"الديموقراطية في العالم العربي بعد مصر" في مركز فارس: عودة المثلث العربي... تمهيداً لمثلث مصري تركي إيراني
غراسيا بيطار
بدت مصر الثائرة، في ندوة مركز عصام فارس، مثل «الإبن العربي الضال» الذي عاد من «غربة» على أيدي الثوار. فجاءت مداخلة كل من الوزير السابق كريم بقرادوني ورئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة د.مصطفى اللباد، تفخر بالثورة المصرية وترسم طلائع عودة الدور المصري على الخريطة العربية. وبينما لفت بقرادوني الانتباه إلى ربيع خصب بالمتغيرات العربية، شدد اللباد على أن لا دور مصريا في المشرق من دون سوريا، مستبعدا أي دور للإخوان المسلمين في مصر. لتصب الكلمات في ثابتة وردت في تقديم السفير عبد الله بو حبيب ومداخلة المستشار رغيد الصلح وهي أن ثورة مصر غيرت الفكر الغربي عن ان الديموقراطية غير ممكنة في العالم العربي».
بقرادوني أكد أن العالم العربي هو على «مشارف ربيع الديموقراطية وأن الثورة المصرية نجحت لكنها لم تصل إلى خواتيمها بعد»، مشيرا الى أن «اي حاكم مصري او عربي لن يجرؤ بعد اليوم على اعادة ترشيح نفسه لاكثر من مرة أو مرتين وعلى مجرد التفكير بتوريث ابنه أو السماح لعائلته بالإثراء غير المشروع».
وأورد بقرادوني خمس إنجازات للثورة المصرية أبرزها أن الثورة ليس لها قائد وأن ما من حصانة لحكمٍ فاسدٍ وظالم مشيراً إلى ثورات الجزائر واليمن والبحرين وليبيا، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي العزوف عن الترشح لهذا المنصب مرة أخرى وبدأ العراقيون ايضاً يسألون عن حقوقهم ونفطهم ومائهم. وقال إن التأثيرات الخارجية لهذه الثورة ستشمل فك الحصار عن غزة وفتح بوابة رفح، واعادة النظر بعلاقات مصر العربية لا سيما مع سوريا.
وتوقع بقرادوني أن يعيد الحكم المصري الجديد النظر بالسياسة المصرية تجاه لبنان التي تراجعت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى الاكتفاء بالاهتمام بالسنة لا بل بفريق من السنّة، ليشمل الدور المصري الجديد كل مكونات لبنان، في موازاة عودة مصر الى لعب دورها المحوري في العالم العربي.
مصطفى اللبّاد، من جهته، رأى أن ما نفّذ من أهداف الثورة هو سقوط الرئيس الذي كان يستحوذ على 73 في المئة من صلاحيات النظام السياسي المصري لوحده، لكن هياكل النظام ما زالت قائمة وأن رئيس الوزراء الذي عيّنه الرئيس المخلوع ما زال يدير الحكومة الإنتقالية، وأجهزة الدولة كافة ما زالت كما كانت، مشيراً إلى أن تعديل الدستور غير كاف دون ضمان حرية تكوين الأحزاب وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة.
وعن دور الإخوان المسلمين في المرحلة المقبلة، اعتبر أن فرصة وصولهم إلى الحكم مباشرة في السنوات الخمس المقبلة غير قائمة رغم أن لديهم قيادة موحّدة وعقل سياسي، لافتاً النظر إلى أن أمر التحالف مطروح وممكن بين «الأخوان» والمؤسسة العسكرية لأن في ذلك مصلحة للطرفين حالياً، وأن هدفهم الإنتقالي بما يتعلّق برئاسة الجمهورية لا يتعدّى دعم مرشّح يضمنون أنه لن يواجههم في حال وصوله إلى الرئاسة. وفي ارتدادات الثورة على سياسة مصر الخارجية، قال إنه بعد ترتيب الأوضاع الداخلية، ستعود مصر للعب دور إقليمي، ليس تحت الغطاء الأميركي، ولكن دون التصادم مع الولايات المتحدة.
وفي هذا الإطار، رأى أن القاهرة لن تلغي معاهدة كامب دايفيد حالياً، دون أن يستبعد أن تؤدي موازين القوى الجديدة في المستقبل إلى إلغائها، لافتاً في المقابل إلى أن مصر لن تعود عمقاً استراتيجيا لإسرائيل. وقال إن نظام مبارك أعطى إسرائيل أكثر بكثير مما نصّت عليه المعاهدة فهو مثلا ورّد الغاز إلى تل أبيب بربع أسعاره العالميّة.
وإذ رجح اللباد أن تكون سياسة مصر تجاه لبنان في المستقبل متوازنة، أكّد أن دروس التاريخ والجفرافيا حكمت بأنه لا يمكن لمصر أن تلعب دوراً في المشرق من دون سوريا، مشيراً إلى احتمال قوي بعودة الحلف الاستراتيجي بين البلدين. وقال إن عودة الرقم العربي إلى المعادلة الإقليمية يتطلّب عودة التفاهم المصري ـ السوري ـ السعودي، وإن مصر هي الدولة الأكثر تأهيلاً لإطفاء الحريق المذهبي في المنطقة. وتحدّث اللبّاد عن هذا المثّلث العربي الذي يرجّح أن تقوده مصر في المستقبل في إطار مثلّث أكبر هو مثلّث القاهرة ـ أنقرة ـ طهران، داعيا إلى تحسين العلاقة مع طهران وتضييق مساحة الصدام وتعزيز التعاون رغم واقع أن عودة مصر سيقلّص النفوذ الإيراني.