كتب فؤاد دعبول:
على ابواب السنة الجديدة، خرج عصام فارس عن صمته، ليقول انه ترك السياسة، ولم يترك الناس. هل اصبح عصام فارس رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية؟ بصراحة يجيب: لم ادخل في أي من التجمعات والتكتلات، لم اتصرف من منطلق طائفي او فئوي او شخصي. اقفلت مكاتب اشغالي في لبنان. بعت المصرف الذي املكه، لافصل بين موقعي السياسي، وموقعي كرجل اعمال. ادائي السياسي نابع من قناعاتي، ما اعتقده مفيداً اوافق عليه، اذا كان منسجماً مع المصلحة العليا للوطن. بهذه العبارات اهدى مناف منصور كاتب خطابات الرؤساء، كتابه للناس، وعنوانه: عصام فارس مواقف ومنجزات.في هذا الكتاب، يتناول المؤلف تاريخ عصام فارس السياسي، الآتي من خارج النادي السياسي، والرافض ابداً الانضواء في عقليته، انما جاء لكي يخدم. في الكتاب يروي مناف منصور افكار عصام فارس، لتطوير النظام واصلاحه، ويقترح فصل النيابة عن الوزارة، واقامة نظام علماني واقامة دولة المؤسسات، ويشرح رؤيته لبناء الدولة وإعطاء الحكومة سلطة حلّ مجلس النواب في حالات معينة، والزام رئيس الحكومة والوزراء بتوقيع المراسيم ضمن مهلة محددة، على غرار ما هو ملزم به رئيس الجمهورية، وتحديد صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء، وتعديل بعض مواد النظام الداخلي لمجلس النواب وتعديل مدة ولاية مجلس النواب، وفصل الامانة لمجلس الوزراء عن المديرية العامة لرئاسة الحكومة. قدوة للمسؤولين ادرك عصام فارس من اول الطريق، ان معضلة لبنان الحقيقية هي النجاح في بناء مشروع الدولة، وان دعامة هذا النجاح هي بناء المجتمع، فحين تنفصل السياسة عن المجتمع تسقط الدولة. كما ان دعامة هذا النجاح هي اعتماد التوازن، بدلا من التجاذب. وفي رأي المؤلف ان الانجرار الى محور التجاذب يدمر الدولة. وهذا ما ادركه النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء، الذي رأى ان فشل مشروع الدولة ليس قدرا محتوما، فبادر الى قرع جرس الانذار، من مغبة الركون الى عقلية المزرعة في الحكم، لان هذا الفشل لا يعني التخلي عن بناء الدولة، بل يعني ان نأتي بمن هم جديرون بذلك. هل يقرأ الحاكمون الآن، افكاره عندما يطالبون باعتماد الكفاية في التشكيلات الادارية. مع وعيه لعمق المؤثرات الاقليمية والدولية سلبا او ايجابا في هذا المجال، ومع المامه بمختلف التحديات في الداخل، غامر عصام فارس، وعبر طريق بناء الدولة في بلد اعتبره الدكتور هنري كيسنجر انه ليس دولة، انه تسوية خلال مناقشات جرت في جامعة كارلتون في اوتاوا. ٥ ظاهرات مميزة حقق عصام فارس، كما يورد مناف منصور ثلاث اولويات، نادرا ما اجتمعت لدى مسؤول واحد: اولا: بناء الدولة امر ممكن وواجب لم يأت الى الدولة لانه يحتاجها، بل اتى ليثبت بان بناء الدولة امر ممكن وواجب، مؤكدا، في جامعة سيدة اللويزة، ان المسؤولين قدوة لمواطنيهم ٣٠/١/٢٠٠٤. لم يأت بحثا عن زعامة بل اتى الى الدولة ليخدم المواطن والوطن. حمل هذا الرهان