مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة
PrintEmail This Page
في النهار: مركز عصام فارس ومؤتمر المخيمات الفلسطينية في لبنان: قضية اللاجئين تنتظر حل أزمة الشرق الأوسط
18 تشرين الثاني 2009

لا يختلف واقع المخيمات الفلسطينية البائس عن كثير من المناطق اللبنانية حيث تعيش فئات من واسعة من اللبنانيين من مختلف الطوائف حالاً من الفقر والتهميش والاجحاف والتمييز تفوق اضعافا ما يعانيه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، الذين يجدون في وكالة "الاونروا" مؤسسة ترعى شؤونهم وان بالحد الادنى، في حين ان البؤساء اللبنانيين لا يجدون معيناً ولا سنداً الا التضرع الى الله ان يمن عليهم بمن يكترث لامرهم.


اوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان كانت موضوع مؤتمر نظمه "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية"، في فندق الحبتور في اطار سلسلة المحاضرات والندوات التي يدأب على تنظيمها لمتابعة شؤون لبنان واحواله بمجهر الباحثين والدارسين. لكن المهم في اعمال اليوم الاول للمؤتمر كان الفيلم المشهدي الذي عرضته احدى منظمات الابحاث والدراسات العالمية لمشروع الدولة الفلسطينية المفترضة ومدى قدرتها على استيعاب اعداد الفلسطينيين ضمن بنى تحتية واستراتيجية واقتصادية متكاملة وبكلفة لا تتجاوز تسعة مليارات دولار في ما سمي "مشروع الهلال" او ARC، اضافة الى الورقة الخلفية للمؤتمر التي اعدتها الباحثة مهى زراقط وشملت عناوين في مسيرة اللجوء الفلسطيني في لبنان مثل "التهجير والعمل المسلح"، "العلاقة مع الدولة اللبنانية"، "الاوضاع الامنية والمعيشية" ومجموعة اقتراحات استباقية لنتائج المؤتمر.

وحضر افتتاح المؤتمر ممثِّل رئيس الجمهورية وزير الدولة عدنان السيد حسين، ممثل رئيس الحكومة الأمين العام لوزارة الخارجية والمغتربين السفير وليم حبيب، والنواب آلان عون، مروان فارس وهاني قبيسي، وممثلون عن النواب ميشال عون، ووليد جنبلاط وستريدا جعجع و"القوات اللبنانية"، وحركة "أمل"، ونقيب المحامين السابق رمزي جريج، والقائم بالأعمال الكويتي صالح الصرعاوي، والديبلوماسي المصري محمد الفقي، ورئيس الرابطة السريانية حبيب افرام، ورئيس دائرة الشرق الأوسط في مؤسسة "راند" الأميركية السفير ديفيد آرون، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني صبحي ضاهر، ومدير المركز السفير عبدالله بوحبيب وحشدٌ من المهتمين اللبنانيين والفلسطينيين.

والقى مستشار المركز الدكتور رغيد الصلح كلمة اعتبر فيها أن الحل الذي تقدمُه اسرائيل وحلفاؤها الدوليون هو توطينُ وتجنيسُ الفلسطينيين في لبنان يمثلان نقضا لحقِ العودةِ". واكد أن "رفض التوطينِ والتجنيسِ والتمسكِ بحقِ العودةِ وحدهُما لا يكفيان"، داعياً إلى ان "يقترنَ هذا الموقف باجراءاتٍ ملحة".

اما وزير الخارجية السابق فوزي صلّوخ فرأى أن "الإلتزام الدولي بعدم توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو ضرورة لا يمكن من دونها صيانة الإستقرار الإقليمي المنشود وضمان استقرار أي حل عادل أو شامل للصراع العربي – الإسرائيلي"، لافتاً إلى أن "هذه القضية تستوجبُ متابعة لبنانية دائمة بعيدة من تقاذف التُهم في الداخل، وإنما من خلال استراتيجية وطنية هادفة وعلمية توظف قدرات لبنان في تحقيق هذه المصلحة الوطنية الأساسية للكيان اللبناني". وشدَّد على أنَّ معالجة موضوع المخيمات "يتطلب مقاربة اجتماعية وسياسية وأمنية متكاملة لأجل ضمان عدم تحول المخيمات بؤرا أمنية مسيئة للأمن اللبناني وللقضية الفلسطينية في آنٍ واحد".

