مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة
PrintEmail This Page
"حرب غزة"
29 كانون الثاني 2009
نظَّم مركز "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية" ندوة عن "حرب غزة" بمشاركة سكرتير تحرير مجلة "الدراسات الفلسطينية" صقر أبو فخر ورئيس مجلس إدارة صحيفة "الأخبار" ابراهيم الامين وحضور النائب بيار دكاش وعدد من الأكاديميين والصحافيين والمهتمين بالشأن العام.
بداية تحدث مدير المركز السفير عبد الله بوحبيب فرأى أن حرب غزة تركت تداعيات عميقة على العالم العربي الممزق بين المحاور المتنازعة وعلى الفلسطينيين، وبدل أن تكون القضية الفلسطينية وصور الدمار والضحايا دافعاً لاتخاذ موقف عربي موحد كرست حرب غزة الإنقسام العربي. ولفت إلى أن الرؤية الفلسطينية إزاء إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية لم تتبلور بعد، وما يزال الحوار الفلسطيني معلقاً.

ثم تحدث الأستاذ صقر أبو فخر فاعتبر أن الكلام عن انتصار حماس مبالغة ومجرد لغة تعبوية لا تفيد التأمل النقدي، وأن نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة هي فوز بالنقاط السالبة للطرفين وفشل لكليهما إلى حد ما، فما فشلت فيه إسرائيل أُضيف إلى رصيد حماس كنصر وما فشلت فيه حماس كان أحد عناصر النجاح الإسرائيلي. وأشار إلى أن حماس فشلت عسكرياً وهذا ليس معيباً لكنها نالت انتصاراً شعبياً لا يمكن تقدير مداه. وأضاف ان من المشكوك فيه كثيراً أن تتمكن حماس من تحويل هذا النصر الشعبي إلى نصر سياسي، لذا فإن أي تغيير في الستاتيكو الراهن سيجري بإرادة فلسطينية.

واكد أن الفلسطينيين فقدوا الفرصة التي تتيح لهم تطوير شكل جديد من الوحدة الوطنية اي تطوير نظام سياسي يستوعب التعددية السياسية ويدير المقاومة والتفاوض والحياة اليومية معاً، والسبب في خسارة هذه الفرصة الإحتلال الإسرائيلي الذي حطم كل اشكال الكيانية الفلسطينية. وميّز بين السلطة وفتح على رغم التداخل بينهما، وإذ أكد ان هناك تياراً في السلطة لا يؤيد القتال ضد إسرائيل كأبو مازن وسلام فياض لفت إلى أن التيار الرئيسي في فتح يتمسك بعدم إلقاء السلاح، داعياً إلى المراهنة على تيار القتال بالتوازي مع التفاوض.

وتوقع أبو فخر أن تتجه الأمور إلى ترسيخ الطابع اليهودي الديني لإسرائيل وإلى تأسيس إمارة اسلامية في غزة، ورأى أن الإسلام سيصبح على أيدي حماس اداةً للحكم وتتحول تالياً من منظمة مقاومة إلى حزب في السلطة وسيتحول الفلسطينيون إلى العيش في كيانين بائسين: "الاول سعيد في حصاره والثاني تعيس في حصاره". وشدَّد على أن حديث رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل عن السعي لخلق مرجعية فلسطينية جديدة تحل محل منظمة التحرير الفلسطينية خطير جداً وقد يؤدي إلى الإنشطار. واعتبر أن أدبيات حماس تغيرت من اعتبار فلسطين أرض وقف إسلامي إلى القبول بدولة فلسطينية على أراضي 67 مع هدنة طويلة الأمد تشبه الإعتراف بإسرائيل. وذكَّر بأدبيات الشيخ عبد الله عزام الذي كان يرفض مقاومة إسرائيل إن أتت على ايدي المنظمات الفلسطينية القومية والماركسية ويرفض كذلك مركزية القضية الفلسطينية، مشدداً على أن الخطاب الإسلامي لا يمكن أن يكون طريقاً إلى النصر.


ورأى أن بعض الدول العربية يريد التخلص من عبء القضية الفلسطينية وأن العلاقة بين بعض الدول ولاسيما الخليجية منها بالقضية الفلسطينية كانت علاقة تبرع.
واعتبر أن اسرائيل لا تكترث للسلطة الفلسطينية وهي سعت ولا تزال لإنهاكها، مشيراً إلى ان تل ابيب يلائمها أن تبقى حماس مسيطرة على غزة ومقيدة وأن تبقى السلطة مسيطرة على الضفة الغربية وضعيفة.