في البرلمان نائبا، وفي الحكومة نائبا لرئيس مجلس الوزراء، وارسى نهجا مثلث الاضلاع: مقاومة عثرات الاصلاح المتفجرة من الداخل والخارج. صدقية الانفتاح على الجميع للمساعدة على التزام الجميع الصالح العام. صوغ برنامج اصلاحي متكامل. ثانيا: الخدمة العامة تفترض العمل الجماعي منذ انطلاقته توجه من بينو الى الناس والى المسؤولين وشدد على ان بناء الدولة هو مسؤولية جماعية بينو ٨/٧/٢٠٠١، فأبى التفرد وأبى الاستفراد. لكنه قبل بتباين الرأي المستند على معطيات علمية. في سعيه الى كسح الغام الشخصانية والمزاجية في السياسة اللبنانية ردد ان الاداء يستقيم بالحوار والثقة واحترام الدستور ٢٢/١٢/٢٠٠٠. في هذا الاطار ارتسمت ثوابت ادائه كالتالي: يريد الحوار والاصلاح، ويرفض التأجيل والارتجال. يريد المحاسبة، ويرفض دولة المحسوبيات لان دولة المحسوبيات لا تبني وطنا ١٩/١٢/٢٠٠٣. اعطى عصام فارس الدليل على ان قيام الدولة ليس صعبا. فما من مشكلة مستعصية الا ولها مخرج، اذا ما يجرّد المسؤول من انانيته ومن اهوائه، ومن مصالحه الذاتية. منذ ستة عقود وشكوى اللبنانيين من الهيمنة والاستئثار والفئوية والمذهبية والفساد، ومن الغبن والاهمال والحرمان وتقاسم الجبنة والمحاصصة. منذ ستة عقود والمطالب الوطنية هي الوفاق الوطني والوحدة الوطنية والشراكة والمشاركة دولة القانون والمؤسسات، الاعمار المتوازن والغاء الطائفية السياسية. هل تغيّر شيء الآن. لم يشأ عصام فارس ان يكون قائدا ثوريا، بل آثر العمل على طريقة: هكذا انا، فانظروا الى اعمالي، واعطوا نصف ما اعمل. وبشجاعة المؤمن بالحق، والواعي لامانة المسؤولية، والحريص على قواعد اللباقة في التعامل، التزم عصام فارس نهج التصويب مؤكدا ان التصويب يلزمه قدر كبير من الترفع لا سيما عند تصويب الاداء الحكومي. في هذا السياق اعتمد التصويب نهجا طوال تحمله المسؤولية مبينا في نهاية المطاف لم اقصر يوما في التحذير والانتقاد ووضع النقاط على الحروف، واقترح الحلول. الافكار الاصلاحية هل كانت افكار عصام فارس مجرد دعوات يطلقها من وقت الى آخر؟ لا، كانت افكاره مبادىء ومناهج ترمي الى تطوير النظام السياسي على الاسس الآتية: تطوير النظام السياسي من خلال خطة مترابطة ٢/٦/٢٠٠٥. استعجال اقامة المجتمع المدني ١١/٥/٢٠٠١. تحويل الخطاب الطائفي الى خطاب اقتصادي واجتماعي وانمائي ١١/٥/٢٠٠١. اطلاق دور مؤسسات الرقابة حفظا للحقوق العامة وقطعا للعابثين بالمال العام ٣/٩/٢٠٠٣. ومن المفارقات عندنا انه بالتوازي مع كثرة الكلام على الاصلاحات يكثر الاهتراء في القطاع العام. معالجة الفساد والتردي تستلزم مكننة الادارة مكننة مفتوحة لمراقبة الجميع. لهذا الغرض التصويبي اثار عصام فارس جملة تعديلات دستورية، لا تمس روحية الميثاق الوطني، ولكنها تصوّب عمل الدولة، وكان يركز على اقرار هذه الاصلاحات على قاعدة الوفاق الوطني، نذكر على سبيل المثال: ١ - اعطاء الحكومة سلطة حل مجلس النواب في حالات معينة. ٢ - الزام