مقابلات
PrintEmail This Page
مجلة "الحوادث"
01 كانون الثاني 1900
1- الوجود السوري وكأنه يتداول في الاستحقاقات الداخلية؟ الى متى برأيكم سيبقى هذا الملف مفتوحاً؟
 
دعني أولاً اؤكد على ما هو من البديهيات بين لبنان وسوريا من روابط التاريخ والجغرافيا والجوار ومن وشائج القربى والصلات العائلية ومن المصالح المشتركة، وكلها امور تستدعي ان يكون بين الدولتين العلاقات المميزة والممتازة، الفضلى والمثلى.
ودعني ثانياً التذكير بأن هذه العلاقات مرت قبل الاستقلال وبعده بمد وجزر وشابها بين فترة زمنية واخرى توتر وشكوك وعرفت احيانا" مراحل من التباين والأختلاف والكثيرون منا يذكرون القطيعة التي حصلت بين البلدين في منتصف الأربعينات يوم كان المغفور له رياض الصلح رئيسا" للحكومة اللبنانية وخالد العضم رئيسا" للحكومة السورية.

هذا دون التبسط بمرحلة ما قبل الأستقلال حيث كان في لبنان فريق ينادي بالوحدة مع سوريا وفريق آخر يحلم بوطن مسيحي الى ان حصلنا على الأستقلال عام 1943 وكان الميثاق الوطني غير المكتوب والذي يُختزل بعبارتين : توقف المسلمين عن النزوع الى الوحدة والأتحاد وتوقف المسحيين عن المطالبة بالحماية الاجنبية وتحديدا" الفرنسية لضمان خصوصيتهم.

وعندما تولى السلطة الرئيس الراحل حافظ الأسد, اخذت العلاقات منحى آخر (ولن ادخل في تفاصيل مجريات الأحداث لأنها طويلة ومتشعبة) كان ابرزها الدخول السوري الى لبنان عام 1976 من اجل وضع حدّ للحالة المأساوية التي كانت سائدة نتيجة الكفاح الفلسطيني المسلح على الارض اللبنانية لمنع التقسيم من جهة وللحؤول دون جعل لبنان وطن بديلا" للفلسطينيين من جهة اخرى.

ثم كان الطائف ووثيقة الوفاق الوطني والأنتخابات الرئاسية والأصلاحات الدستورية وتلا ذلك "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" التي جرت بين دولتين مستقلتين: الجمهورية العربية السورية ممثلة بالرئيس حافظ الأسد والجمهورية اللبنانية ممثلة بالرئيس الياس الهراوي. واعتبرت هذه المعاهدة خطوة اساسية على طريق تنظيم العلاقات بينهما على قواعد سليمة راسخة وثابتة غير ظرفية وغير مزاجية ضمن الأحترام المتبادل لسيادة واستقلال وخصوصية كل منهما.

أما الجواب المباشر على سؤالك بـ الى متى سيبقى هذا الملف مفتوحا" فسيستدعي بنظري الأخذ بعين الأعتبار بعض الأمور منها:

التمييز بين اعادة الانتشار والانسحاب
 الاسنتاد الى وثيقة الوفاق الوطني
 تأمين التوافق بين مختلف القوى السياسية اللبنانية حول هذا الموضوع وحول سواه ايضا" من المواضيع المثياقية.
 مدى ارتباط الأمر بالوضع الأقليمي والمناخ العام في المنطقة.
 ان يكون الموضوع منوطا" بالمسؤولين الرسميين في كل من البلدين.
 ان يجرى بحثه في اجواء من الاخوّة والمودة لا في مناخات التشنج والمشاعر السلبية ومن منطلق وطني بحت لا من منطلق طائفي او مذهبي.


2- هل الأتصال بين بكركي ودمشق من شأنه اقفال هذا الملف؟

لا استسيغ استعمال عبارة العلاقات السورية المسيحية بل العلاقات اللبنانية السورية, التي يعود امر تقريرها للسلطتين في لبنان وسوريا, فهناك الرئيسان والحكومتان وهناك المجلس الأعلى اللبناني السوري. إلاّ ان ذلك لا يحول دون ان تحاور السلطة اللبنانية المرجعيات ومختلف القوى السياسية لتتمكن بعدها من بلورة موقف لبناني توافقي تجري استنادا" اليه الاتصالات بين الدولتين.
ونظرا" لموقع بكركي ومرجعيتها الروحية والوطنية معا", طبيعي ان تكون طليعة المرجعيات والقوى الواجب تحاور السلطة اللبنانية معها.

