مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة
PrintEmail This Page
قرار مجلس الأمن 1559: قراءة تقييمية"
07 تشرين الثاني 2008
نظم "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية" ندوة تحت عنوان "قرار مجلس الأمن 1559: قراءة تقييمية" شارك فيها مدير مركز كارنيغي للسلام الدولي في بيروت الدكتور بول سالم والصحافي في جريدة "النهار" أمين قمورية بحضور النائب وليد خوري وحشد من الأكاديميين والإعلاميين والمهتمين بالشأن العام.

بداية كانت كلمة ترحيبية للمدير العام للمركز السفير عبد الله بو حبيب طرح فيها أسئلةً عن مصير القرار 1559 في ظل التراجع الأميركي في الشرق الأوسط وحصول تعديلات على السياسة الفرنسية مع الرئيس نيكولا ساركوزي، وعن خلو القرار من أي آلية داخلية تحمي لبنان من عبء ديناميكيات النزاع الخارجية. وذكَّر بو حبيب بكلمة نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس أمام الجمعية العامة للامم المتحدة في 22 أيلول 2004 بعيد صدور القرار والذي لفت فيها نظر الهيئة الدولية إلى استمرار الإحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وضرورة الإنسحاب منها، مطالباً أيضاً بوقف الإنتهاكات الإسرائيلية اليومية لأجواء لبنان وفقاً للقرار الدولي الذي يدعو إلى احترام سيادة الدولة اللبنانية.

ثم كانت كلمة لمستشار المركز الدكتور رغيد الصلح رأى فيها أن العالم يقف اليوم أمام تغيير كبير وعد به الرئيس الأميركي الجديد قد يعيد الولايات المتحدة إلى البراغماتية والتعددية اللتين طبعتا السياسة الأميركية حتى يوم وصول جورج بوش الإبن إلى البيت الابيض. وقال الصلح إن إدارة بوش بدت وكأنها الرافعة الدولية للمصالح والتطلعات اللبنانية السيادية وظهر القرار 1559 عند صدوره كأنه ترجمة أمينة لموقف الإدارة الأميركية تجاه لبنان، لكنه لفت إلى أن هذا التفسير قابله تفسير آخر بأن هدف القرار 1559 كان التأثير على المنطقة برمتها وخاصة على مسرح الصراع العراقي، فالهدف ليس الدفاع عن الديموقراطية اللبنانية بمقدار ما كان الضغط على بعض الأطراف الإقليمية لكي تنضبط مع المشاريع الأميركية في المنطقة.

ثم تحدث الدكتور بول سالم فرأى أن القرار 1559 قد يكون أضعف القرارات الدولية في شأن لبنان لجهة أنه لم يرتبط بنشر جيوش كما في القرار 1701 الذي أنشأ منطقة أمنية ويطال تأثيره إسرائيل وسوريا وحزب الله، مشيراً إلى أن مجلس الأمن تحرك في اتجاه لبنان في مرحلة كانت فيها العلاقات الأميركية الروسية جيدة في حين أن المجلس مشلول حالياً ويمر في فترة انتقالية في انتظار أن تبادر إدارة باراك أوباما إلى إصلاح العلاقات الأميركية الروسية.

ولفت سالم إلى أن الإنسحاب السوري في العام 2005 كان انسحاباً كاملاً وسريعاً مع العلم أنه لم يكن مطروحاً في هذا الشكل، وذلك لانه كان تعبيراً عن اغتنام القيادة السورية فرصة لتفادي الضغط الإضافي، وبالتالي فإن الإنسحاب كانت له ظروف داخلية تتصل بضبط الوضع السوري الداخلي. وأكد أن التوجه السوري اليوم ليس في اتجاه لبنان بل في اتجاهات أخرى.
واعتبر ان من نتائج القرار 1559 حرب تموز 2006 بعد رفع الغطاء السوري، وذلك لخلق حالة جديدة في لبنان والقضاء على حزب الله ما أدخلنا في الحالة الوسيطة التي نعيشها اليوم منذ أحداث آيار 2008 واتفاق الدوحة الذي تلاها ونظَّم الوضع المتناقض بين الدولة والمقاومة في مساكنة انتقالية.

وأشار سالم إلى أن السؤال الاساسي يتعلق بالمفاوضات السورية الإسرائيلية، وإلى أن دمشق في حاجة أكثر مما مضى إلى معاهدة سلام مع إسرائيل، مؤكداً أن السلام السوري الإسرائيلي هو المخرج الوحيد للبنان وإلا سيبقى البلد ساحة للصراع بالواسطة، لافتاً إلى أن رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ التسعينات كانوا جديين بالتفاوض مع السوريين باستثناء شارون، لكن معظم الرأي العام الإسرائيلي لا يريد عودة الجولان إلى سوريا.

وقال إن سير المفاوضات السورية الإسرائيلية ليس مرتبطاً بالرعاية الأميركية لكن من دون هذه الرعاية لا يمكن التوصل إلى معاهدة. مؤكداً على أهمية الرعاية الأميركية.
كذلك أشار إلى أن واشنطن لم تعد تقبل برعاية سورية للبنان في حين لا مشكلة لإسرائيل في هذا الأمر.
ورأى سالم أن سوريا قد لا تصر على تلازم المسارين لانها في هذه الحال قادرة على ابرام المعاهدة مع إسرائيل من دون كلفة، أما في حال دخول لبنان على خط تلازم المسارين فقد تصبح الكلفة اكبر بسبب ملف حزب الله الذي ستضطر إلى معالجته.