رئيس الحكومة والوزراء بتوقيع المراسيم ضمن مهلة محددة على غرار ما هو ملزم لرئيس الجمهورية. ٣ - تحديد صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء. وكان يعجب كيف يقيمون الدنيا ولا يقعدونها اذا مست صلاحيات طوائف معينة، بينما اذا وصل الموضوع الى صلاحيات نائب مجلس الوزراء، يطالبونك بان تكون وطنيا، مدنيا. ٤ - تعديل بعض مواد النظام الداخلي لمجلس النواب، وتعديل مدة ولاية مجلس النواب. ٥ - ضرورة التزام رئيس الحكومة، توقيع مرسوم وافق عليه مجلس الوزراء باكثرية الثلثين التي نص عليها الدستور، كما حصل بموضوع الزواج المدني. واقترح عصام فارس جملة اصلاحات تتعلق بعمل مجلس الوزراء منها: ١ - تطوير النظام الداخلي الصادر عام ١٩٩٢، وذلك بهدف حسن تنظيم اعمال مجلس الوزراء. ٢ - فصل الامانة العامة لمجلس الوزراء، عن المديرية العامة لرئاسة الحكومة، كي لا تقع مخالفة ابسط الاصول والاعراف، مثل اقدام الامانة العامة لمجلس الوزراء، على نشر الموازنة، قبل ارسالها الى الوزراء. ٣ - الحث على ان يعقد مجلس الوزراء خلوات عمل اقتصادية وادارية ١٩/٤/٢٠٠٢ تحدد ما تم انجازه وتفعّل مساعي تنفيذ ما تبقى، وتعتمد تطبيق مبدأ الثواب والعقاب الحوادث ٨/٢/٢٠٠٢ كما دعا الى اجراء جردة بما تم او لم يتم من البيان الوزاري ٦/٦/٢٠٠١. ٤ - انتقاد تراكم بنود جدول اعمال الجلسات ٢٦/٣/٢٠٠٣ او عدم انعقاد الجلسات بانتظام او اقتصار مجلس الوزراء على التداول بموضوعات روتينية وعادية تعود معالجتها للوزراء المختصين والمؤسسات والادارات المعنية ١٦/٥/٢٠٠٣ او عند معالجة الموضوعات الاساسية والجوهرية خارج مجلس الوزراء ٦/٧/٢٠٠٣. في هذه الاحوال حيث يصبح مجلس الوزراء مغيباً لماذا لا يغيب عصام فارس عن الجلسات؟ جريدة الشرق الأوسط ١٣/٦/٢٠٠٣. ظاهرتان نادرتان ظاهرتان نادرتان في السياسة اللبنانية ميّزتا حضور عصام فارس في العمل العام هما: الأولى: اصالة المواقف. فثوابته واحدة يتمسك بها ولا يحيد عنها. الثانية: تأكيده الدائم ان المسؤولية رؤية وبرنامج ومنجزات. لكن ما هي رؤية عصام فارس لبناء الدولة؟ تتألف رؤية عصام فارس لبناء الدولة من خطين متوازيين ومتكاملين في آن: بناء البلد من الداخل. تفعيل علاقات لبنان مع الاشقاء والأصدقاء وفي المحافل الدولية وهذا ما سنفصله في القسم الثاني من هذا الكتاب. هذان الخطان يجسدان رسولية سعيه العام الذي يصدر عن اعتقاد راسخ لديه فحواه ان انبل المهمات بناء وطن. باشر منذ انطلاقة مسؤولياته الحكومية الى التنبيه الى انه علينا بناء بلدنا من الداخل ٣/١٢/٢٠٠٠ وللوصول الى ذلك لا بد من ركيزتين اساسيتين: الركيزة الأولى: بناء دولة المؤسسات. الركيزة الثانية: برنامج تنموي شامل. ليس بالاجراءات وحدها يبنى الوطن بل لا بد من روح عام ٢٤/٩/٢٠٠٣ معافى يحرك المواطنين ويعمر فيهم الثقة ببلدهم وبالغد. فالدولة ليست ادارات فحسب، وهي لا تتعافى من تلقاء نفسها، والبلد يحتاج الى ما هو اكثر من ادارة الواقع. فصل