لا يزال "مركز عصام فارس" يسعى الى الاجابة عن السؤال الصعب الذي طرحه الرئيس الراحل الياس سركيس : "ماذا تريد سوريا من لبنان؟". ورغم صعوبة الاجابة، يصر المركز على هذا السؤال ومحاولة اكتشاف الرغبة السورية في لبنان. فبعد محاضرة عن الموضوع تحدث فيها الوزير السابق كريم بقرادوني الخبير في العلاقات اللبنانية – السورية، والنائب السابق فارس سعيد صاحب التجربة المرة في هذه العلاقة، كان امس الموعد مع محاضرة عن الموضوع من وجهة نظر سورية بحتة للدكاترة سمير التقي رئيس مركز "الشرق للدراسات الدولية" في دمشق وسمير سعيفان الخبير الاقتصادي السوري واحد مهندسي مشروع الشراكة الاوروبية – السورية وصانعي خطوطها البارزة. وجهدا في تقديم قراءة تبرز اهمية التكامل بين لبنان وسوريا وفي تقديم نماذج "كانت ناجحة في التكاملية مثل الاتحاد الاوروبي وتجربة الاورو". ل
كن الباحثين السوريين الضليعين في الشأن الاقتصادي وفي تدوير الزوايا لم يتطرقا الى مسائل جوهرية تتصل بالاختلاف في بنية النظامين السياسيين في سوريا ولبنان وجوهرهما الديموقراطي التعددي في لبنان والاحادي الحزبي في سوريا، رغم اقرار سعيفان بالليبرالية التي يتمتع بها الاقتصاد اللبناني على نقيض زميله تقي الذي عاد الى نظرية الوحدة السورية ربما لتبرير سياسة دولته في لبنان.
وفي المحصلة يبدو جلياً ان الباحثين السوريين لا يزالان اسيري نظرة "المؤتمر السوري العام" في النظرة الى لبنان ككيان منفصل عن سوريا بنتيجة اتفاق سايكس – بيكو وضرورة عودته الى سوريا تحت شعار التكامل والوحدة الاقتصادية.
مدير المركز السفير عبدالله بو حبيب قدم المحاضرين، مشدداً للمرة الالف ربما على اهمية معالجة العلاقات بين لبنان وسوريا في جهد مشترك بين الجانبين. وحاول تبسيط الخلاف على الحدود المشتركة بين البلدين بالقول ان ثمة خلافات مشابهة بين غالبية الدول المتجاورة وان الامر سيبقى موجوداً دائماً, وخلص الى "ان سوريا ولبنان محكومان بحل الملفات العالقة وفتح صفحة جديدة ضمن اطر مؤسساتية"، ليعود الى استحضار النموذج الاوروبي، او ما قال انه المجلس "الاعلى للتعاون بين فرنسا والمانيا" الذي لم يوضح آلية عمله ولا ظروف تشكيله وما اذا كان قائما بعد، ومدى تمايزه عن العلاقات الديبلوماسية بين البلدين واطر الاتحاد الاوروبي المعتمدة.
واعتبر التقي بداية ان "بعض الاخوة اللبنانيين الذين يزورون دمشق لا يكلفون انفسهم عناء قراءة الفكر السياسي السوري ولا الاطلاع على النقاش السياسي الدائر في العاصمة السورية"، دون ان يوضح ماهية هذا النقاش. وانطلق من نظرية سوريا الطبيعية معتبراً ان "المشكلة التي واجهت كل من اراد بناء الدولة السورية تمثلت في تعزيز بناء الدولة المركزية"، ورأى ان "سوريا الدولة تطورت على انها الوارثة لسورية الطبيعية". واضاف ان "سوريا الدولة منذ ولادتها تعيش هاجساً رئيسياً يتمثل في حفظ سيادتها وهويتها حتى، لا تكون ساحة. وشرح ان بلاده تنظر الى الوضع الاقليمي من منظار جديد يستند الى مقولة ان الشرق الاوسط اصبح بؤرة الصراع العالمي وركيزته".
ولاحظ ان لسوريا مصلحة في التحالف الاقليمي وتعزيز عوامل التكامل الاقتصادي لزيادة ما وصفه بانه "قيمة سوريا المضافة في الصراع الدولي". وعن موقع لبنان في هذه الاستراتيجية السورية، قال ان لسوريا مصلحة في ان يكون لبنان دولة حقيقية وان منطق قوة لبنان في ضعفه يكشف خاصرة سوريا، كما ان قيام دولة طائفية في العراق امر خطير جداً". واشار الى ان للعاصمة السورية "مصلحة في ان يتفق اللبنانيون على رؤيتهم للمصلحة الوطنية العليا، مما يسمح للسوريين بان يتعاملوا مع لبنان كدولة سيدة. واعتبر ان ثمة مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين "فيها الكثير من الاحكام المسبقة"، ليركز على الاهمية التي تعلقها سوريا على تعزيز منطق الدولة "اضافة الى تعزيز المقاومة في لبنان"، على ما قال.
وانطلق سعيفان بطريقة تشبه طريقة زميله التقي، مشددا على الترابط الجغرافي و"ان سورية ولبنان والاردن وفلسطين بلد واحد مزقته سايكس بيكو. وان العلاقة بين لبنان وسوريا مثل الزواج الماروني لا فكاك فيه، ما ربطه الله في السماء لا يفكه انسان على الارض". وخاض سعيفان الخبير الاقتصادي في مقارنة بين اقتصادي لبنان وسوريا" حيث اصبح لبنان البوابة الخلفية لسوريا "بعدما جرى ضرب القطاع الخاص وسيطرة الدولة على الحياة الاقتصادية وتوجيهها بتخطيط مركزي في سوريا قديما".
واعتبر ان ترجمة الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين لبنان وسوريا بموجب معاهدة "الاخوة والتعاون والتنسيق" بقيت محدودة، "ولو تم تنفيذ ذلك لكانت المنافع اكبر، دون ان يتطرق الى اوجه الخلل في هذه الاتفاقات التي كانت موضوع بحث وشكوى. وشرح ان الاقتصاد السوري يقوم اساساً على قطاعات اقتصاد انتاجية حيث تشكل الزراعة والصناعة نحو نصف الناتج، بينما يقوم اقتصاد لبنان على الخدمات ويتمتع بجاذبية اكبر للاستثمارات. وقد احتل لبنان المرتبة 99 بين دول العالم الجاذبة للاستثمارات في حين احتلت سوريا المرتبة 137 (...).
واشار الى ان الاقتصادين السوري واللبناني متباينان، "اذ يعاني لبنان ليبيرالية مفرطة، في حين تتميز سوريا بقوة الدولة وسيطرتها على قطاع الاعمال، رغم التداخل الذي بدا بالظهور بقوة اكبر". ولفت الى ان هذا التباين بين لبنان وسوريا "أخذ يتقلص بعد توجه سوريا نحو اقتصاد السوق الرأسمالي، وهو فرصة للتكامل بين الدولتين وخصوصاً في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة والمقاولات والسياحة والمصارف وغيرها (...)". وحض على تطوير امكانات التعاون واعادة النظر في الاتفاقات الاقتصادية بين البلدين وتطويرها لتؤدي الى مرحلة جديدة والى قيام حوار اقتصادي منظم يغطي جميع المجالات وتطوير بيئة حاضنة لهذا الامر". وفي رأيه ان الافضل ان "ندع الاقتصاد يقود السياسة".
بيار عطاالله