الندوة الاولى بعنوان "مشاريع السلام: هدنة موقتة ام طريق لحل دائم؟" ادارها الباحث غسان شبلي، وتحدث فيها الوزير السيد حسين ومعن بشور وغاب عنها النائب فريد الخازن. وتطرق الاول الى مفاوضات السلام و"بطلان التسوية مع اسرائيل استناداً الى جملة معطيات تشكل اداة ضغط ومنها تقدم شعار امن اسرائيل على ما عداه وعدم توافر ارادة دولية ضاغطة، اضافة الى ان الادارات الاميركية اثبتت انها ليست الحَكَم العادل لادارة عملية السلام". في حين رأى بشور ان "الازمة الفلسطينية تعني مشروع صراع مديد ما دامت اتفاقات السلام لا تضمن حقوق الشعب الفلسطيني". وقال ان "الافق المسدود للقضية الفلسطينية سيؤدي الى احتدام حال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الى الاحتقان الاجتماعي الذي يعانونه (...)".


آمال وتوترات

اما الندوة الثانية والتي كانت بعنوان "العلاقات اللبنانية - الفلسطينية بين الامال والتوترات "والتي ادارتها الاعلامية نجاة شرف الدين، فتحدث فيها رئيس تحرير جريدة "العمل" جوزف ابو خليل والقيادي الفلسطيني صلاح صلاح وزياد الصايغ ممثلاً رئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني السفير خليل مكاوي.

واستهل ابو خليل مستندا الى تجربته التاريخية الطويلة في سجل العلاقات اللبنانية - الفلسطينية ليطرح تساؤلات عن عودة الفلسطينيين المؤجلة الى زمن لاحق. واستشهد بمؤسس الكتائب بيار الجميل الذي نقل عنه قوله:"كنا امام قضية واحدة هي قضية فلسطين فأصبحنا امام قضيتين، قضية فلسطين وقضية لبنان. والصحيح اننا امام ضحيتين". وشدد على انه "لا يمكن النهوض بأحوال اللجوء الفلسطيني في لبنان دون النهوض بأحوال لبنان نفسه امنياً وسياسياً". وقال ان "الخوف على المستقبل والمصير هو الذي يحكم موقف اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين على هذا الصعيد"، مؤكداً ان "الف لا للتوطين لا تقوم مقام عودة الدولة الحقيقية والسيدة على ارضها(...) وان لا دولة في لبنان ما دام هذا البلد مرغما على ان يكون منصة لاطلاق النار والصواريخ على اسرائيل، وان لا فارق في هذه الحال بين التوطين والاقامة الدائمة لما يناهز 400 الف لاجئ فلسطيني في لبنان (...)".

القيادي الفلسطيني صلاح صلاح تناول موضوع البؤس في المخيمات، رافضاً نظرية الربط بين اوضاع المخيمات وانتشار التنظيمات والاحزاب التي وصفها بالراديكالية بين اللاجئين. ولفت الى ان مشروع التوطين هو "عملية متواصلة منذ الخمسينات"، مذكراً بتوصية الخبير الاميركي كيلاب في هذا السياق. وقال ان "من حق اللبنانيين رسميا وشعبياً ان يقلقوا من مشاريع التوطين والتجنيس التي تطرح وتتجدد، ولكن من حق الفلسطيني ايضاً ان يقلق من التفريط بحق العودة وان ينظر اليه كمصدر للمخاوف". واضاف انه يشعر "بأعمق درجات الاستفزاز والاهانة عندما يقال ان عدم اعطاء الفلسطينيين حقوقهم وخصوصا حق العمل والتملك مبعثه الخوف من التوطين". وخلص الى ان "لا حل لمشكلة اللاجئين من دون تسوية شاملة للوضع النهائي وان اللاجئين لا يريدون التوطين رسميا ولا شعبياً".