النيابة عن الوزارة ضمن هذين الاتجاهين اصر عصام فارس على التفاف الجميع حول الدولة: دولة الحرية والعدالة والديمقراطية وتكافؤ الفرص دولة القانون والمؤسسات والعلم والاخلاق دولة القانون والحق والتنمية دولة لا يكون فيها القطاع العام كعكة المحاصصة دولة الفصل بين السلطات مع تأكيد التعاون والتكامل بينها دولة التكامل بين القطاع العام والقطاع الخاص دولة تفي بوعودها والتزاماتها دولة تواكب العصر وترتكز على التخطيط والبرمجة دولة قوية ومنتجة تكون قدوة لشعبها وتكون بمستوى تألق اللبنانيين في الداخل والخارج وتكون بمستوى اهمية لبنان ودوره في المنطقة والعالم. ودعا عصام فارس الى ما يأتي: ١ - ضرورة تطبيق الديمقراطية تطبيقاً مثالياً لا شائبة فيه. ٢ - اعتماد نظام مبني على احزاب غير طائفية فباعتماد نظام الأحزاب تتعزز الديمقراطية. ٣ - دعوته الى اقرار قانون اللامركزية الادارية وضمان تطبيق الانماء المتوازن عن طريق اعادة النظر في التقسيمات الادارية وتوسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل جميع ادارات الدولة في المناطق. ٤ - دعوته الى اقامة دولة المؤسسات على قاعدة تعاون السلطات مع الحفاظ على استقلاليتها. ٥ - دعوته الى فصل النيابة عن الوزارة ٢٦/٤/٢٠٠٥. ظاهرة شبه الدولة وفي قراءة مبسطة لتطور الاحداث منذ بداية العهود الاستقلالية، وفي العقود الثلاثة الاخيرة في الأخص نجد ان الكل يريد الوطن لكن الكل مسؤول عن الفشل في بناء الدولة: فقبل مسلسل المحنة بقي الوطن ملجأ الجميع وملاذهم وكانت الدولة مجرد خيمة للتلاقي على توزيع الحصص وتقاسم المكاسب والمغانم قبل الستينات كان يجري التقاسم طبقاً لنفوذ الزعامات، وفي الستينات جرى تنظيم المحاصصة بالتزام ٦ و٦ مكرر وجهدت المؤسسات الشهابية في تطعيم عقلية التوازن الطائفي المحاصصة باعتماد معيار الكفاءة من خلال مؤسسات مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي. اما اثناء المحنة وحتى اتفاق الطائف ١٩٧٥ - ١٩٨٩ فقد تفككت الدولة - الخيمة من تعثر انتخاب رئيس الجمهورية، الى مقاطعة رئيس الحكومة رئيس الجمهورية وتعذر انعقاد جلسات مجلس الوزراء، الى اعتماد المراسيم الجوالة... وقامت دويلات الميليشيات ببعض وظائف الدولة مثل فرض الجبايات واجراء المحاكمات... لكن اكد الجميع في الطائف ان هذا الوطن هو وطن نهائي لجميع ابنائه. في الحقيقة الكل يريد الوطن: ولو ان هذا يريده لنفسه، او ذاك يريده على حساب سواه، او هذا يريده في هذا الاتجاه وذاك يريده في ذاك الاتجاه. الكل يريد الوطن لكن الكل مسؤول عن ابقائه وطناً فيه شبه دولة. الدولة الأطول عمراً لاحظ عصام فارس سرعة انهيار السلطة من خلال الظاهرات الآتية: في حقبة المحنة ١٩٧٥ - ١٩٨٩ قامت دويلات الاقتطاعات الجغرافية. في حقبة السنوات الاربع الاخيرة ٢٠٠٥ - ٢٠٠٩ شهدنا دويلات النفوذ الجغرافي حيث الشرعية هي الاضعف على الارض. في حقبات التهدئة وجدنا زعامات تتقاسم شبه الدولة من تشكيل الحكومات