مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة
PrintEmail This Page
ندوة عن "السياسة الأميركية وإدارة باراك أوباما"
20 كانون الثاني 2009
نظم "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية" ندوة عن "السياسة الأميركية وإدارة باراك أوباما" شارك فيها مدير مركز كارنيغي في الشرق الأوسط الدكتور بول سالم والباحث في مركز كارنيغي الدكتور عمرو حمزاوي ومدير مركز عصام فارس السفير عبد الله بو حبيب وحضرها النائب وليد خوري ورئيس جمعية الصناعيين فادي عبود ورئيس الرابطة السريانية حبيب افرام والمستشار السياسي في السفارة الأميركية فادي حافظ وعدد من الخبراء والأكاديميين والإعلاميين والمهتمين.

بداية كانت كلمة ترحيبية من المستشار في المركز الدكتور رغيد الصلح الذي رأى أن بمقدار ما كان سهلا على باراك اوباما ان يطرح نفسه كبديل عن جورج بوش وكنقيض له، بهذا المقدار فانه من الصعب عليه ان يكون خليفة له ولن يكون سهلاً على اوباما ان يفكك الارث البوشي الذي عقد علاقات الولايات المتحدة بالعديد من الدول.

ثم تحدث الدكتور بول سالم الذي أكد ان أوباما ليس لديه تصور متطور لقضايا الشرق الأوسط ولم يطرح في حملته أفكاراً ثورية في هذا الشأن، مع العلم أن هناك كلاماً عن عزمه إلقاء خطاب مهمٍ في عاصمة بلد مسلم لم يحدد بعد وقد يكون على الارجح إندونيسيا. ولفت إلى وجود اختلافٍ كبير بين إدارة باراك أوباما والمحافظين الجدد في عهد جورج بوش. فمقاربة أوباما للقضايا السياسية والخارجية واقعية وتستند إلى فهم متعدد الطرف وتعاوني وتفضل الديبلوماسية والتفاوض والإنفتاح على الأخصام والبحث عن مخارج سياسية للأزمات، في حين أن مقاربة بوش كانت أحادية وتعتمد على الحرب والقوة وعزل الأخصام ومواجهتهم عسكرياً. وذكَّر سالم بأن مقاربة الوضع في الشرق الأوسط في أوج عهد بوش كانت تهدف إلى الإنتصار في العراق ومن ثم قلب النظام في سوريا وإيران وجعل الشرق الأوسط واحة أميركية عبر الإنقلابات أو الإنتخابات على مثال ما جرى في أوروبا الشرقية لتمكين صعود نخب تركز على الأعمال والمصالح الإقتصادية. غير أن هذا المشروع الأميركي انتهى في العام 2006 وفي تأزم الوضع في العراق.

وأشار إلى ان اوباما سيواجه تركة ثقيلة من عهد جورج بوش على جبهات عدة أبرزها الحروب في العراق وأفغانستان والوضع في باكستان والملف النووي الإيراني والصراع العربي الإسرائيلي والحرب على الإرهاب.

ففي العراق سيتابع أوباما النهج المتبع من قبل إدارة بوش والمشابه لطروحات الرئيس الجديد قبل سنة ونصف، وفي ملف أفغانستان لا أفكار جديدة لكن هناك اتجاه إلى تكثيف الوجود العسكري والإستفادة من التجربة العراقية لجهة استقطاب المنظمات المسلحة ودور الجيش الأميركي في التنمية.

أما في باكستان فرأى سالم أن الأزمة هي الأخطر لكن أوباما لا يمتلك مقاربة مختلفة جذرياً عن مقاربة بوش التي استندت إلى الإستهداف العسكري حين تدعو الحاجة ودعم الحكومة الباكستانية. ولفت إلى أن نائب الرئيس جوزف بايدن لديه خبرة في الملف الباكستاني وقد يكون سباقاً في طرح الحلول ومن بينها تحسين العلاقات الهندية الباكستانية.
وفي ملف السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لفت سالم إلى إن معظم أعضاء فريق عمل أوباما هم من أركان إدارة كلينتون ومن الأميركيين اليهود المختصين في عملية السلام كدنيس روس ومارتن إنديك وغيرهما... وقال إن السلام الفلسطيني الإسرائيلي يتوقف على مستقبل السلطة الفلسطينية والإنتخابات التي ستجري ومن يتكلم باسم الشعب الفلسطيني.

