ندوة حول اصلاح الأجهزة بين السياسة والأمن تحدث فيها البستاني وعبدالقادر في مركز عصام فارس
ناقشت ندوة إصلاح الأجهزة بين السياسة والأمن التي نظمها مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية، الجوانب المختلفة لمسألة إصلاح الأجهزة الأمنية، مع كل من الوزير السابق ومحامي وزارة الدفاع الأستاذ ناجي البستاني والباحث الإستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر، في حضور حشد من الضباط المتقاعدين والمهتمين.
وقد توافق البستاني وعبد القادر على ضرورة إبعاد الأجهزة الأمنية عن الصراعات السياسية، وأكدا أهمية دور مديرية المخابرات في العمل الأمني السري كونها الأقدر تاريخياّ على تنفيذ هذا الدور، وأشارا إلى وجود تقصير من قبل السلطة السياسية في حقّ مديريّة المخابرات لجهة الإجحاف في الموازنة وتحديداً في مجال المهمّات السرية، مقارنةً مع أجهزة أمنية لبنانية أخرى.
وفي المسألة الدفاعية كان توافق على ضرورة عدم التخلي عن سلاح المقاومة قبل امتلاك الجيش اللبناني قدرة الردع ليصبح قادراً على الدفاع عن الوطن ضد الإعتداءات الإسرائيلية. أما في ملف المحكمة الدولية فقال البستاني إنه يؤيد المحكمة ومبدأ العدالة لكنه دعا السلطات اللبنانية إلى مراجعة المرجعية الدولية للمحكمة لإزالة الشوائب الدستورية والإجرائية والقانونية التي رافقت تأسيس المحكمة وعملها، أما عبد القادر فرأى أن المحكمة على سيئاتها تمكنت من إيقاف مسلسل الإغتيالات السياسية، مشيراً في المقابل إلى أن المحاكم الخاصة هي من أبرز العناصر التي تستعملها الولايات المتحدة لإحكام سيطرتها على العالم.
بو حبيب
بداية كانت كلمة لمدير المركز السفير عبدالله بوحبيب قال فيها إنَّ حال التنافس بين الأجهزة الامنية وضعف التعاون فيما بينها موجودة في دول متقدمة أخرى ومن بينها الولايات المتحدة قبل اعتداءات الحادي عشر من أيلول، مضيفاً أن ذلك لا يعني غياب حق المواطن اللبناني في أن تكون الأجهزة الأمنية فوق الصراعات السياسية وتعمل من أجل مصلحة الجميع من دون استثناء وتحمي المواطن من الإعتداء وتحفظ حقوقه.
البستاني
الوزير السابق ناجي البستاني أكّد أنَّ الإصلاح الأمني المنشود لا يمكن أن يحقّق الغاية المرجوة منه إذا لم يترافق مع إصلاح أعمّ وأشمل، متسائلاً عن إمكانية تحقيق هذا الإصلاح في ظلِّ النظام السياسي القائم وما يفرضه في معظم الأحوال من حلول على الطريقة اللبنانية في المساومات والمحاباة.
وقال إنَّ القضية الرئيسية هي تحديد المقصود بالإصلاح، مضيفاً هل يجوز حصر الإصلاح بالأجهزة الأمنية تبعاً لهرميتها الإدارية أم أنه ينبغي أن تشمل أيضاً المرجعية السياسية التي تأمر الأجهزة، خاصةً وأن السلطة بالتعريف القانوني تفرض حُكماً مواءمة المسؤولية معها، وهذا ما يفرض بحسب البستاني انسحاب تبعة عمل الأجهزة على جميع المعنيين بالأمر من القمة إلى القاعدة. وأكد أن ليس المطلوب إيجاد كبش محرقة في الأجهزة الأمنية إنما تطبيق القانون والتقيد بالتراتبية والهرميّة وعدم إفساح المجال لتغطية المخالفين. وأكد أن القواعد المطلوبة لعمل الأجهزة لا تتعلق فقط بالمنهجية التي يتوجب عليها ان تعمل بموجبها، أنما تتعدى ذلك إلى تحديد المرجعية السياسية بالمفهوم الدستوري والعلمي، لجهة تطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
ولفت البستاني إلى أنه انطلاقاً من تنوع الأجهزة الأمنية اللبنانية فإنَّ هناك تشابكاً وتماثلاً في الصلاحيات فيما بينها، داعياً الى تحديد هذه الصلاحيات. وقال إن هناك إجحافاً كبيراً لحق بالمخصصات السرية لمديرية المخابرات في الأعوام الأخيرة مقارنة بالفارق مع موازنات أجهزة أمنية أخرى، مشيراً إلى أن حصة أحد الأجهزة من هذه المخصصات بلغت 15 ضعف حصة مديرية المخابرات. واعتبر أنه من الظلم حصر الإصلاح في الجانب الأمني وعدم تنفيذ إصلاح سياسي شامل خاصة في مسألة قانون الإنتخاب.
