مقابلات
PrintEmail This Page
مقابلة مع دار الصياد
01 كانون الثاني 1900
1- دولة نائب الرئيس، يلاحظ متتبعو السياسة ومتابعو مواقفكم ان وتيرة انتقادكم للوضع ولا سيما الحكومي منه تتصاعد، وفي المقابل تتوثّق أكثر فأكثر العلاقة بينكم وبين رئيس الجمهورية، كيف توفقون بين هذين النهجين؟

سؤالك يفترض سلفاً وجود نهجين: نهج "الرئيس" (وأعني دائماً "بالرئيس" رئيس الجمهورية) ونهج الحكومة (وربما انت تعني تحديداً "رئيس الحكومة"). والواقع هو التالي:
- ان التباين يجب ان يكون هو الاستثناء والاتفاق هو القاعدة،
- ثم ان علاقتي الممتازة بالرئيس لا يجب ان تعني حكماً علاقة سلبية برئيس الحكومة،
- لا تبعة على الرئيس بموجب المادة 60 من الدستور والمسؤولية تقع على مجلس الوزراء مجتمعاً وهو الذي يُحاسب على ادائه وأفعاله،
- ان علاقتي بالرؤساء الذين تعاقبوا هي علاقة مبدئية وهي نابعة من ان الرئيس هو، بموجب المادة 49 من الدستور "رمز وحدة الوطن" وبالتالي هو رئيس كل اللبنانيين على اختلاف تياراتهم ومشاربهم وطوائفهم واتجاهاتهم السياسية.
- اني أميّز في ادائي الوطني بين الموقف وبين العلاقة الشخصية، فأنا من الذين يقدسون حرية الرأي ويحترمون حق الآخرين في اتخاذ المواقف التي تنسجم مع قناعاتهم شرط ان لا يكون الدافع اليها المصالح الذاتية.


2- انطلاقاً من علاقتكم الوثيقة برئيس الجمهورية وعلاقتكم برئيس الحكومة، هل فكرتم في لعب دور توفيقي بينهما ام تعتبرون ان اي مسعى في هذا الاتجاه مصيره الفشل؟ ولماذا؟ وكيف تقومون علاقتكم بالرئيس الحريري؟

انا لا أتوانى عن بذل أي مسعى توفيقي اذا ما شعرت ان مسعاي يمكن ان يثمر يقينا مني ان التفاهم بين الرئيس ورئيس الحكومة شرط أساسي لانتظام الأمور واشاعة الاستقرار وتعزيز الثقة عند الرأي العام وطبعاً على ان لا يكون هذا التفاهم على حساب الدستور والمؤسسات.
اما علاقتي بالرئيس الحريري فهي علاقة ودّ وصداقة واحترام، فضلاً عن الاعجاب الذي له عندي نسبة للخدمات الانسانية والتربوية والانمائية والثقافية التي أدتها وتؤديها مؤسسته، ونسبة للتضحيات والانجازات التي أداها للبنان كرئيس للحكومة، ومساهمته في مسيرة السلام والنمو واعادة التعمير والبناء.
ان الذي يعود الى لبنان تاركاً أشغاله وشركاته العديدة ليقدم العطاءات لبلده يستاهل منا كل التقدير.

3- اذا طُلب منكم تحديد اخطاء سياسية ارتكبها كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، فكيف تحددونها؟ وما هي؟

لا أريد ان استعمل عبارة أخطاء بل اود ابداء الملاحظات او المآخذ التالية:
- لا يجوز اختزال المؤسسات الدستورية في أشخاص.
- لا يجوز ان يتحول رئيس الجمهورية الى ممثل للموارنة أو للمسيحيين لأنه كما أشرت هو رئيس كل اللبنانيين.
- لا يجوز ان يتحول رئيس مجلس النواب الى ممثل للشيعة لأنه رئيس مجلس النواب المؤلف من 128 نائباً يمثلون مختلف الطوائف.
- لا يجوز ان يتحول رئيس الحكومة الى ممثل للسنة وهو رئيس لمجلس الوزراء المؤلف من 30 وزيراً ينتمون الى مختلف الطوائف والاتجاهات.
- لا يجوز لعصام فارس ان يكون ممثلاً للأرثوذكس فقط وهو الذي انتخبته كل الطوائف. فضلاً عن ان الدستور نصّ في مادته الـ 26 ان "عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء".
- لا يجب ان يحكم البلد من قبل ترويكا وهذا مخالف للدستور الذي جعل السلطة التنفيذية بيد مجلس الوزراء كما انه مخالف لمبدأ فصل السلطات.
- لا يجوز التعاطي مع الملفات من اي منظار شخصي بل من منظار واحد وحيد هو مدى انسجامها مع القوانين ومع مصلحة الوطن العليا.