من جهة أخرى سينتقل أوباما في تعاطيه مع إيران وسوريا من سياسة العزل إلى الإنفتاح ومحاولة إيجاد حلٍ وسط. ففي العلاقة مع إيران ربما سيعتمد سياسة إيجابية تقوم على الإعتراف بدور إيران في العراق في مقابل وقف التسلح النووي، وهذا الأمر متعلق بنتيجة الإنتخابات الإيرانية المقبلة. وفي المقابل سيحاول لملمة بعض الأوراق منها العسكرية كالإبقاء على وجود الأسطول الأميركي في الخليج وعدم التراجع عن التهويل لكنه يحتاج إلى عقد صفقة مع روسيا والتفاوض معها حول مسائل توسيع الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية وتمدد الحلف الأطلسي، إذا أراد الضغط الفعلي على طهران. وسيكون دنيس روس المسؤول عن الملف الإيراني. وأشار سالم إلى أن الخطاب الأميركي تجاه إيران يساعد على عزل المتشددين، وإلى أن واشنطن في حاجة إلى تعاون إيراني حول مستقبل العراق، مع العلم أن هناك تعاوناً ضمنياً حالياً في الأمن البحري الإقليمي. وشدد على أن إيران لن تتخلى عن برنامجها النووي وقمة ما يمكن التوصل إليه هو تعليق برنامج التخصيب، لافتاً إلى تدني إنتاج النفط في إيران ما يعني أنها مقبلة على مشاكل اقتصادية وهي جدية في التفاوض مع الأميركيين. والمتخوف من صعود نفوذها بالدرجة الأولى هم السعودية ودول الخليج وليس إسرائيل.

وعن التعاطي مع سوريا لفت سالم إلى انه في حال أراد رئيس الحكومة الإسرائيلية المقبل مواصلة المفاوضات السورية الإسرائيلية فإن الإدارة الجديدة ستكون إيجابية لجهة رعاية مثل هذا الحوار. وقد أثَّرت حرب غزة على المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب لكن ليس في شكلٍ استراتيجي.

واعتبر ان هناك ترابطاً بين المسار السوري الإسرائيلي والعلاقة الإيرانية الأميركية، وتطمح إسرائيل إلى أن تلعب سوريا دوراً في لبنان أما الولايات المتحدة فنظرتها مختلفة.
وختم سالم بطرح أسئلة عما إذا كان أوباما سيستعمل هويته بما يرمز إليه من مقاربة مختلفة للقضايا المختلفة وتمثيله للمجموعات المهمشة وما إذا كان سيظهر كشخص مختلف في التعاطي بملف الشرق الأوسط أم أننا أمام عودة إلى "الكلينتونيات".

الدكتور عمرو حمزاوي اعتبر أن سياسة أوباما ستشهد نشاطاً وحركة ديبلوماسية لكن من دون أي تغيير جذري في المقاربات ولن تشكل انقلاباً، فهو ابن المؤسسة السياسية الحاكمة وفريق عمله من "الكلينتونيين" فضلاً عن ان تعدد المؤسسات كوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والكونغرس واجهزة الإستخبارات يمنع الرئيس من القيام بتغيير كبير.
واشار إلى أن اي إدارة جديدة في حاجة إلى التحدث عن تغيير في الولايات المتحدة بعدما ارتفعت كلفة السياسة الخارجية إلى حد غير مقبول.