3- شخصيا" وبحكم علاقتكم الجيدة مع كل الأطراف, هل انتم على استعداد لعمل ما على خط تبريد الأجواء المتوترة بين المسيحيين ودمشق كرئاسة لجنة للتحضير لعقد مؤتمر وطني لمقارنة الوجود السوري برعاية رئيس الجمهورية ؟

اكرر ان الحوار يجب ان يكون لبنانيا" سوريا" وليس مسيحيا" سوريا" ومع هذا فأنا عضو في الحكومة وبالتالي فاني ملتزم بما تقرره الحكومة في هذا الصدد الاّ ان ذلك لا يمنع من ان يوظف كل منَا علاقاته وامكاناته ليساهم في اشاعة اجواء الهدؤ والثقة والأطمئنان التي نحن بأمسّ الحاجة اليها اليوم.

4- هناك نظرية تفيد بأن الانسحاب السوري حاليا" يعيد البلد الى اجواء 1975, هل توافقون على هذا الرأي؟

اولا" لا بدّ من التمييز كما اشرت بين الانسحاب واعادة الانتشار. فاذا حصلت اعادة الانتشار من منطلق التوافق بين مختلف القوى السياسية اللبنانية فلن يكون هناك اي مشكلة, اما اذا كان اللبنانيون منقسمين حول هذا الموضوع فعندئذ تصبح كل الاحتمالات واردة.

5- وهل من مشروع حكومي جاهز لأستكمال تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني ومتابعة الاستحقاقات الدستورية؟

أ‌. كلاّ ولكني اعتقد ان على الحكومة ان تعمد الى وضع مثل هذا المشروع واستكمال تنفيذ كل بنود وثيقة الوفاق الوطني, وازالة كل الزرائع والحجج حول التلكؤ في عدم التنفيذ. وانني شخصيا" بصدد تحضير دراسة حول هذا الموضوع.

ب‌. بما في ذلك الغاء الطائفية السياسية؟
وثيقة الوفاق الوطني تضمّنت انشاء الهيئة العليا لدراسة
موضوع الغاء الطائفية السياسية برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء, وشخصيات سياسية وفكرية واجتماعية ولا ارى غضاضة من تشكيل هذه الهيئة على ان تأخذ وقتها في الدرس والبحث في ضوء الواقع اللبناني والمناخ السائد, وذلك للحؤول دون الأتهام القائل بأن وثيقة الطائف نفّذت انتقائيا".

6- واستطرادا" هل الوضع العام يسمح بتجاوز الحالة الطائفية ايجابيا" ام ان لبنان محكوم باثارة الغرائز الطائفية والمذهبية لدى كل استحقاق كبير (توطين- الغاء الطائفية السياسية- وجود سوري الخ...)؟

لا انكر ان المناخ العام في لبنان هو مناخ غير صحي تماما" ويحتاج الى الكثير من الحكمة والحذر والتيقظ والى العقل والتعقل والى الكلمة الطيّبة والى تحويل الخطاب في لبنان من خطاب طائفي الى خطاب اقتصادي اجتماعي يطال الانسان اللبناني في حياته اليومية وفي تأمين الحاجات الأساسية لعيشه الكريم في التطبيب والتعليم والسكن والعمل وضمان الشيخوخة. فالدين هو علاقة الانسان بربّه, اما الطائفية فهي المتاجرة بالدين والفرق واسع بين الأمرين.
يجب ان نستعجل اقامة المجتمع المدني الذي يفصل الدين عن السياسة وان نحوّل التنوع في المجتمع اللبناني الى مصدر قوة وغنى ورقي والى نموذج نباهي به لا ان يكون التنوع سبب ضعف وتفكك.
التنوع في الوحدة ضمان لخصوصية لبنان وفرادته وبالتالي لديمومته.

7- السؤال البديهي الذي يطرح نفسه في نهاية هذا المحور, كيف يمكن وصف العلاقة بين الرئيس فارس والبطريرك صفير؟

علاقة ممتازة.

8- ختاما", كيف تصرّف نائب الرئيس فارس ازاء البيانات الصادرة عن علماء عكار والتي كانت على درجة استفزازية غير عادية؟

في جميع التصريحات والاقوال التي كنت ادلي بها, كنت اركّز على ضرورة اعتماد الخطاب الهادئ الرزين البعيد عن التشنّج والعصبية والتحدّي واثارة الغرائز المذهبية والطائفية والتجريح وعلى وجوب الاعتراف بالآخر واحترام مواقف وآراء السوى, والالتزام بالقيم الاخلاقية وبتقاليدنا اللبنانية الأصيلة – فرُبَّ كلمة اشعلت حربا" ورُبَّ كلمة انعشت نفسا" واشاعت تآخيا" وسلاما".
صحيح اننا ننعم بالحرية التي قلت يوما" انها اوكسيجين لبنان وكذلك بنظامنا الديموقراطي ولكننا بنفس الوقت علينا ان نتحمل مسؤولية الكلمة وان نعي حجم اثرها الايجابي اوالسلبي في العقول وفي الضمائر.