وأشار البستاني إلى تغيّر مفهوم الأمن في ظلّ العولمة وتطوّر الإتصالات وبعدما أصبحت الأرض في قبضة الإنسان، فلم يعد مقتصراً على حماية الوطن من العدوان الخارجي ومنع الفتن الداخلية ومكافحة التجسس فحسب، بل بات يشمل كل ما يرتبط بالإنسان من مجالات إقتصادية وغذائية وغيرها، لافتاً إلى التجسس الإقتصادي والصناعي الذي يحصل بين أجهزة دول صديقة.
عبد القادر
العميد نزار عبد القادر رأى أنَّ كل المؤسسات الأمنية في حاجة لعملية إصلاحية كبيرة وواسعة، إضافة إلى ضرورة إعادة النظر بكل القوانين والتنظيمات الإدارية والوظيفية لكل مكونات القطاع الأمني، مشيراً إلى أنه لم تعتمد أي مقاربة جدّية، بعد خروج القوات السورية من لبنان، لإصلاح القطاع الأمني، واكتفت الحكومات بزيادة عديد قوى الأمن الداخلي، والإفادة من بعض المساعدات من أجل سد الحاجات الضرورية
من تجهيز وتسليح. وأضاف أن تقصير الدولة شمل أيضاً عدم السعي إلى اصدار التشريعات اللازمة التي تعيد تنظيم قطاع الأمن وتفعيله،بحيث لا تبقى المؤسسات الأمنية موزعة كجوائز ترضية على القوى السياسية والطائفية.
ودعا عبد القادر إلى إعادة النظر بصلاحيات رئيس الجمهورية في ما يتعلق بالأمن الوطني، سائلاً: كيف يمكن أن نطلب منه السهر على الدستور من دون أن تكون له الوسائل اللازمة لذلك لجهة الحفاظ على لبنان وامنه. واعتبر أنه يجب أن تبدأ الخطوات التنفيذية للعملية الإصلاحية من القمة فيصار أوّلاً إلى إلغاء المجلس الأعلى للدفاع الذي لم يثبت فعاليته في أيّ قضية أمنية، والاستعاضة عنه بمجلس للأمن الوطني يشكل نوعاً من حكومة أمنيّة مصغرة يتألف من رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء المعنيين، بالإضافة الى القادة الأمنيين في المؤسسات الرئيسية، ومدعي عام التمييز. وفي هذا الإطار، أشار إلى الحاجة لإعادة النظر ببعض المواد الدستورية والقوانين، بحيث تصبح قرارات مجلس الأمن الوطني صالحة للتنفيذ، من دون العودة لمجلس الوزراء، وينشأ، ضمن إطار هذا المجلس، جهاز خاص يتلقى المعلومات الأمنية من أجهزة الأمن والاستعلام، كما يوزع المهمات الطارئة عليها وفق اختصاص كل منها، وينسّق عملها، ويضع التقارير والدراسات اللازمة لعمل مجلس الأمن الوطني. واقترح عبد القادر إعادة تنظيم كل الوظائف الأمنية، واصدار التشريعات اللازمة لذلك، بحيث توزع المهام والوظائف الأمنية بين مختلف الأجهزة الموجودة حالياً وهي: مديرية المخابرات والأمن العام وأمن الدولة وفرع المعلومات، داعياً أيضاً إلى إنشاء مديرية خاصة للقيام بمهمات الإستعلام الالكتروني والتقني. وفي موازاة ذلك، أكّد الحاجة إلى استصدار قوانين جديدة تتعلق بالإرهاب وبدور السلطات العدلية في حماية الأمن والاستقرار، واصدار تشريعات مالية لتأمين مصادر التمويل اللازمة لهذه العملية الإصلاحية الكبرى، داعياً أيضاً إلى إعادة حياء قانون خدمة العلم.
وشدد عبد القادر على أن عملية إصلاح القطاع الأمني لا يمكن أن تنجح إلا في ظل توافق وطني حول ضرورة قيام دولة قادرة وفاعلة، مؤكداً أن ذلك يتطلب إصدار مجموعة واسعة من القوانين، وقد يقتضي تعديل بعض مواد الدستور لإعادة تحديد صلاحيات مختلف السلطات والمؤسسات الرئيسية في الدولة، إضافة إلى توافق سياسي حول الخيارات الوطنية في مجال الأمن والدفاع عن لبنان. وأكد أنَّ القرار السياسي لإصلاح القطاع الأمني مغيَّبٌ في المدى المنظور، لافتاً إلى أن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة تجعل من الجيش قوة مساندة للقوة العسكرية الأساسية التي تمثلها المقاومة والتي تحتفظ باستقلالية قرارها عن الدولة في اتخاذ قراري الحرب والسلم، مع كل م
يترتب عليه ذلك من مخاطر دراماتيكية على موقع لبنان كدولة مستقلة، وعلى أمنه وازدهاره.
ودعا عبد القادر إلى أن يشكّل الجيش اللبناني القوة الرئيسية لتحقيق الاستقرار الداخلي وتأمين الدفاع الخارجي، لافتاً إلى انه لا يمكن بناء مثل هذا الجيش بالاستناد إلى المساعدات والهبات، بل عبر خطة مبرمجة وتأمين التمويل اللازم لها. وقال إن لبنان يمتلك القدرة على بناء مثل هذه القوة، والتي قد يتطلب تنفيذها من 5 الى 6 مليار دولار، على ست سنوات على الأقل.