ال إنه لا يوجد توافق أميركي على محاور السياسة الخارجية بعدما باتت حرب افغانستان تفتقد إلى القبول الشعبي، وبالتالي فإننا أمام عناوين رئيسية ومعهودة فحسب كالواقعية والمزج بين القوة والديبلوماسية للدفاع عن المصالح الأميركية واعتماد مقاربة متعددة الطرف.
وفي قضايا الشرق الأوسط المطروحة كالإرهاب والقضية الفلسطينية والعراق وإيران وأمن الخليج ونشر الديموقراطية، رأى حمزاوي أن أوباما سيستمر في نهج الحرب الإستباقية ومن تجلياتها الميدانية استمرار استهداف المنطقة القبلية بين افغانستان وباكستان، وهذا النهج يقوم على عدم احترام سيادة الدولة القومية الذي أصبح من المسلمات. لكنه لاحظ إمكانية الإتجاه إلى حصر مساحات استهدف الإرهاب في ساحتين بعدما حولت إدارة بوش المواجهة إلى حرب عالمية لا حدود لها: الأولى أفغانستان وباكستان والثانية تشمل منطقة القرن الإفريقي واليمن
.
وعن القضية الفلسطينية اعتبر حمزاوي أنَّ الإدارة الجديدة لن تهتم بالمفاوضات بصورة مغايرة لما عهدناه من انحياز بنيوي لإسرائيل، لكن سيحصل اهتمام بالمفاوضات من دون إنجازات فعلية وبخاصة بعد صعود أصوات أكاديمية تعتبر أن حل الدولتين مستحيل بسبب الوضع الجغرافي المستجد. وأضاف أن هذه الإدارة لم تعد تملك من الوقت ما يكفي لتجاهل القضية الفلسطينية التي كانت في قاع الاولويات، لكن الحرب على غزة

تفرض الإهتمام بها بعدما شغلت الرأي العام العالمي. وأشار إلى أن الصعوبات على المسار الفلسطيني قد تدفع إلى تحقيق إنجازات جزئية على المسار السوري.
وعن العراق أكد حمزاوي ان اوباما سيستمر في اتباع نهج بوش لجهة الإنسحاب السريع وتطبيق الإتفاقية الأمنية، لكن ما ليس محسوماً هو الوجود العسكري.
أما لجهة العلاقة مع إيران فهناك انفتاح تفاوضي على أمل تحسين مواقع الإصلاحيين على حساب المتشددين، لكن الملف النووي يبقى خطاً أحمر، فأوباما أكد أكثر من مرة أن في حال عدم نجاح المفاوضات فسيتم اللجوء إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات. واعتبر أن الحديث الرسمي الإيراني عن عدم حصول تداعيات من العقوبات مغلوط.

وفي ملف حقوق الإنسان ونشر الديموقراطية أكد حمزاوي أن أوباما لن يتجاهل هذا الملف لأن اهتمام الحزب الديموقراطي به أصيل منذ عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر. واشار إلى أن إدارة بوش لم تفعل شيئاً في ملفي حقوق الإنسان ونشر الديموقراطية على الرغم من أنها رفعت لواءهما. وطرح حمزاوي إشكاليات عدة تتعلق بحلفاء الولايات المتحدة الأوتوقراطيين الذين ستضطر لمواجهتهم في حال إصرارها على تطوير الديموقراطية، إضافةً إلى مسألة الصديق والخصم المحتملين، إذ أن الإنتخابات في بعض الدول في الشرق الأوسط أتت دائماً بأعداء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كذلك هناك مسألة الربط بين المستويات الزمنية إذ أن الديموقراطية تحتاج إلى وقت طويل ورعاية لتترسخ، وهي من منظور المصالح غير منتجة، وذكَّر بأمثلة بعض الدول التي انتقلت إلى الديموقراطية في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية واليابان وغيرها...

الدكتور عبد الله بو حبيب رأى من جهته أن تداعيات الحرب على غزة والقمم أو اللقاءات العربية لا تشكل أولويات بالنسبة للرئيس الجديد باراك أوباما، بسبب ظاهرة أوباما كأول رئيس أسود للولايات المتحدة وما أثاره من حماس وتأييد لدى الشباب والمجموعات العرقية المختلفة وبسبب الأزمة الإقتصادية العالمية التي تعتبر أسوأ من الضربة الإقتصادية الأميركية الكبرى عام 1929. إضافةً إلى الإهتمام بأولويات العراق وإيران وإسرائيل والسلطة الفلسطينية. واشار إلى أن التراجع في وضعية إسرائيل في الاولويات الأميركية يعود إلى عدم قدرة الدول العربية المجاورة لها على تهديدها وقدرتها على مواجهة أي تهديدات تتعرض لها. كما ان ذلك يناقض تفكير العرب والإسرائيليين أنَّ الصراع بينهم هو أهم قضية في العالم، في حين أنه ليس كذلك في واشنطن.