الى التعيينات الادارية، الى تلزيم المشاريع وتوزع الخدمات.... وبالرجوع الى الأسباب العميقة وراء عدم قيام الدولة المنشودة تتكشف حقيقتان: الأولى: ان دولة لبنان هي ثمرة قرار دولي اكثر مما هي تجسيد لارادة ابنائه من قرار فرساي ١٨٦٤ اعلان المتصرفية او دولة جبل لبنان الى قرار الحلفاء في ١٩٢٠ بإعلان دولة لبنان الكبير، الى اعلان الجمهورية اللبنانية في ١٩٢٦، الى الميثاق الوطني ١٩٤٣، الى الطائف ١٩٨٩: ولدت الدولة اللبنانية بقرار دولي واستمرت بقرار دولي. اي ان الزعامات ليست ابنة الارادة الأهلية بمقدار ما هي مرآة الارادة الاقليمية والدولية. الثانية: ان الزعامات تخشى ان تذوب في الدولة تماما كما يخشى النظام الذوبان في المحيط العربي يكفي التأمل في تطور المواقف لدى زعماء الطوائف باتجاه التعلق بلبنان والممتدة من الزعامات المسيحية، الى الزعامات الدرزية، الى الزعامات الشيعية، وأخيراً الى زعيم الاغلبية السنية الحالي الرئيس سعد الحريري الذي يحمل شعار لبنان أولاً وينشىء تكتل لبنان اولاً. هاتان الحقيقتان ابتدعتا نظاماً فريداً يوفق بين حرص الطوائف على كيانيتها وتوق الطوائف الى تنظيم تلاقيها باعتباره قدراً مشتركاً بعدما اقتنعت كل طائفة بأنه يستحيل عليها حكم البلد وحدها فأخذ يشيع قاموس التوافق والتشارك بدل قاموس الهيمنة والاستئثار. هكذا اخذت ترتسم ثلاثة مواقع كانت تحل محل بناء الدولة. وهذه المواقع هي: السلطة: تُجسد خيمة المحاصصة لقوى النفوذ. النظام: يُجسد عقلية الأداء الذي يصون الطوائف ويحافظ على الوطن. الوطن: يجسد ارض التلاقي لادارة السلطة والذود عن النظام. من هنا أصر عصام فارس على رفض الاستسلام لمقولة المؤامرة والتدخلات الخارجية مع الاقرار بحيز كبير من واقعها، وتمسّك بالدعوة الى ان اللبنانيين هم يصنعون مصير وطنهم. في هذا السياق ألح على انكباب الجميع على معالجة القضايا الداخلية، ولكن دون إهمال السياسة الخارجية، فالتركيز على السياسة الداخلية باتجاه توطيد الامن والاستقرار، وباتجاه احترام القانون والديمقراطية، وباتجاه صون حقوق المواطن وحقوق الدولة. وباتجاه تفعيل التنمية الشاملة والمتوازنة.. نقول ان التركيز على ذلك يسهم في رسم الطريق الفعلية لتعزيز السيادة والاستقلال وذلك من خلال تماسك البنية المجتمعية والوطنية في وجه المخاطر الخارجية. من هنا المطلوب دوماً للبنان مسؤولون استثنائيون لادارة مصير هذا الوطن الاستثنائي دائماً. والترجمة العملية لهذا الاداء تقضي بالعمل الجاد على تطوير النظام الاقتصادي والاجتماعي والاداري، من خلال: ١ - اعتماد اللامركزية الادارية والانمائية الكفيلة بفتح الفرص الواسعة امام كل المناطق، وامام معظم الطبقات، لكي تحقق ذاتها في البلاد. ٢ - الاكتفاء بالخصخصة التي تمكن الدولة، من اداء وظائفها ومسؤولياتها، وتتيح للوطن الافادة، من ارقى الخدمات بأقل كلفة. بكلمة، لقد اراد فارس خروج الجميع من دولة العشائر الى دولة المواطن. صب فارس جهده على ارادة