كلمة السفير مكاوي القاها نيابة عنه مساعده زياد الصايغ الذي عرض لما سماه "الالتباسات في العلاقات اللبنانية – الفلطسينية"، معتبرا ان "العائق الكبير امام ترتيب هذه العلاقات بعد نهاية الحرب عام 1990 كان استمرار الاحتلال الاسرائيلي وتنامي دور الوصاية، في حين امكن بناء هذه العلاقة اعتباراً من عام 2005 على اسس احترام سيادة لبنان واستقلاله وتأمين حياة كريمة للاجئين الفلسطينيين ودعم حق العودة ورفض كل اشكال التوطين". ودعا الى "الاعتراف بالاخطاء المتبادلة واعادة انتاج موقف لبناني - فلسطيني واحد على شاكلة "اعلان بيروت (2004) و"اعلان فلسطين في لبنان" (2008)". ورأى ان "تجربة مخيم نهر البارد والتعاون في المعركة ضد الارهاب والاعمار يمكن ان تشكل نموذجاً في احترام كرامة اللاجئ الفلسطيني من جهة وسيادة الدولة من جهة اخرى".


مشروع دولة فلسطينية

رئيس دائرة الشرق الأوسط في مؤسسة "راند" الأميركية السفير ديفيد آرون عرض بالصورة والصوت مشروع دولة فلسطينية في فيلم اعدته مؤسسته "من اجل سلام حقيقي في الشرق الاوسط يقوم على ما يمكن ان تكون عليه دولة فلسطين". واشار الى ان كلفة المشروع بلغت ثلاثة ملايين دولار بغرض الاجابة عن هذا السؤال.

ويحمل الفيلم – المشروع اسم ARC او الهلال ويشمل مشاريع بنى تحتية للدولة الفلسطينية الموعودة التي يفترض ان تقوم في الضفة الغربية وقطاع غزة على مساحة تقارب مساحة لبنان وسلطنة بروناي. ورأى معدو هذا الوثائقي ان المشكلة الاكبر لدى الفلسطينيين هي النمو السكاني الكبير لديهم، اضافة الى استيعاب اعداد اللاجئين، "مما يعني ان نجاح هذه الدولة يفترض وحدة الارض وحرية الحركة للمواطنين داخل الدولة وخارجهما وسياسة تشجيع للاستثمارات وضبط الامن. ولتحقيق هذه الاهداف اقترح المشروع بناء خط قطار سريع بين الضفة والقطاع، واوتوستراد سريع يعبر الضفة من شمالها الى جنوبها ويمر في كل المدن الفلسطينية رابطاً اياها على شكل هلال وبناء مطار دولي ومرفأ في غزة يشكلان صلة الفلسطينيين مع العالم الخارجي، وذلك في موازاة شبكة مواصلات حديثة وتعزيز شبكة البنى التحتية من تربية وسياحة وثقافة وصناعة وحفظ المواقع التاريخية. وخلص الى ان كلفة تجهيز الدولة الموعودة تبلغ تسعة بلايين دولار وهو رقم يقارب ما اقرته مجموعة الثماني الصناعية لازمة الشرق الاوسط.

ويستكمل المؤتمر أعماله التاسعة والنصف صباح اليوم في مقر "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية" في سن الفيل، حيث ستعقد ثلاث جلسات إضافية تعالج "اللجوء السياسي في عالم اليوم ووضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان"، "الأوضاع المعيشية والأمنية في المخيمات"، وتتطرق الجلسة الختامية إلى المقاربات والحلول لملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.