مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة
PrintEmail This Page
الندوة اللبنانية ـ 2011: مركز عصام فارس، بقلم غسان سعود
27 تموز 2011


27-07-2011 الاخبار

غسان سعود
في مطلع كل أسبوع، منذ نحو أربع سنوات، يصل بريد إلكتروني يحمل دعوة من «مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية» إلى «ندوة حوارية». ولاحقاً يتصل الداعي ليتأكد من وصول الدعوة ويحث على الحضور. تتنوع عناوين الندوات: مرة عن «فرص التعددية في الطوائف الإسلامية» ومرة عن «متطلبات التعايش في الجبل»، مرة عن «دور رئاسة الجمهورية ودستور الطائف» ومرة عن «ولاية الفقيه». مرة كل أربعة أشهر هو مؤتمر يعرض مختلف وجهات النظر بشأن قضية أساسية، ومرة كل أسبوع هو لقاء سريع يناقش حدثاً سياسياً. والضيوف متعددون: صحافيون كثر مرّوا من هنا، سفراء أجانب حاليون وسابقون، نواب مثل آلان عون وسامي الجميّل وأكرم شهيب وأنطوان زهرا وإبراهيم كنعان وعلي فياض وغيرهم، وسياسيون مثل محمد عبيد ونواف كبارة وبهيج طبارة وعبد المجيد الرافعي وجوزف أبو خليل وآخرين.

أما الحضور فيتوزع بين بضعة أكاديميين، بضعة سياسيين وبعض الصحافيين، إضافة إلى مدير المركز السفير السابق عبد الله بو حبيب ونحو عشرة موظفين يؤلفون كل فريق العمل في المركز.

لمن تجاوز السبعين عاماً لا يمكن أن يكون في ندوة كهذه من دون استحضار «الندوة اللبنانية» التي أسسها ميشال أسمر عام 1946. فالأفكار التي بلورها ميشال شيحا وجواد بولس وكمال جنبلاط وموريس الجميّل وكمال الحاج وغيرهم على منبر أسمر، لا تزال هي الأساس في انقسامات اللبنانيين رغم مرور أكثر من أربعين عاماً على إقفال تلك «الندوة» أبوابها، ونحو عشرين عاماً على آخر إصدارات مؤسسها. من دور «الكيان» في الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، إلى واجبات اللبنانيين في الدفاع عن أرضهم، مروراً بمكانة رئاسة الجمهورية والإصلاحات الضرورية للنهوض بالوطن. «من ميشال شيحا إلى آلان عون ومن كمال جنبلاط إلى أكرم شهيب» كان يمكن تسمية الندوة التي جمعت عون وشهيب تحت عنوان «متطلبات التعايش في الجبل». مع العلم بأن التفكير في «الندوة» بحضرة «المركز» يثير حزن من اختبر التجربتين، نتيجة للمسافة الشاسعة بين:

أولاً، الدور الذي أدته «الندوة» في أيامها ودور «المركز» اليوم، أو تأثير كل منهما في بناء الرأي العام، مع الأخذ في الاعتبار أن تواضع القدرات الإعلامية في تلك المرحلة كان يجعل من لقاءات «الندوة» حدثاً سياسياً كبيراً، فيما تجعل كثافة البرامج الإعلامية الحوارية اليوم من اجتماعات «المركز» أمراً عادياً.

ثانياً، ضيوف «الندوة» الذين كانوا يخترعون أفكارهم ويكتبون خطاباتهم بأنفسهم ويتنافسون بالخطابة والإلقاء، وضيوف «المركز» ومعظمهم يقتبس عمّن سبقه ويدفع لمن يكتب عنه ولا يعير آذان السامعين أي اعتبار. وهي المسافة نفسها تقريباً بين كل من موريس الجميّل وسامي الجميّل، جواد بولس وأنطوان زهرا، كمال جنبلاط ووائل أبو فاعور.

ثالثاً جمهور «الندوة» وجمهور «المركز».

ورابعاً خلفية الاهتمام الإعلامي الثقافية والسياسية بأعمال «الندوة» وخلفية الاهتمام الإعلامي المادية بأعمال «المركز».
رغم ذلك، يمثّل «المركز» متنفساً سياسياً، ولا سيما أن الحياة السياسية والحزبية اللبنانية تفتقر إلى قاعة كهذه، يمكن فيها تبادل وجهات النظر من دون أن يطرد المحازب من حزبه أو أن يخون أحد الحاضرين الآخر. فحزبياً كان يمكن رؤية «المركز» في السنوات الأربع الماضية يتحول في بعض ندواته إلى مكتب حزبيّ حقيقي يلجأ إليه بعض الحزبيين (ولا سيما العونيون والقوات والكتائب) لسؤال مسؤوليهم عن خياراتهم السياسية ومناقشاتهم في الإدارة الأحادية لحزبهم المشترك، نتيجة غياب النقاشات الطبيعية داخل الأحزاب بين القاعدة والقيادة. وعبرت بعض اللقاءات في «المركز» عن شوق حقيقي لدى بعض الناشطين الحزبيين إلى إشراك مسؤوليهم بوجهات نظرهم، وأظهرت كذلك افتقار الأحزاب إلى أي شكل من أشكال النقاشات الداخلية، سواء في القضايا التنظيمية أو السياسية أو غيرها.

مناطقياً، تحول «المركز»، ولا سيما عند استقباله نواباً متنيين وبعبداويين، إلى قاعة مساءلة للنواب عن المشاريع الإنمائية من مناطقهم، وفاعلية دورهم الرقابي وأهم التشريعات التي يعدونها. وهنا أيضاً كان واضحاً أن الناخب في مختلف المناطق اللبنانية يفتقر إلى الإطار الذي يناقش فيه ممثله في المجلس النيابي، فيسائله ويلفت نظره إلى السلبيات والإيجابيات في عمله، بعيداً عن مبدأ «المحاسبة كل أربع سنوات في صناديق الاقتراع».

أما سياسياً، فقد نجح «المركز» في جمع المتناقضين سياسياً على طاولة واحدة، من دون جهد رئيس الجمهورية ومناورات رئيس المجلس النيابي. وبدا في بعض الجلسات من هذا النوع أن تعداد نقاط الالتقاء يسهم جدياً في تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين سياسياً حتى في نقاط الافتراق، في ظل حرص «المركز» على أن يكون مكاناً لتبادل الأفكار وليس مركزاً للدراسات التي تأتي جاهزة كأنها معلبة. وتبين في هذا السياق أن تبادل السياسيين للأفكار بعفوية تفتقدها الإطلالات الإعلامية المحكومة بالاستعراض، هو أمر ممكن. وبالتالي، بغض النظر عن فشله أو نجاحه، تمكن «المركز» من التأكيد أن خروج الحياة السياسية من «الكشفية» و«العشوات» و«الخواء الفكري» ممكن.

في النتيجة منذ انطلاقة مركز فارس عام 2007، تفعّلت عدة مراكز، مثل منتدى الفكر التقدمي ورابطة أصدقاء كمال جنبلاط، ولجنة الدراسات في التيار الوطني الحر، والجامعة الشعبية في القوات اللبنانية، ومنتدى بيار أمين الجميّل الثقافي في حزب الكتائب ومنتدى مؤسسة الإمام الحكيم. وبات نادراً أن يرفض أحد السياسيين أو الدبلوماسيين دعوة «المركز» إلى لقاء، لكن عدوى الحوار الهادئ الذي يحاول أن يُنتج، لم تنتقل بعد إلى الأحزاب والقوى التي تعيش على تماس مع هذا المركز.