وأكد بو حبيب أن السياسة الخارجية ستكون في عهدة وزارة الخارجية وفي أيدي وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي حظيت بمكانة تفوق مكانة الذين رشحوا لهذا المنصب، وهذا ما يشكل مؤشراً واضحاً إلى أولويات أوباما. فالرئيس الجديد يمنح هيلاري مكانة تتفوق على تلك التي حصل عليها جيمس بايكر في عهد جورج بوش الأب، أما في المواقع المنافسة لوزارة الخارجية أي مجلس الامن القومي ووزارة الدفاع، فإن مستشار الأمن القومي جيمس جونز ليس قريباً إلى أوباما كما كانت رايس مثلاً بالنسبة إلى بوش وهنري كسينجر إلى ريتشارد نيكسون. وهذه الحالة تنطبق أيضاً على وزير الدفاع روبرت غيتس الجمهوري في نهاية الأمر والذي من المرجح أن يبقى لفترة قصيرة.

وعن المبعوثين الخاصين لأوباما لفت بو حبيب إلى ان أبرزهما ريتشارد هولبروك ودنيس روس كمبعوث للسلام في الشرق الأوسط. وقال إن أولوية روس ليست عملية السلام في الشرق الأوسط بل إيران، في الوقت الذي شارفت فيه الأزمة في العراق على نهايتها. وسيحاول روس إقناع هيلاري بأن الوقت لم يحن لمعالجة ملف السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن في حال وجود فرصة جدية فإنه لن يتردد في تولي الملف. واعتبر أن الإسرائيليين يهتمون بانتخاباتهم وتشكيل حكومة جديدة وقد يستغرق ذلك أشهراً، كذلك سيسعى الفلسطينيون إلى المصالحة الوطنية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وتشكيل حكومة.


وعن إيران قال بو حبيب إن السؤال هو حول توقيت بدء المحادثات معها وما إذا كانت ستتم قبل الإنتخابات الرئاسية في حزيران أم بعدها، ورجح أن تعمد الولايات المتحدة إلى جس النبض قبل الإنتخابات الرئاسية ومن ثم تباشر حواراً جدياً بعد انتخاب الرئيس الإيراني الجديد.
أما عن ملفي سوريا ولبنان، فكشف بو حبيب إلى أن دنيس روس كان أفضل صديق لوزير الخارجية السورية وليد المعلم في واشنطن، وذكر ان روس تحدث في حفلة وداعية أقامها على شرف المعلم عندما ترك واشنطن عام 1999، عن كيفية مروره الدائم بسيارته إلى جادة وايومينغ، اي مقر السفارة السورية- ليسمع نصائح المعلم وأفكاره. وأشار إلى أنَّ روس سيسعى إلى إبعاد سوريا عن إيران، وإذا رأى أن المفاوضات السورية الإسرائيلية ستسفر عن نتيجة إيجابية، فإنه لن يتردد في متابعتها للوصول إلى النهاية المنشودة.

وفي الشأن اللبناني أكد بو حبيب أن من الطبيعي ألا تحذو الإدارة الأميركي حذو إدارة جورج بوش الأب في طريقة تعاملها مع لبنان في العام 1990، لكن أهمية لبنان ستتراجع ولن يكون في أولويات أوباما أو كلينتون. وأبدى شكوكاً في أن تكون المحكمة الدولية والإنتخابات المقبلة أولويتان لإدارة أوباما، إلا إذا شكل لبنان تهديداً للأمن الإقليمي كما حصل في حرب تموز في العام 2006. وختم بالقول إن لبنان واللبنانيين بارعون في إذهال من يهتم لأمرهم وربما استطاعوا اجتذاب الأميركيين مرةً أخرى إلى لبنان.