أخبار ونشاطات مختلفة
PrintEmail This Page
كتب المحلل السياسي في الأنوار: عصام فارس يفتقد البلد حضوره
21 آذار 2010

عصام فارس
يفتقد البلد حضوره

كتب المحلل السياسي:


يُفتَقدْ هذه الأيام نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس، هذا العصامي الذي تبوأ أعلى منصب يمكن أن يبلغه أرثوذكسي في هذا النظام، لكنه من السياسيين القلائل الذي يعطيه غيابه عن الوطن المزيد من حضوره فيه، ففي كلِّ مفصل سياسي واستحقاق وطني، يُقال:
(لو ان عصام فارس كان موجوداً).

* * *
خمسةُ أعوام مرت على غيابه القسري والطوعي عن أرض الوطن، ولو شاء أن يكون موجوداً لكان تبوأ أعلى المناصب بالمبايعة من دون أن ينتظر صناديق الإقتراع أو الإستشارات.
في الإنتخابات النيابية في العام 2005، قرر الإنسحاب من الحياة النيابية، ولم تشفع المناشدات في ثنيه عن هذا القرار، علماً لو انه رضي بالمناشدات لكان ترأس اللائحة في الشمال أيّاً يكن القانون الإنتخابي.
في الإنتخابات الأخيرة، في حزيران من العام الماضي، تكررت المحاولة وتكررت المناشدات لم يبقَ قُطبٌ إلا وزاره، لكن قراره لم يكن من نوع (قرارات المناورة)، كان يشكر كل مَن يزوره لكنه لم يكن يتجاوب مع المناشدات، وله أسبابه.

عند تشكيل الحكومة الأخيرة تكررت المحاولة، ولو انه قبل لكان (الوزير الملك) الذي يُحسَب على الجميع ولا يُحسب على أحدٍ في آن معاً ولعله من السياسيين النادرين الذي أمضى عقداً من الزمن في موقع المسؤولية من دون أن يكون له خصمٌ واحد.

* * *
بعدما تسلَّم كتابي (أيام على غيابِهِ)، بادر مشكوراً إلى الإتصال بي وتهنئتي وتشجيعي، وقال كلاماً كبيراً، يشبهه، عن الروابط العائلية التي تربطه بمنزل سعيد فريحه، قدّرتُ كلامه وأكبرتُ فيه هذه الروح وانتقلتُ فوراً الى السياسة وقلت له:
إشتاق إليك البلد?
شعرتُ بغصته على الهاتف لكنه تغلّب عليها وقال:
كلُّ مَن في الوطن فيه الخير والبركة، المهم أن يعرفوا كيف يحافظوا عليه لأنه بمثابة الحفاظ على المقدَّسات، لا يستحق وطننا منا سوى المزيد من العطاء، فمفهوم الوطنية ليس أن نفكر ماذا يُعطينا الوطن?
بل ماذا نُعطيه، ويتابع:
لبنان في عقلي وقلبي ولم أبخل عليه بشيء، وكل ما أستطيع أن اقدِّمه إليه لن أتردد لحظة في تقديمه، لكن الإنخراط في العمل السياسي من خلال الكراسي والمواقع والمناصب ليس وارداً عندي في الوقت الراهن، فلنُعطِ الفرص للجيل الجديد ولنقف إلى جانبه، ان مسؤوليات الأوطان من مسؤولية الأجيال، نحن عملنا وتحملنا المسؤوليات بكل ضمير حي وبكل شفافية ونترك للتاريخ أن ينصفنا ويحكم علينا، ليس لي أعداء أو خصوم بل أصدقاء، ولعله الأثر الوحيد المحبَّب إلى قلبي.

* * *
تأثرتُ كثيراً بكلامه، وعادت بي الذاكرة إلى حين كان نائباً لرئيس الحكومة حيث ضرب الرقم القياسي في ترؤس اللجان الوزارية، ولم يكن يتسلم ملفاً إلا وكان يُنجزه، كان رافعة العهد والسلطة التنفيذية، وامتدت أعماله الخدماتية على مستوى الوطن ولم تقتصر على منطقته. ولعله العلامة الفارقة الوحيدة تقريباً في العهد الماضي.

* * *
عصام فارس يفتقده البلد، وأصدقاؤه يشعرون بنقصٍ كبير بسبب غيابه عن الوطن.