4- المناصب العليا المخصصة للطائفة الارثوذكسية تبدو أقرب الى مناصب شرف منها الى "مناصب فعلية"، فنائب رئيس الحكومة، ونائب رئيس محلس النواب لا يتمتع بأي فاعلية ودور؟
وهل دوركم مجرد تولي "منصب شرف"؟

دعني أميّز في هذا الموضوع بين منصب نائب رئيس مجلس النواب ومنصب نائب رئيس مجلس الوزراء، فالأول يمارس بموجب القانون كامل صلاحيات رئيس المجلس النيابي عند غيابه. اما نائب رئيس الحكومة فليس ثمة نص يحدد موقعه وصلاحياته، انما هناك عرف منذ عشرات السنين أعطى هذا المنصب شرعيته والا فلماذا هو موجود ولماذا يبدو في تشكيل الحكومات ولماذا يمنح مجلس النواب الثقة للحكومة التي هو نائب لرئيسها ولماذا هو بهذه الصفة عضو في المجلس الأعلى اللبناني السوري، ولماذا يتقدم على جميع الوزراء في التشريفات والمراسم؟
من هنا مطالبتي المستمرة بأن يصار الى تحديد صلاحيات هذا المنصب ولكن بالشكل الذي لا يتعارض مع الأمور الميثاقية، بمعنى ان يتاح له تصريف الأعمال في غياب رئيس الحكومة كي لا يحصل فراغ في السلطة في حال جرت أمور طارئة وضرورية تستدعي ذلك،
لقد قلتها أكثر من مرة، اذا كان منصب نائب رئيس مجلس الوزراء منصب شرف ووجاهة ولوحة رقم خمسة على سيارته فلا طائفتي ولا أنا بحاجة اليه.
اما على صعيد حقوق الطائفة الاورثوذكسية فأنا، كما يعلم الجميع، أبعد ما يكون عن الطائفية والمذهبية، وانني من القائلين بتأمين حقوق الانسان اللبناني الأساسية في التعليم والرعاية الصحية والعمل والمسكن وضمان الشيخوخة والانماء المتوازن التي اذا وصلت الى المواطن تصل الى كل الطوائف حقوقها. ولكن بانتظار بلوغ هذا الهدف، وطالما ان النظام اللبناني قائم، حتى الآن، على أساس طائفي فمن الطبيعي، في ظله، ان يكون للأورثوذكس الموقع الذي يعود اليهم ولن أتراجع عن هذا الموقف.

5- هل تغيبكم، في بعض الأحيان عن جلسات مجلس الوزراء هو الوسيلة الفضلى لتسجيل الموقف؟ ألا يعني هذا الأمر أنكم في قرف من الوضع العام وفي يأس من اصلاحه؟

لقد تغيبت عن بعض جلسات مجلس الوزراء عندما لمست ان المواضيع الأساسية والجوهرية تعالج خارج المجلس أو انها ترجأ ولا تُعرض، وذلك في الوقت الذي هو السلطة الدستورية والشرعية التي يعود اليها معالجة شؤون البلاد والعباد، وأعلنت رأيي صراحة وعلى الملأ، مؤكداً وجوب الاحتكام دائماً الى المؤسسات والى الدستور، والاّ تعرض نظامنا الديمقراطي للاهتزاز، وعندما عادت الأمور تسير وفقاً للأصول وبدأ مجلس الوزراء يستعيد دوره الطبيعي والدستوري عدت بدوري لحضور الجلسات. واذا شعرت مستقبلاً خلاف ذلك فاني لن أتردد في وضع النقاط على الحروف ضمن مجلس الوزراء.
واذا كنت قد سجلت موقفاً في تغيّبي، فانني ثابرت كالعادة، مع مستشاريّ ومعاونيّ، على درس جدول الأعمال، وابداء الرأي الخطي في كل بند من بنوده.

6- هل فكرتم مرّة بالاستقالة من الحكومة؟ كيف حصل ذلك؟ وما الذي دفعكم الى التراجع عن الخطوة؟

أصارحك ان الفكرة راودتني أكثر من مرّة. غير أنني رأيت ان الاستقالة، وخاصة بالنسبة لشخص في مثل موقعي – قد يكون لها نتائج وذيول لا تتحملها الظروف الراهنة بحيث ستخلق حالة من البلبلة وردات الفعل بينما البلاد تحتاج في الوقت الحاضر الى مناخ من الاستقرار – ولو المصطنع – بانتظار ظروف أفضل. ولذا اخترت ما أعتقده أهون الشرّين بين البقاء في السلطة او الابتعاد عنها.

