لوجود نائب للرئيس.

فاذا لم يكن لهذا المنصب مبرر او مسوغ منطقي ودستوري بالتالي، فما هو اذن سبب وجود هذا المنصب من الاستقلال الى اليوم، وحتى من قبل الاستقلال؟

وقال النائب السابق من اهل الطائف "انه اذا لم يكن هناك مبرر او مسوغ دستوري لهذا المنصب، فان بقاءه هو المخالفة الدستورية، لكنهم لا يستطيعون الغاءه. واذا كانوا غير قادرين على الغائه، فانهم لن يستطيعوا تجاهله. وهذه في الحقيقة ليست معركة نيابة الرئاسة بقدر ما هي معركة ضد استئثار فريق معين بالسلطة خلافاً للمفهوم الوطني الذي قام عليه لبنان في الاصل".

وكانت هيئة التشريع والقضايا في مطلع العام 2001 (عندما تحرك موضوع صلاحيات نائب الرئيس في ايام نيابة الرئيس عصام فارس)، قد أفتت بأن يحل نائب الرئيس محل الرئيس في حال غيابه، على اساس انه لا فراغ في الحكم. وكما هو معمول به في جميع المؤسسات العامة والخاصة كقاعدة ادارية ثابتة ليس فقط في لبنان، بل في العالم كله.

وفي الجلسة النيابية التي انسحب منها الرئيس حسين الحسيني، والتي تعتبر جلسة مرجعية كما وصفها النائب بطرس حرب، او "اجتهادية محاسبية" كما وصفها النائب فارس بويز، او محضرية كما وصفها الرئيس عمر كرامي، وهذه ابرز المواقف في تلك الجلسة فقد شدد النائب بطرس حرب (وهو الآن من اقطاب فريق 14 آذار) على ضرورة تحديد وتوضيح صلاحيات نائب رئيس الحكومة، وانه من الواجب البت في هذا الامر، فتكون الجلسة للبت في الامر مرجعية لاستكمال ما نوقش في الطائف.

اما النائب فارس بويز فقد طرح الامر من جهة النية المبيتة من وراء تمييع المسألة كغطاء لتهرب رئيس الحكومة (رفيق الحريري آنذاك) من محاسبة مجلس النواب للحكومة، وهذه محاولة لتهميش مجلس النواب على غرار ما جرى لرئاسة الجمهورية. وقال بويز: ان خطورة هذه الجلسة هي انها اجتهادية. لانها تبحث في الموضوع لأول مرة بعد الطائف. وتساءل ما اذا كان المجلس سيسمح لرئيس الحكومة ان يتهرب من اهم ادوار المجلس، اي المحاسبة والمراقبة، في حال اعتمدنا غيابه مبدأ لعدم المحاسبة واسقاط الحكومة. وطالب بأن تكون الجلسة قانونية بمفاعليها قطعاً للطريق اما التغيب المتعمد لرئيس الحكومة كفعل مسبق لعرقلة اعمال مجلس النواب.

وقد ضرب الرئيس عمر كرامي على وتر حساس عندما اشار باسلوب غير مباشر الى تعمد مؤتمر الطائف عدم اعطاء نائب رئيس الحكومة اي صلاحيات مثبتة دستورياً، مطالباً بالكشف عن محاضر جلسات الطائف التي نوقش فيها الموضوع، قائلاً: "عندما نختلف على تفسير القانون او الدستور نعود الى محاضر الجلسات. ففي الطائف كان هناك نقاش طويل عريض حول صلاحيات نائب الرئيس".

ولكي يظهر كرامي الفارق في الممارسة بينه وبين رفيق الحريري قال كرامي انه عندما كان رئيساً للحكومة كلف نائبه يومذاك ميشال المر ترؤس لجنة من اجل وضع قانون يتعلق بأمن الدولة. وكما هو متوقع ايضاً اعتبر كرامي ان صلاحيات رئيس الحكومة تبقى هي الاساس (وقد كرر هذا الموقف رداً على مطالبة العماد ميشال عون بالفصل بين السلطات التنفيذية لرئيس الحكومة وبين الهيئات الرقابية التي اصبحت مناطة به بعد الطائف، مما يستكمل نية الهيمنة والاستئثار لدى فريق طائفي معين).

فالكرة التي اطلقها دولة الرئيس عصام فارس قبل سنوات عديدة ما زالت تتدحرج في الملعب السياسي اللبناني ولم تفقد شيئاً من زخمها. خصوصاً بعدما تلقفها في الحكومة الحالية نائب رئيس عصام ابو جمرا الذي ذهب الى السراي في غياب الرئيس السنيورة في السعودية بحجة اتمام مراسم العمرة في شهر رمضان، واجتمع بكبار موظفي رئاسة الحكومة وبحث معهم في كيفية سير العمل في السراي.

لكن السؤال يبقى حول دور رجال الدين الارثوذكس في الموضوع، طالما ان النظام اللبناني الحالي يقوم على التوزيع الطائفي. ولماذا لاذوا بالصمت وبعدم الحركة باستثناء بعضهم وابرزهم مطران جبل لبنان جورج خضر الذي قام بتحركات ملحوظة منها زيارته الى البطريرك الماروني وغيره من القيادات السياسية والروحية.

وقال النائب السابق المشار اليه في البداية، تعليقاً على صمت المطارنة الارثوذكس، خصوصاً مطرانية بيروت: "انهم من اهل الطائف اكثر مما هم من اهل الطائفة".