معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الاميركية
PrintEmail This Page
هل يذهب العرب موحّدين إلى مفاوضات المناخ؟
14 تشرين الأول 2008
هل سينجح المجتمع المدني العربي في إقناع ممثّلي الحكومات بتبنّي «ورقة موقف موحّدة» لطرحها في الاجتماعات الدولية المخصّصة لتبنّي معاهدة جديدة حول المناخ؟ هذا ما ستجيب عنه ورشة عمل إقليمية تبدأ اليوم في بيروت

تشهد بيروت اليوم انطلاق ورشة عمل إقليمية حول تغيّر المناخ تحت عنوان: «سياسات العالم العربي لمفاوضات ما بعد 2012 المناخية». وبقدر ما تبدو الورشة متخصصة ونخبوية، فإنها تعالج موضوعاً يقضّ مضاجع العالم، ولبنان ليس بمنأى عن تداعياته. فالسيول الجارفة التي اجتاحت بلدة القمامين في أعالي جبال الضنية، وسببت خسائر كبيرة للسكان المحليين هي نموذج مصغر للتداعيات التي يشهدها العالم نتيجة التغير المناخي. وتصنف الأمطار الغزيرة في مطلع شهر تشرين الأول في خانة «التطرف» المناخي، لأن لبنان يشهد عادة في مثل هذه الأيام هطولاً ضئيلاً لبعض الأمطار المتفرّقة والخفيفة، وهي ليست بغزارة الأمطار التي هطلت في القمامين وسببت سيولاً.

وتهدف الورشة التي دعت إليها رابطة الناشطين المستقلين (إندي آكت) ومعهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت إلى «تبني موقف عربي موحد من المناقشات الدائرة في الأمم المتحدة لنص اتفاقية جديدة حول تغيّر المناخ لمرحلة ما بعد عام 2012 والتي سوف تكون بديلة عن معاهدة كيوتو.
ويشارك في هذه الورشة التي تمتد ليومين في مبنى «وست هول» في الجامعة الأميركية حوالى 85 ممثلاً عن وزارات البيئة في العالم العربي والمؤسسات الأكاديمية وخبراء. ويضاف إلى هؤلاء ممثلون عن 24 منظمة غير حكومية اجتمعوا في إطار «التحالف العربي حول تغيّر المناخ»، الذي أعلن انطلاقه في عدة دول عربية في شهر آب الماضي.
ولقد سبق ورشة العمل اجتماع تحضيري أمس لهذا «التحالف» بهدف مناقشة مسوّدة الموقف الموحّد الذي سيعرض في الورشة اليوم، إضافة إلى مناقشة آلية التشبيك وتوسيع قاعدة المشاركين في «التحالف» الذي يعاني من مشكلة عدم وجوده في الدول العربية المنتجة والمصدّرة للطاقة النفطية المسببة الرئيسية للتغيّر المناخي.

«الأخبار» التقت عدداً من المشاركين وحصلت على مسودة «ورقة الموقف» التي ستطرح للنقاش وتبنّي المشاركين في الورشة لها. ومن شأن تبنّي هذه الورقة تحويلها إلى ورقة مرجعية تقدّم بصورة موحّدة من قبل هذه المنظمات في مختلف الاجتماعات المعنية بمناقشة المعاهدة الجديدة حول تغير المناخ. ومن أبرزها، القمة العربية الاقتصادية الاستثنائية التي ستُعقد في الكويت مطلع العام المقبل، إضافة إلى محادثات الأمم المتحدة التي ستعقد في «بوزنان» في «بولندا» والتي تمهد للاجتماع الرئيسي الذي سيعقد في كوبنهاغن في أواخر عام 2009 والذي سيتم خلاله تبني المعاهدة الجديدة.

المدير التنفيذي في «اندي ــ أكت» والمتحدث بالنيابة عن التحالف العربي حول تغيّر المناخ وائل حميدان، أشار إلى أن «التحالف نجح في توحيد الموقف المدني العربي في موضوع المفاوضات التي تجرى حالياً في الأمم المتحدة بشأن معاهدة جديدة شاملة لمكافحة التغيّر المناخي. وعلى أمل أن ننجح في توحيد الموقف الرسمي العربي». ويشير حميدان إلى أن «التحالف، الذي يتابع عن كثب المفاوضات ويحث الدول العربية لدعم نظام ما بعد 2012، يتضمن أهدافاً واضحة، طويلة وقصيرة الأمد، إذ إن الطريقة الوحيدة لتحقيق الاستقرار المناخي هي في التوصل إلى سقف رسمي لانبعاث الغازات الدفيئة».

بدورها، قالت كاثرين واتس التي تمثل التحالف الدولي حول تغيّر المناخ: «المنطقة العربية مهمة للغرب وللعالم أجمع، ليس فقط لأنها أكثر منطقة منتجة للنفط، بل لأنها إحدى أغنى مناطق العالم بما تمتلكه من مصادر طاقة متجددة، ما يجعل دورها أساسياً في الحد من المشكلة. فلو تم استغلال واحد في المئة فقط من الصحراء العربية لإنتاج الطاقة الشمسية من خلال استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة، يمكن تزويد العالم كله بالطاقة الكهربائية المتجددة والنظيفة. ولقد أدرك الاتحاد الأوروبي أهمية هذه التكنولوجيا حتى بات يدرس إمكان إنشائها في شمال أفريقيا، ومن ثم نقل الطاقة إلى أوروبا».