الخروج من المؤقت، فالخروج من المؤقت هو خروج من شبه الدولة، وهو خروج واع من التبعية للخارج أو الوصاية الخارجية. احترام الخصوصيات لا يعني الغاء الدولة المركزية، احترام الخصوصيات دعامة لتوطيد الدولة المركزية، والدولة المركزية لا محو الخصوصيات. عصام فارس مع تأكيده المتلاحق على الانفتاح على الخارج عربياً ودولياً رفض الانفتاح الى حدود التبعية او الوصاية بمقدار رفضه للاستقلالية التي تصل الى حدود الانغلاق او التقوقع او الانعزال. أبى ان يجد العالم مهتماً بلبنان اكثر من اهتمام بعض اللبنانيين بوطنهم. من هنا انبثق سعيه الحثيث الى بناء ثقافة سياسية نوعية في الداخل تخرج الحكم من عقلية السلطة الى نهج الدولة. فمع تركيزه على اهمية الشخص من حيث مناقبيته وكفاءته القيادية الوطنية المؤسسات برجالها ٢٣/١٢/٢٠٠٢ شدد على البرنامج وعلى تنفيذه، وشدد على طريقة الاداء. اللبناني كفر بتجاذبات اهل السياسة أثبت عصام فارس ان السجالات ليست بديلاً من معالجة الملفات الشائكة الاقتصادية والاجتماعية والمالية والانمائية والسياسية، بل على العكس، السجالات حول الشؤون الصغيرة تستنزف الجهود لتحقيق المنجزات الكبيرة واللبناني كفر بتجاذبات اهل السياسة فأطلق صرخته الشهيرة في العام ٢٠٠٣ معلناً لست راضياً عن الاجواء السائدة وفكرت في الاستقالة مراراً وان الوضع الاقتصادي والاجتماعي ليس في افضل حال لا سيما ان معظم دخل البلد يذهب لخدمة فائدة المديونية. جاءت هذه الصرخة بعد ان حذر في العام ٢٠٠٢ من انه لم يعد مقبولاً إضاعة الفرص واننا لسنا في أحسن احوالنا واعاد التحذير إذا لم يتغير النهج فان الهاوية تنتظرنا. في هذا الاتجاه عمل فارس على خطين: الخط الاول: محاسبة المسؤولين عن الماضي، فطالب بانشاء لجنة تحقيق دولية لكشف الهدر المالي، على ان يشمل التحقيق كامل انفاق الدولة الذي تجاوز ٩٠ الف مليار ل.ل. وليس الاربعين مليار دولار التي تمثل قيمة الدين العام فقط. الخط الثاني: ارساء اساس برنامج تنموي شامل ومترابط، فسعى الى بناء دولة تستبق الاحداث ولا تتفاجأ بها نابعة من مجتمع مدني: انا مسيحي مؤمن، ولكن من الداعين الى ان تعم في الشرق الاوسط المجتمعات المدنية. المطلوب عقلية حكم جديدة يحذّر عصام فارس، يصوّب، يقترح المعالجات وقت كان سواه يساجل ويهاتر. واذا بدا دوره كمن يصرخ في البرية حيناً، واذا نجح في القاء الاضواء على الاخطار التي تتهدد الدولة والوطن والمجتمع بسبب الأخطاء في السياسة فانزلقت البلاد الى الحرب والديون الاحتفال بوضع حجر الاساس لمعهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الاميركية ١٤/١٢/٢٠٠٤، فهو في كل الاحوال ما انتهى يوماً الى الكفر بالاصلاح بل بقي على اندفاعته مؤكداً ان الحلول لا تزال ممكنة ٢٦/٢/٢٠٠٤. لا يقر عصام فارس بالجدار المسدود بل يجتهد في كل اتجاه وفي كل الاتجاه لإرساء التعافي ناهجاً سبيلين متكاملين. الثورة على المهازل والالاعيب والمسرحيات والمحاصصات والصفقات