ورجح التوصل إلى تهدئة لأن ثمة اعتقاداً لدى حماس ان اتفاق تهدئة سيمنحها نوعا من الإنفتاح الدولي عليها وسيكافئها بفك الحصار عن غزة وبفتح أبواب القاهرة لها. لكنه لفت إلى ان عودة القتال امر ممكن جداً بعد تأليف الحكومة الإسرائيلية الجديدة لان الحرب لم تنته باتفاق سياسي بل بوقف للنار من جانب واحد، إلا إذا تم رسم ستاتيكو جديد يحقق لإسرائيل ما ورد في نظرية "الجدار الحديدي" لفلاديمير جابوتنسكي والتي يقول فيها إن العرب سيتوقفون عن مهاجمة إسرائيل عتدما يدركون أن الهجمات على إسرائيل مستحيلة كاختراق جدار قاس.
ووصف اتفاق رايس - ليفني حول منع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة بانه اخطر ما انجبته الحرب لأن هذا الإتفاق ثنائي لكن بالتزامات جماعية مما يعني وضع القطاع ومعه سيناء تحت المراقبة الدولية الدائمة التي تشمل السفن.

وقال أبو فخر إن إسرائيل أخفقت في بعض الجوانب ولم تتمكن من إزالة خطر الإستنزاف بالصواريخ واوقفت إطلاق النار قبل أن تتمكن من توفير آلية فاعلة لمنع تهريب السلاح إلى غزة ولم تستعد الجندي المخطوف جلعاد شاليط وفشلت في جر المقاتلين إلى القتال خارج المدن والمخيمات وفي تحديد المخابئ البديلة لقادة حماس والجهاد الإسلامي. أما حماس فقد فشلت ولم تتوقع الضربة الجوية الأولى وكانت صواريخها كالألعاب النارية ولم تنفذ اي عملية انتحارية في العمق الإسرائيلي في حين كانت المواجهات المباشرة والإغارة على اماكن تجمع الجنود محدودة جداً.

أما الأستاذ ابراهيم الأمين فرأى أن الصراع العربي الإسرائيلي يتجه في السنوات المقبلة إلى مواجهات أصعب مما شهدناه وهذا سيؤثر على الدول العربية، لافتاً إلى أن من إحدى نتائج الحرب على غزة إعادة الإعتبار إلى فكرة توحيد المسارات بعدما تبين أن فصلها على قاعدة أنَّ لكل بلد خصوصيته لم يؤد إلى نتيجة.
واعتبر ان المصالحة في قمة الكويت لم تكن إلا تنفيساً للإحتقان، ذلك لان محور الدول العربية المعتدلة ليس قادراً على صياغة استراتيجيات وطنية بشكل مستقل عن استراتيجية الولايات المتحدة حتى على مستوى علاقاته بالخارج.

واشار إلى أن إسرائيل لم تجرؤ في خلال الحرب على وضع أهدافٍ كبيرة من الحرب على غزة وهي كانت معنية باستعادة القدرة التحفيزية على القتال وبإزالة أي تفكير فلسطيني بعد حرب تموز بفعالية المقاومة، لافتاً الى أنَّ من انشغل من العرب بالنقاش بعد حرب تموز حول كلفة المقاومة لم ينتبه إلى الآثار الإستراتيجية على إسرائيل. وقال الأمين إن في الجانب الفلسطيني كما حصل في حرب تموز من لا يرغب باستمرار المقاومة وغير مقتنع بجدواها، وإن عندما تراجعت فتح عن منطق المقاومة في أوسلو بررت ذلك بمجموعة شعارات كالبرنامج المرحلي، معتبراً ان في الشعب الفلسطيني هناك من يرفع راية المقاومة وهناك من أسقطها. ورأى أن الفشل السياسي في نزع سلاح المقاومة الفلسطينية دفع إلى اعتماد الخيار العسكري كما حصل في لبنان، مذكراً بتطويق حماس ومحاصرتها بعد فوزها الديموقراطي في الإنتخابات لمنعها من استثمار نصرها السياسي.


واعتبر الأمين أن الدول العربية الرافضة للمقاومة التي كان يعتريها الخجل في حرب تموز كشفت عن حقيقتها في حرب غزة، ولفت إلى ان من راهن على الحرب الإسرائيلية كان يعرف أن ما سيحصده سيصرفه مع الإدارة الأميركية الجديدة. واتهم دولة عربية بالتورط في مجزرة كلية الشرطة في بدايات الحرب لافتاً إلى ان خطة إخلاء المراكز التي نفذتها حماس كانت ناجحة.

وفي مسألة إسلامية المقاومة الفلسطينية الحالية دعا الأمين إلى التدقيق وأشار إلى تجربة الجهاد الإسلامي مع أمينها العام فتحي الشقاقي الذي اغتيل في العام 1995 والذي شدد على دور الحركة الإسلامية في التصدي للمسألة الوطنية وضغط على تنظيم الإخوان المسلمين في غزة في اتجاه ترتيب الأولويات وتغليب الوطني على الخطاب الإسلامي الأممي. ولفت إلى علاقة حماس المركبة مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فهي هادئة وغير تفاعلية مع الإخوان في مصر في حين أنها على خلاف وقطيعة مع إخوان سوريا وتخوض نقاشاً نقدياً مع الحركة الإسلامية في الأردن، ولديها مشكلة كبرى مع إسلاميي المغرب الذين ذهبوا إلى القتال في افغانستان وباكستان.

واعتبر أن حزب الله وحماس هما نموذجان للمقاومة وليس للحكم ومن هنا أن الخشية من الدخول إلى السلطة ناتجة عن عدم خبرة هذين التنظيمين.