ويضم التحالف العالمي 400 منظمة غير حكومية في مختلف دول العالم، وهو يشارك بفاعلية في مختلف المحادثات التي تجريها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ولا سيما الاتحاد الأوروبي.
ويهدف «التحالف العربي حول تغير المناخ» إلى تأمين توافق والتزام عربي للعمل الجدي والإيجابي للتوصل إلى اتفاقية جديدة حول تغيّر المناخ. ومن المطالب التي يتبنّاها أن تتضمن الاتفاقية الجديدة هدف خفض نسبة الغازات الدفيئة بنسبة 60 إلى 80%، من أجل الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويّتين، مع تحقيق ذروة انبعاثات الغازات الدفيئة في محيط عام 2015.

نور الدين أحمد عبد الله من السودان أشار إلى أن بلده من أكثر الدول تعرضاً لتغير المناخ الذي يؤثر على الأنظمة الرعوية والزراعية التي يعتاش منها 80% من السكان. ولقد التزمت الحكومة السودانية بتعزيز الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغير المناخي عبر تحديد الأولويات المطلوبة في مختلف الأقاليم السودانية، وخصوصاً أن ارتفاع درجات الحرارة سيسبب المزيد من انتشار البعوض، وبالتالي الملاريا.

الجزائري محمد بن دادا، الذي يشارك في الورشة ممثلاً «جمعية أصدقاء السورة»، وهي منطقة تقع جنوب الجزائر وتمتاز بكثرة الواحات، أشار إلى أن «الجزائر لديها موقف يشبه مواقف معظم الدول الأفريقية، لأن جميع دول القارة تعيش خطر تغير المناخ». وطالب بن دادا «بضرورة إيجاد آليات مالية لمكافحة التغير المناخي، منوّهاً بخطوة الحكومة الجزائرية بتخصيص 500 مليون يورو لحماية المدن من الفيضانات التي قد تنجم عن التغيرات المناخية». ولقد اتخذ هذا القرار إثر الفيضانات التي اجتاحت مدينة غرداية في مطلع الشهر الجاري وأدت إلى مصرع 43 قتيلاً وإصابة 86 شخصاً وفقدان أربعة أشخاص.
بدوره، طالب وجدي عبد الفتاح سواحل من الشبكة الإسلامية للتنمية العالمية رأى أن الورشة تهدف إلى توجيه رسالة قوية إلى العالم العربي بضرورة تبنّي تكنولوجيات الطاقة المتجددة، والتي من المستحيل أن تنافس في الأسواق إذا لم تزل الإعانات العلنية أو الخفيّة لصناعة الطاقة المرتكزة على النفط.

منقذ مهيار من الأردن، الذي يرأس منظمة أصدقاء الأرض، نوّه بالموقف العربي الموحد على مستوى منظمات المجتمع المدني، آملاً أن ينسحب هذا على الموقف الرسمي العربي. وأشار مهيار إلى أن «المجتمع الأردني بات يدرك خطورة الموقف، حيث يدفع نحو 25% من دخله على استهلاك الطاقة، وخصوصاً بعدما توقف تدفق النفط العراقي إلى الأردن بأسعار تفاضلية».
بدوره، أوضح حلمي سالم، الذي جاء من فلسطين بصفة مستقلّة، أن موضوع التغير المناخي لا يشكل أولوية بالنسبة إلى المواطن الفلسطيني لأنه مثقل بالنتائج المباشرة للاحتلال، من جدار العزل إلى حواجز التفتيش، وبالتالي فإن نقاش التغيّر المناخي محصور بالمختصين وغير مطروح على مستوى الحكومة إلا في إطار البرامج المموّلة من الجهات الدولية».
________________________________________

آخر دراسة مناخية
توقعت دراسة لسيناريوهات غير مألوفة للتغيّر المناخي، نشرت نتائجها أمس، انتقال اللاجئين إلى القارة القطبية الجنوبية المتجمّدة بحلول عام 2030 وأن تجرى الدورة الأولمبية الشتوية على شبكة الإنترنت فقط. وقال «منتدى المستقبل» وهو جهة بحثية تتخذ من بريطانيا مقراً لها إنه يسعى لإثارة نقاش بشأن كيفية تفادي أسوأ ما يمكن أن ينجم عن تغير المناخ عبر مجموعة غير مألوفة من التصورات المحتملة للمستقبل.
وأشارت الدراسة إلى أن «التغير المناخي سيؤثر في الاقتصاد بدرجة لا تقل عن أثر أزمة القروض». ومن بين هذه السيناريوهات التحول إلى أساليب أكثر ترشيداً لاستخدام الطاقة تكتسي معها الصحراء الكبرى باللون الأخضر بفعل محطات إزالة ملوحة مياه البحر التي تعمل بالطاقة الشمسية.

وقال بيتر مادين رئيس المنتدى إن «مؤرخي المستقبل ربما ينظرون إلى حقبتنا هذه باعتبارها (سنوات تغيّر المناخ). وقتها إما أن ينظروا إلى جيلنا كأبطال وإما أن يرونا بعين تملأها الحيرة والاشمئزاز بالقدر الذى ننظر فيه نحن إلى هؤلاء الذين سمحوا بالرّقّ في الماضي».