والمحسوبيات بيان العزوف عن الانتخابات ٩/٥/٢٠٠٥. رأى عصام فارس ان الناس هم غير الزعامات: الناس طيبون، منفتحون، مبادرون حيث العيش اللبناني الواحد في المناطق والقرى والمدن هو غير تساجل الزعامات على كراسي السلطة. الناس يكدّون والعديد من الزعامات يكايدون. الناس يصبرون على إهمال السلطة لحاجاتهم او على تقصيرها عن تلبية هذه الحاجات الكهرباء، الماء، الطرقات، الصرف الصحي، المدارس، المراكز الطبية والصحية والاستشفائية، اللامركزية الادارية، تصريف المحاصيل الزراعية والمنتوجات الصناعية... بينما غير قليل من مسؤولي السلطة يعاقبون الناس اذا تأخروا عن دفع ما يتوجب عليهم ولو بسبب هذا الإهمال وهذا الحرمان. واكثر ما كان يضايقه هو ان يرى السمة الغالبة للسلطة هي ادارة الازمات في زمن الهدنات، وضبط الانهيار في زمن الانفجار. نادراً ما تمكن الحكم في لبنان من بناء المستقبل. التجاذبات بين الزعامات والدولة أدرك عصام فارس ان بناء الدولة يتطلب بناء المجتمع. لذلك ركز على بناء ثقافة سياسية نوعية تمحو العشائرية والعائلاتية اللتين تفاقمتا نتيجة التجاذب المتمادي بين الزعامات والدولة، وقدم نموذجاً للأداء مبني على القاعدة التالية: المسؤولية خدمة وليست جاهاً. كأن الزعامات والدولة تشكلان طرفي نقيض في معادلة واحدة. حتى تقوى الدولة يتقلص دور الزعامات، ولكي يقوى دور الزعامات لا بد من انحسار دور الدولة. في هذا الاطار يمكن للمواطن ان يفهم لماذا كل موضوع او كل ملف هو موضع سجال وصدام بين الزعامات. وفي هذا الاطار ايضاً ينكشف لماذا يغيب الحسم في اداء الدولة ويطفو التأجيل، والطريف أن يعدّ بعض المسؤولين التأجيل بطولة. وكما عندك عند سواك في العالم العربي. فالعالم العربي لم يبنِ الدولة خلال العقود الخمسة الاخيرة في الاخص: اذا تناوب الفكر السياسي العربي بين مد القوميين وتيار الدينيين فلا القوميون اعترفوا بالدولة الوطنية ككيان بل راحوا يبحثون عن الدولة القومية التي لم تر النور، ولا الاصوليون الدينيون اعترفوا بالدولة الوطنية او بالدولة القومية على انها مؤسسة. واللافت في سياق الاحداث المتلاحقة انه جرى ضرب السعي الى الوحدة القومية بأولوية الوحدة الوطنية. ثم جرى ضرب الوحدة الوطنية بالصراعات الدينية والمذهبية. فبعد هزيمة ١٩٦٧ ومع انطلاق السبعينات اخذ لبنان والعالم العربي ينتقلان من مقلب القومية والايديولوجيا الى مقلب الصراعات الدينية والمذهبية التي ادخلت المشرق العربي والاسلامي خصوصاً في مرحلة الفوضى النازفة: فاذا بلبنان ينشغل بحاله: وعى عصام فارس كما يقول مناف منصور في كتابه انه حين يفقد لبنان دوره يصبح ساحة مجرد ساحة لتصفية الحسابات والمصالح الاقليمية والدولية راجع تلاحق الاحداث من فتح لاند ١٩٦٩ وقبله ضرب مطار بيروت ١٩٦٨، الى حرب السنتين ١٩٧٥ - ١٩٧٦ الى الاجتياح الاسرائيلي ١٩٨٢، الى حروب التهجير في الجبل والمناطق بين ١٩٨٤ و١٩٨٦ مروراً بالحروب الاسرائيلية على لبنان اخرها حرب تموز ٢٠٠٦