7- يسأل الجميع: لماذا أنتم، دون سواكم، ترافقون رئيس الجمهورية في رحلاته الى الخارج؟

الجواب على هذا السؤال هو ملك فخامة الرئيس. ولكني أعتقد ان تشكيل الوفود الرسمية الى الخارج سواء برئاسة رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو سواهما يجب ان يتم في مجلس الوزراء وأن يضمّ الوفد الوزراء المختصين والخبراء في الملفات التي ستبحث خلال الزيارة، وأن توضع التقارير اللازمة عن المداولات وأن يطلع مجلس الوزراء على ما يمكن اطلاعه عليه من المباحثات التي جرت، وأن يصار الى متابعة المواضيع بواسطة القنوات الرسمية والدبلوماسية، وذلك لكي تعطي الزيارة النتائج المرجوّة.
كما أعتقد انه حتى في السفرات الخاصة واجازات المسؤولين في الخارج من الضروري اعلام مجلس الوزراء بها.
وبالنسبة اليّ شخصياً فاني لا أتوانى عن اعلام المجلس كلما كان عليّ ان أقوم بسفرة ما.

8- برأيكم، ما هي الأمور التي يجب ان تُقدم عليها الحكومة لاسترداد الحد الأدنى من الثقة فيها؟ أم تعتقدون ان الأمر صعب؟

أصدقك البوح ان أجمل عبارة أسمعها أو أقرأها وأعتزّ بها هي عندما يقال "ان عصام فارس، في ممارسته الحياة السياسية وفي تعاطيه الشأن العام، يعطي الوطن ولا يأخذ منه" – ان مثل هذا الكلام يدخل الفرح والغبطة الى قلبي وعقلي ويجعلني أشعر بارتياح وطمأنينة لا مزيد عليهما.
أقول هذا بكل تواضع لا على سبيل المفاخرة بل على سبيل التأكيد انه لا يمكن للبنان ان يصبح ما نريد له ان يكون الاّ اذا كان كل مسؤول فيه عازماً، من خلال موقعه، ان يعطي ولا يأخذ.
لقد عمدت عندما انخرطت في العمل السياسي الى اقفال مؤسساتي في لبنان وبعت المصرف الذي أملكه كي لا يكون هناك اي تضارب بين صفتي البرلمانية والحكومية وبين صفتي كرجل اعمال.
هذا هو جوابي على سؤالك في كيف تسترد السلطة ثقة الشعب بها وكيف يمكن ردم الهوة بينهما.
اما اذا كان الهدف من الوصول الى منصب ما هو استخدام هذا المنصب لتحقيق مآرب ومكاسب ذاتية، على حساب مصلحة الوطن العليا، فعلى لبنان السلام.
أضيف الى ما تقدم مناخات الطائفية والمذهبية المخيّمة على البلاد والتي من شأن استمرارها اعاقة لبنان عن الانطلاقة بزخم وقوة لبناء غده الأفضل.
هل هذه الحكومة قادرة، بتركيبتها الحالية وفي ظل المتغيرات المصيرية التي تشهدها المنطقة، على كسب الرهان وتحقيق تطلعات وآمال الناس بالتغيير؟ يؤسفني القول انني أشك بذلك، وكم أتمنى ان تكذّب الايام المقبلة ظنوني!!

9- دولة نائب الرئيس، انتُخبت عن مقعد نيابي، وعُيّنت في الحكومة، اين تجد نفسك سياسياً أكثر؟ ولماذا؟

أصارحك انني لم آت لأكون سياسياً بالمفهوم المتداول للكلمة، بل جئت لأخدم ولأسهم في مسيرة السلام والبناء والانماء في لبنان بعد الحرب القذرة التي عصفت به. جئت لأخدم ابناء بلدتي ومنطقتي، وجئت لأكون، اذا استطعت، البحصة التي تسند الخابية؛
وباعتقادي ان النائب يمكن من موقعه البرلماني ان يقوم بانجازات هامة على صعيد التشريع والرقابة على السلطة التفيذية كما يمكن للوزير ان يقوم بخدمات جُلّى على صعيد التنفيذ.
المهم ان تتوفر عند المسؤول صفات اعتبرها هي الأساس: ارادة الخدمة، المعرفة، الأخلاق، والشجاعة.