المحور الثاني: السياسة الحكومية

1- رئيس الحكومة طلب مهلة ستة اشهر لتحريك العجلة السياسية والادارية والاقتصادية. هل المهلة كافية؟ والى اي مدى تشكل الملفات السياسية حالة تعثّر للازمة الاجتماعية والمعيشية المتفاقمة؟


ان الحكومة جادة فعلا" في معالجة كافة المواضيع التي تشغل المواطن اللبناني وفي التخفيف من حدة الازمة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي تواجه البلاد ومن تقليص الدين العام. انّ العائق في هذا الاتجاه هو ذيول الحرب اللبنانية من جهة وانعكاس الصراع العربي الاسرائيلي على لبنان من جهة اخرى.
وما نأمله ان لا تطرأ تطوّرات من شأنها ان تحد من الزخم الذي تسير به.

2- متى تعطي الاصلاحيات الادارية والقانونية (قانون مكافحة جرائم التبييض- التعرفة الجمركية – الاجواء المفتوحة) النتائج المرجوة ماليا" واقتصاديا"؟

نرجو ان يكون ذلك قريبا" وان لا نفاجأ كما اشرت بمستجدات تبطئ عزم الحكومة وتصميمها.

3- الخصخصة متى موعدها النهائي؟ وبأي قطاع ستبدأ ام ان هناك قطاعات عدة مطروحة دفعة واحدة؟

لم تحدد الحكومة مهلة لهذا الموضوع, الا انها اخذت الضوء الاخضر من مجلس النواب عندما منحها الثقة على هذا الاساس, والقطاعات المطروحة للخصخصة هي الهاتف والكهرباء, علما" ان البريد تتولاه الآن شركة كندية.


4- هناك اتهام للحكومة بأنها تستبدل الديون الداخلية بالديون الخارجية, هل لك من ردّ على هذا الاتهام؟

الحقيقة انه في العام الماضي ولدى مناقشة موازنة الدولة في مجلس النواب اتخذت موقفاً معارضاً الا انني الآن ملتزمٌ بما قرره مجلس الوزراء حول هذا الموضوع.

5- منصبك الوزاري هو نائب رئيس الحكومة, لكنك تبدو وكأنك نائب لرئيس الجمهورية نظرا" لعلاقتك الممتازة بالرئيس لحّود.
هل تشعر انك تنسجم مع فخامة الرئيس اكثر من انسجامك مع رئيس الحكومة علما" ان صفة رجل الاعمال تجمعك اكثر بالرئيس الحريري منه بالرئيس لحّود الآتي من قيادة الجيش؟

في اعتقادي ان كل المرجعيات والقوى السياسية يجب ان تكون على علاقة ممتازة برئيس الجمهورية. فالرئيس هو بموجب المادة 49 من الدستور "رمز وحدة الوطن" وهو حامي وحارس الدستور والساهر على حسن تنفيذه ولا تبعة عليه الا في حالتين: الخيانة العظمى لا سمح الله وخرق الدستور, واما السلطة التنفيذية فهي بيد مجلس الوزراء الذي هو المكان الصالح للنقاش والتقرير "ولشرقطة" الافكار اذا صحّ التعبير,
واني سعيد ان تكون علاقتي بفخامة الرئيس وبدولة الرئيس ممتازة ولا يشوبها معكّر.

6- صلاحيات نائب رئيس مجلس الحكومة لا تزال غير مظهّرة وكأن المنصب بروتوكولي لخدمة الطائفة الرابعة, هل لدى دولة الرئيس فارس مشروع لتحديد صلاحيات هذا المنصب الاورثودوكسي اسوة بنائب رئيس مجلس النواب؟

لا أشاركك الرأي ان المذهب هو منصب بروتوكولي, ولو اتيح لك حضور احدى جلسات مجلس الوزراء او اللجان الوزارية التي ارئسها (وقد قارب عددها العشرة) لتبيّن لك ذلك بوضوح, كما تبين لك ان كل عضو من اعضاء الحكومة له حق المشاركة في مناقشة كل بند من بنود جدول اعمال المجلس فضلا" عن مشاركتهم في القرار والتصويت.
اما اذا كان المقصود تحديد صلاحيات نائب رئيس الحكومة ووزراء الدولة في الدستور او في القانون فهذا امر سيأتي في وقته.