وشدد سالم على أن الملف الأساس في الشرق الأوسط سيبقى البرنامج النووي الإيراني وانه صفارة إنذار في الولايات المتحدة وأوروبا وإلى حد ما في روسيا والصين، معرباً عن اعتقاده أن مقاربة أوباما للموضوع الإيراني سترتكز على معالجة الأمور السلبية لنزع فتيل التشنج مع إيران. واضاف أنَّ إدارة أوباما تدرك أن فتح مفاوضات مع إيران يجب ان تترافق مع سلة ضغوط ديبلوماسية، وأن الولايات المتحدة في حاجة إلى التعاون الروسي. واعتبر ان إدارة أوباما لن تتردد في التعاون مع إيران في الخليج والعراق لكن التسلح النووي الإيراني سيبقى خطاً أحمر. أما في حال فاجأت ايران العالم بإعلانها عن امتلاك السلاح النووي فإن العالم سيتأقلم بمعنى عدم شن حرب على طهران لكن سيتم اللجوء الى عقوبات قوية جداً.

من جهته رأى الأستاذ أمين قمورية أن عناوين القرار 1559 جذابة واستفاد منها لبنان إذ ينعم بالحرية التي حُرم منها منذ 30 سنة بعدما خرجت إسرائيل وانتهت الوصاية السورية. لكنه أشارَ إلى أن البنود غير المتعلقة بانسحاب الجيوش الأجنبية يشكلُ كلُّ واحد منها عنواناً لخلاف لبناني لبناني وكادت تأخذُنا إلى حرب أهلية أما مصلحة لبنان فكانت غائبة. واعتبر أن الهدف الأساسي من القرار استهداف دور سوريا الإقليمي والعلاقة بين لبنان وسوريا وما سمي بوحدة المسارين في المفاوضات، مذكراً بتسليم الغرب بالوصاية السورية عندما تقاطعت مصالحه معها في بداية التسعينات، ثم عندما حصل التصادم عمل على أن يصبح لبنان الخاصرة الرخوة لضرب سوريا.
وقال قمورية إنَّ سوريا خرجت من الباب لكي تعود وتدخل من النافذة شاءَ القرار 1559 أم أبى بعد الإخفاق الأميركي وانتصار الجغرافيا على السياسة. وهناك تركيز غربي اليوم في اتجاه سوريا والتأكيد على ذلك حضور سوريا في السياسات الدولية وتقرير بايكر – هاميلتون وانفتاح باريس على دمشق، محذراً من أن الخوف اليوم أن يأتي تحسن العلاقات السورية الغربية على حساب لبنان.

وشدد على أن كل ما حصل بعد الإنسحاب السوري كان ينصب على فك المسارين السوري واللبناني وعلى أن القرار 1559 كان البداية لفك المسارين وكانت نهايته في حرب تموز التي قلبت المعادلات وأظهرت أنَّ نزعَ سلاح حزب الله بالقوة غير ممكن. واعتبر أن سوريا استفادت من حرب تموز ووظفتها وحولتها إلى نوع من الانتصار كما حصل في العام 73 مع مصر ما نقل سوريا من الدفاع الى الهجوم. ولفت إلى أن العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسوريا ضرورية غير أن الهدف منها كان تثبيت خطوط الفصل السياسي بين الديبلوماسيتين اللبنانية والسورية وإلى أن ترسيم مزارع شبعا يعني انتزاع آخر ورقة سورية في المفاوضات مع إسرائيل.

وقال إن ذروة التطورات كان فيما وصفه ب"انقلاب" 7 أيار ومفاعيله لن تظهر اليوم بعدما شكل قمة الإنقسام اللبناني حول الملفات الخلافية، متوقعاً أن نشهد انتخابات سياسية بكل ما للكلمة من معنى الربيع المقبل على أن يكون عنوانها غير المرئي العلاقات مع سوريا وما إذا كانت ستؤمن لنفسها غالبية مطلقة أم لا.

ورأى قمورية أنَّ الأسئلة المطروحة هي ما إذا كانت سوريا ستذهب إلى المفاوضات مع اسرائيل بمفردها وكيف يذهب لبنان من موقع الند وليس من موقع الضعيف وما إذا كانت وحدة المسارين تبقي لبنان ساحة مفتوحة للصراع وما الأثمان التي ستترتب على ذلك. وأضاف: كل التجارب التي حصلت في المفاوضات الإسرائيلية مع مصر والاردن اظهرت ان الأفضل أن نذهب مع بعضنا سوياً ولكن مع الحفاظ على المصلحة الوطنية اللبنانية. وأشار إلى أن في تطورات العام 2005 استعدنا نظريا السيادة لكن هناك عطب حقيقي فيما يسمى الدولة، معرباً عن اعتقاده أنه عندما يشعر حزب الله انه شريك حقيقي في القرار يصبح موضوع السلاح خلفه.