قدم منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد امس قراءة نقدية او "مضبطة اتهام" في مسار حركة 14 آذار وقواها الحزبية على مدى السنين الخمس الماضية، بلغة تجمع بين مفردات اليسار التقليدية وتلك المستخدمة دورياً في السياسة المحلية. وعملية "النقد الذاتي" هذه تحمل الكثير من المعاني والعبر، وفيها اضاءة من وجهة نظره على مكامن النجاح والخطأ في تحرك 14 آذار وما اذا كانت تهورت في قراراتها ام اساءت قراءة التحولات المحلية والاقليمية حيال سوريا ولبنان.
تحدث سعيد امام حشد من المهتمين بدعوة من مركز عصام فارس الذي دأب على تنظيم لقاءات حوارية وندوات متخصصة في الشؤون اللبنانية. وبعد تقديم لمدير المركز السفير عبدالله بو حبيب، استهل سعيد بالسؤال: "لماذا لم ينجح اللبنانيون في إدارة شؤونهم بأنفسهم بعد عام 2005، رغم الإنسحاب العسكري السوري؟". ورأى "ان المسؤولية تتحملها الحركة الإستقلالية نفسها (قوى 14 آذار)، الحركة المضادة (قوى 8 آذار) والتعقيدات الإقليمية والدولية المستجدّة بعد الإنسحاب السوري". وشدد على مسؤولية 14 آذار، "لئلا يبدو توزيع المسؤولية ضرباً من التنصَل".
في تقديره "أن إستقلال 2005 كان نتيجة للخيار الذي اتخذه البطريرك الماروني بين 1990 و 2005، ويختصر بأولويةُ نَسج التضامن الداخلي المؤدي حتماً إلى الإستقلال، على خلاف اطروحة "تحالف الاقليات".
وشرح "أن رؤية البطريرك قامت على معادلة: التفاهم الاسلامي – المسيحي القادر على تحقيق الاستقلال". وأشار الى "قوى وشخصيات ساهمت في تحقيق الاستقلال منها الإمام محمد مهدي شمس الدين الذي دعم اتفاق الطائف وقيام الدولة على أساسه، بوصفه إتفاقاً نموذجياً، بعد فترة من التردُّد، نظر فيها شمس الدين ومعظم القيادات الشيعية إلى هذا الإتفاق على أنه "إتفاق الضرورة لا الإختيار (...)".
التضامن حقق الانسحاب
واعتبر "أن ثمة عوامل اجتمعت وتضافرت عام 2005 لتحقق الإنسحاب العسكري السوري من لبنان، هي: التضامن المسيحي – الإسلامي، إذ تحالف تيار الخيار التاريخي للكنيسة المارونية الذي اعلنته او اشارت اليه نصوص المجمع البطريركي الماروني الصادرة عن كرسي بكركي في أيار 2006، لا سيما فصل "الكنيسة والسياسة". أما الجانب الإسلامي فتمثّل آنذاك بالتيارين الغالبين في الجماعتين السنية والدرزية، وهما "المستقبل" و التقدمي الإشتراكي. وغاب الإستقلاليون الشيعة عن "الصورة التمثيلية الطوائفية" ولكنهم حضروا بالتأكيد في صورة الرأي العام الإستقلالي الذي نزل الى الساحة في 14 آذار 2005. وان غياب الإستقلاليين الشيعة كان مردّهُ إلى عدم تشكُّلِهم آنذاك في حركة سياسية منظمة واحتكار "أمل" و"حزب ألله" للشيعية السياسية بعد الطائف، بدعم من النظامين السوري والإيراني".
وعن قرار مجلس الأمن رقم 1559، قال انه "يعود الى الاعتبارات الاستراتيجية لدى الإدارة الأميركية التي أجازت بالتفاهم مع إسرائيل، للنظام السوري أن يعبث بالشؤون اللبنانية مدة ثلاثة عقود، وقرّرت أخيراً خروج القوات السورية من لبنان. وان الزعم أن استقلال 2005 بضاعةٌ صُنِعَت خارج لبنان باطل، إذ لولا المبادرة اللبنانية والجذور النضالية الممتدة على 15 سنة لكان أُسقِطَ في يد العامل الدولي، لأنه ما كان ليستطيع إنفاذ القرار 1559 إلا بالأسلوب الدموي العراقي عام 2003".
واعتبر "ان شعب الإستقلال، فرض نفسه على المجتمع الدولي شريكاً مرموقاً". ولاحظ "أن 14 آذار قصَّرت في استخدام عناصر قوتها الثلاثة، التضامن الإسلامي المسيحي، والرأي العام الاستقلالي، والموقف الدولي والعربي المساند، وفرَّطت بها أحياناً، فسعت تالياً الى مأزقها الذي تجلّى، أكثر ما تجلّى، في الفترة الواقعة بين "غزوة بيروت" في 7 أيار 2008 والإنتخابات النيابية الأخيرة 7 حزيران ".
ولفت الى "ان النظام السوري استغل التقارب مع السعودية للقول ان حكاية 14 آذار قد انتهت فصولاً، وما عليكم سوى التكيُّف مع التفويض الجديد الذي حصلت عليه القيادة السورية من النظام العربي في إطار المصالحات الأخوية". أما "التكيُّف" المطلوب، وفقاً لتصريحات أعيان 8 آذار وما نُقِلَ من "نصائح" عن الرئيس السوري نفسه، فهو أن يبتعد سعد الحريري عن حلفائه المسيحيين الذين ما زالوا يكرزون بالسيادة ويعترضون على سلاح "حزب الله" خارج الدولة".
"صحة مقبولة"
وأكد "ان حركة 14 آذار في صحة مقبولة، وإن لم تكن على ما يرام، فالتضامن الإسلامي - المسيحي، رغم انسحاب وليد جنبلاط منه ما زال متوافراً بدرجة يُعتدُّ بها، بفضل استمرار التفاهم العميق بين تيارين اساسيين: هما تيار الخيار التاريخي للكنيسة المارونية و"تيار المستقبل". كما ان الرأي العام الاستقلالي، ما زال على ثباته وحيويته بدليل الانتخابات النقابية والجامعية". ورأى "ان لذكرى 14 شباط هذه السنة قيمة إستثنائية في مجال التعبير عن استمرار التضامن المسيحي-الإسلامي، مجسّداً في الرأي العام الاستقلالي المختلط". وحذّر من التهاون أو التردّد في الدعوة الى هذا التعبير الذي يلخّصه قسم جبران تويني في ساحة الشهداء. كما ان الدعم الدولي والعربي لاستقلال لبنان ما زال قائماً بالدرجة الكافية". واعتبر سعيد "أن التفاهم السوري – السعودي ما زال قيد "الاختبار" في حين تبدي غالبية القوى المؤثرة حذراً من الجانب السوري". وحضّ 14 آذار على "أن تبقى على حذرها الشديد من خطر عودة النفوذ السوري الى لبنان من بوابة "المساعي الحميدة".