المحور الثالث:في السياسة العامة

1- باعتقاد الكثيرين من رجال السياسة ان الاصلاح الاقتصادي والاداري في البلد يبدأ في الاصلاح السياسي والاصلاح السياسي يبدأ من قانون انتخاب جديد يؤمن صحة التمثيل. شخصيا" هل توافق هذا الرأي واي قانون انتخاب تراه اكثر ملاءمة؟


ان الاستنهاض الاقتصادي يأخذ ولا شك زخما" في ظل استقرار سياسي ومناخ عام مريح على المستويين الداخلي والاقليمي, فالدورة الاقتصادية واستثمار الاجانب المغتربين اللبنانيين في لبنان يتنامى ويتضاعف اذ اطمئن المستثمر الى ظروف البلد الذي ستثمر فيه. الا ان ذلك لا يعني انه ليس ثمة مجالات كثيرة للتوظيف ولتحريك الوضع الاقتصادي وقد قامت الحكومة بمبادرات لا بأس بها في هذا الاتجاه كقانون الجمارك وقانون مكافحة جرائم تبييض الاموال والاجواء المفتوحة وسواها.

هذا مع العلم ان لبنان رغم المراحل الصعبة والحرجة التي مرّ بها بقي صامدا" خاصة وانه لم يتخلّ عن مبدأين سياسيين في توجه سياسته: الحرية الاقتصادية وسرية المصارف.
اما بالنسبة للاصلاح الاداري فهذا يستدعي ارادة ورغبة عند القوى السياسية برفع يدها عن الادارة وبأن تترك لأجهزة الرقابة (مجلس الخدمة المدنية – وهيئة التفتيش المركزي – المجلس التأديبي العام – ديوان المحاسبة) حرية التصرف. ان تسييس الادارة هو احد المعوّقات الكبرى التي ادت الى استشراء الفساد والرتابة واضعاف انتاجية موظفي القطاع العام.
اما بالنسبة لقانون الانتخاب، فهناك شبه اجماع على ان القانون الحالي ينطوي على فجوات وثغرات عديدة، وان لا بد من قانون جديد يؤمن التمثيل الصحيح ويؤمن بالفعل التعبير عن ارادة السواد الاعظم من الشعب.
انا على المستوى الشخصي ليس عندي والحمد لله اي مشكلة كيفما كان القانون، ولكن يهمني ولا شك ان يرضي القانون الاكثرية الساحقة من القوى السياسية، خاصة واننا لم نزل في نظام طائفي ولم نصل بعد الى نظام الاحزاب كما هي الحال في البلدان المتقدمة.
اما اي قانون اراه اكثر ملاءمة؟ فاصارحك انني لم اكّون قناعة نهائية حتى الساعة وان مكتبي بصدد تحضير الدراسات والاستشارات وبالتالي الخيارات حول هذا الموضوع. وما آمله ان تباشر الحكومة منذ الآن بتكليف لجنة لتحضير مشروع القانون المطلوب كي يصار الى دراسته وان لا تترك الامر للساعة الاخيرة فيجري سلقه كما حصل في الماضي.

2- لديكم علاقات خاصة مع عائلة بوش في الولايات المتحدة، الرئيس الحالي ووالده الرئيس الاسبق، كيف توظفون هذه العلاقة في اطار دعم مواقف لبنان اقليمياً ودولياً؟

لا بد قبل كل شيء من التأكيد على بعض الامور ومنها ان الولايات المتحدة هي اليوم الدولة الاعظم في العالم وانها تخطط سياستها بشكل شمولي وفي ضوء مصالحها في كل منطقة من مناطق العالم، وانها دولة مؤسسات لها مرجعياتها التي تعود اليها وخاصة الكونغرس، وبالتالي فليست في ظل نظام دكتاتوري او فردي. طبعاً ان الرئيس هناك له صلاحيات واسعة لانه منتخب من الشعب ومع ذلك عليه ان يعود في حالات كثيرة الى الكونغرس لانتزاع موافقته، وحتى تعيين الموظفين الكبار فانه يحتاج الى مصادقة الكونغرس.
الامر الثاني الذي لا بد من تسجيله هو ان سياسة الولايات المتحدة ازاء لبنان والشرق الاوسط لا تختلف كثيراً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي كما انها لا تختلف كثيراً في اسرائيل بين الليكود والعمل.
الا ان علاقتي بعائلة بوش التي انا سعيد -ومتشرف بها- تساعدني ولا شك على تكوين تفهم افضلعندهم لمشاكلنا في لبنان والمنطقة، ولن اتردد بتقديم مساهمتي المتواضعة في هذا الاتجاه كلما سنحت لي الفرصة في ذلك، فالعلاقات الشخصية بين المسؤولين عنصر هام في مد الجسور بين دولهم وفي شد الاواصر.