ميشال إده يختتم محاضرات «مركز فارس» لهذا العام: صعود الإسلام عالمياً يجعل الصيغة اللبنانية نموذجاً فريداً
السفير- غراسيا بيطار
منذ مدة لم يطل ميشال إده على محبيه. والشوق انعكس ليس فقط في الكلمات التي قيلت فيه وإنما في توجه الحضور الى من رأوا فيه «أبو دومورونويي» أي «أب الموارنة» أو «البطريرك المدني».
لم يبخل إده في رد التحية فكان أن كرر أكثر من مرة وبحدة وبضرب حاسم على طاولة مركز عصام فارس: «سامحوني ولكن هذا هو إيماني... العيش المشترك هو ركيزة الصيغة اللبنانية. علي أن أعرف كيف أعيش مع المسلم خصوصا أن الألفية الثالثة تشهد صعودا لدور الإسلام عالميا والنموذج الذي يقدمه لبنان في العيش المشترك لا مثيل له في كل العالم». لكن، «مستر ليبانون»، على ما وصفه مستشار المركز رغيد الصلح، دعا كذلك الى «دولة الحق حيث المساءلة والمحاسبة»، مردفا «لا يمكنك أن تُدخل أحدا الى السجن اليوم في هذا البلد». وعندما قيل له «لنغيّر إذا الصيغة لأنها باتت جامدة نظرا لتطور الظروف»، أجاب بالتركيز على النقطة الأساس في المحاضرة التي ألقاها في مسك ختام محاضرات المركز لهذا العام في حضور حشد من الشخصيات: «حتى لو أردت تغيير الصيغة فأنت تحتاج الى قانون انتخاب أساس وحيوي». فسمع من الحضور من قال «إن القصة طويلة».
وبعد ترحيب من مدير المركز السفير عبد الله بو حبيب، حظي إده بتقديمين: الأول من رغيد الصلح الذي وصفه بأنه «افضل رئيس للبنان لم يسعفنا الحظ بدخوله قصر بعبدا» وبأنه «المحامي الذي يستطيع إنقاذ أعتى المجرمين من السجن فكيف إذا كان المتهم اليوم هي الصيغة اللبنانية». والثاني لرئيس إتحاد الرابطات السريانية حبيب إفرام الذي رأى أن إده كان رئيس ظل للجمهوريتين الاولى والثانية، مضيفاً ان إده هو «ميثاق وطني وكاريتاس ورابطة مارونية وموسوعة متنقلة وحده».
وقبل أن يقرأ كلمة مطبوعة، استذكر إده معرفته بالسفير بو حبيب فاستعجله الزميل إدمون صعب ممازحا «نحن ناطرينك لكي تبدأ بالكلام». فبدأ الوزير الذي بدت عليه لمسات العمر بقراءة الورقة والتاريخ، داعيا الى التبصّر الرصين بخصوصيتنا المجتمعية والكيانية بدل جلدها واستسهال إصدار الأحكام بإعدامها، مشيراً إلى أن عدم التجانس دينياً في لبنان هو في أساس تكوينه اجتماعاً وبلداً، وديموقراطيته تتجلّى بمدى استجابته، بنظامه التمثيلي، لوقائع عدم التجانس هذا.
وقال إن هذه الديموقراطية مختلفة عن الديموقراطيات في بلدان الغرب مثل فرنسا القائمة على العلمنة الكاملة، ومختلفة أيضاً عن الأنظمة السياسية العربية نظراً إلى أن دستور لبنان لا ينصّ على دين معيّن للدولة. وشدد على ان لبنان غير المتجانس دينياً، يؤكّد بتجربته، أنّ اعتماد النظام الأكثري إنّما يؤدّي الى تهميش وإلغاء الأقليات الدينية. وهذا يفقده الطابع الديموقراطي المبني أصلاً على الحقّ في الاختلاف واحترام الآخر، وقبوله باختلافه، لافتاً الى ان النظام الأكثري تمثيل غير ديموقراطي في المجتمع غير المتجانس.
ورأى إده أنه لا يصحّ رد أسباب الأحداث والمحن التي شهدها لبنان إلى الصيغة بل إلى اعتماد سياسة الاستقواء بالخارج، وشدّد على «ضرورة إيجاد قانون انتخابي مبني على الانتخاب الفردي لكسر المحادل وتأمين أكبر قدر من المشاركة»، لافتاً الانتباه إلى أن القانون الإنتخابي الحالي الذي يسهّل قيام المحادل ويختزل مجلس النوّاب بأربعة أو خمسة نوّاب يسهّل المحاصصة والفساد ويعيق الديموقراطية وعمل النظام والمراقبة والمحاسبة، ويسيء إلى سمعة النظام اللبناني الذي هو أصلاً وفي الأساس نموذج ديموقراطي رفيع.
وسأل إده: كيف يعقل أن يُطالب اللبنانيون بالتخلّي، طوعاً أو كرهاً، عن صيغتهم المجتمعية بالتنوّع والعيش المشترك، فيقدمون لإسرائيل بذلك أقوى برهان على دعواها باستحالة قيام وبقاء دولة في هذه المنطقة على قيد الحياة على أساس التنوّع وليس الأحادية ؟ وأكّد ضرورة قيام قراءة نقدية بصورة متواصلة لكل ما تلحقه الممارسة بروحية هذه التجربة الفريدة من شوائب وأخطاء، مشدّداً على أهمية دولة الحق التي تصحّح بآلياتها الدستورية والقانونية بصورة دائمة هذه الممارسات والاخطاء والمخالفات والارتكابات، والفساد بمظاهره كافة.
ولفت إدّه النظر إلى أن البلدان الغربية فشلت في الإستيعاب الإندماجي للوافدين المسلمين، وبدل أن تسعى إلى صوغ حل يقوم على الحق في الإختلاف وقبول الآخر المختلف واحترامه والعيش معه، فإذا بها تشهد نمواً متسارعاً لنزعة العداء للمسلمين، معتبراً أن لا مفرّ أمام هذه البلدان من أن تتمتّع المجموعات المختلفة فيها بالتمثيل السياسي الكامل. وقال إن على البلدان والمجتمعات كافةً ان تنطلق فعلاً، في جبه هذا النوع الجديد من التحديات، من مبدأ الاعتراف بالحق في الاختلاف واحترام الآخر وقبوله باختلافه. وهو ما يلزم فعلاً بالتعامل مع مواطني البلدان والمجتمعات وساكنيها، على أساس المساواة في الحقوق والواجبات. فلا تمييز ولا تفضيل، ولا نبذ وتهميش لفئة من قبل أخرى بصرف النظر عن العدد.
ودعا السياسيين إلى الحكمة وعدم استصغار الاختبار والتجربة اللبنانيين، مشدّداً على أن «النظام العلماني وأحد وجوهه إلغاء الطائفية السياسية والاحتكام إلى العدد والأكثرية، في مجتمع غير متجانس، يعني في الممارسة الملموسة إلغاء الآخر ليس إلا».