في النشاط كثير من الترف الصحي. مجموعة صغيرة من المهتمين، سياسيين وأكاديميين وإعلاميين وغيرهم، يلتقون امس الاول، في قاعة اقرب إلى قاعة اجتماعات في مركز عصام فارس، مستمعين إلى الوزيرين السابقين زياد بارود ومحمد شطح، يتحدثان عن "قراءة جديدة في قانون الانتخاب".لا قراءات شديدة الجدة في هذا الموضوع. هي استنتاجات تبني على ما سبق في موضوع اشبع قراءة وتحليلا وخلافات. مع ذلك، فللحديث دوماً بقية. والدليل هو هذه الندوة نفسها، والجمهور الذي سيجد وقتاً ليداخل ويسأل ويطرح أفكاراً للبحث، في بيئة لا مغالاة فيها، تشبه ضيفي المكان، كما تشبه ديبلوماسية السفير عبد الله بو حبيب، المدير العام للمركز.وبسبب من ترف النشاط، فقد انتهى إلى خلاصات عامة بدت بمجملها إيجابية، أو على الاقل تعوّل على تغيير ما، انتجتها على الارجح دينامية بارود، وبحثه الدؤوب عن حلول للمشاكل. وهو المحتفظ بنجوميته وشعبيته كاملتين كما في ايام "الداخلية"، راكم خبرة عميقة في شؤون وشجون قوانين الانتخابات على أنواعها، حتى بات متبحراً في علوم هذا الشأن اللبناني الفريد من نوعه على مستوى تعقيداته ودهاليزه وطلاسمه.وكما لدى شطح وبارود الكثير مما ارادا قوله، كان لدى الموجودين الكثير مما يريدون الاستماع اليه. هذا الجمهور، بصفته عيّنة شبه مجهولة وعشوائية من اللبنانيين، كان متفقاً على اتهام "الطبقة السياسية" بأنها وراء تعقيدات قوانين الانتخابات التي تحتاج إلى ان تكون على مقاساتها، وكان متفقاً على نبذ هذه الطبقة ومصراً على أنها ليست من نتاج اللبنانيين. وهو، بالطبع، ضد الطائفية. جنوح إلى مثالية ليست دائماً نوعاً من التكاذب اللبناني اللبناني، بل هي، أحياناً، محاولة اجتراح طرق للهروب من حاضر وماض مستعصيين، إلى مستقبل أفضل.واذا كان قانون الانتخاب المرتجى يبقى رهناً بتسويات سياسية وحسابات يأتي الهم الديموقراطي، إن أتى، في آخر أولوياتها، فإن الحوار حول الأمر يبقى ناجحاً ومفيداً، وصحياً، ولو نظرياً على الاقل، في بلد فيه الكثير من الاصحاء، والقليل القليل من الصحة.في تفاصيل الندوة، أشار عبد الله بو حبيب، في تقديمه للمتحدثين، إلى أنه من "الضروري لأي قانون انتخابات في بلد ديموقراطي أن يضمن فرص المنافسة بين الأحزاب والتكتّلات المختلفة وإلا أصبحت النتائج معروفة سلفاً، مؤكداً على وجوب ضمان قانون الانتخاب قيام الأكثرية النيابية بتشكيل حكومة تحكم، وأقلّية نيابية تراقب أعمال الحكومة وتحاسبها.من جهته، ربط شطح بين القانون وبين هواجس المجموعات الطائفية وقلقها من أن يتحول القانون إلى وسيلة للسيطرة والهيمنة، في إطار الصراع الداخلي في البلد. واعتبر أنه في هذه الحال تتحول عملية التنافس في الانتخابات من تنافس بين خيارات سياسية إلى وسيلة تحاول من خلالها كل مجموعة طائفية أن تحمي نفسها من "الآخر"، وبالتالي لا يفكر الناخب إلا بحماية مجموعته من هيمنة الآخرين".واعاد شطح "اصل المشكلة إلى الخلاف حول الدستور والضبابية الكبيرة التي تلف نصوصه والصلاحيات وامور اساسية أخرى".واعتبر أن "العقد في لبنان مزدوج، فهو من جهة يساوي بين الطوائف ويساوي بين المواطنين الأفراد من جهة أخرى. ورأى انه لا يمكن حل إشكالية تغير النسب الديموغرافية بين الطوائف بمجلس واحد، ومن هنا فإن الطائف قدم حلولاً لهذه الازدواجية من خلال دعوته إلى إنشاء مجلس شيوخ يؤمن الضمانات المشروعة للطوائف ومن ثم يصار إلى انتخاب مجلس نواب على أساس لا طائفي يؤمن المساواة بين المواطنين الأفراد".من جهته، شرح بارود آلية تأمين المناصفة في المجلس النيابي والتي تمر عبر ثلاثة اعتبارات صعبة هي تقسيم الدوائر، والنظام الانتخابي، والواقع العددي للمسيحيين الذي يفرز واقع أن 39 في المئة من يختارون 50 في المئة من المقاعد، ومشيراً إلى أن الآليات في هذا الإطار ممكنة وليست مستحيلة".أما بارود، فأشار إلى أن حياد الحكومة مهم لكنّ الثقة بها اهمّ وأن الدستور لا يمنع ان تتولّى الحكومة الحالية تنظيم الانتخابات والإشراف عليها. واستعاد بارود التجربة التونسية الحديثة جدا والتي اعتمدت هيئة مستقلة للانتخابات بينما لم نقدم على مثل هذه الخطوة في لبنان حتى الآن على الرغم من عتق التجربة الديموقراطية في البلد.واشار بارود إلى أن غياب التوافق الداخلي والرعاية الإقليميّة كما حصل في الطائف والدوحة يجعل فرص إنتاج قانون انتخاب جديد غير قائمة فعليّاً، داعياً المؤسسات الدستوريّة إلى القيام بدورها على هذا الصعيد بدل الحديث عن إحالة موضع قانون الانتخاب إلى طاولة الحوار.وقال إنه إذا استمرّ الوضع التشريعي على ما هو عليه، فهذا يعني أن نتائج الانتخابات ستكون محسومة بنسبة كبيرة من المقاعد. واعتبر أن الجزء الاساس من رفض النسبية يكمن في عدم إمكان توقّع نتائجها بصورة دقيقة واكيدة مسبقاً، إضافة إلى إدخالها لاعبين جدد على الساحة الانتخابيّة بصفة شركاء بالقوة لاطراف لا تريد من يشاركها في تسيدها".وخلص بارود إلى أن نقطة البداية تكون باستحداث مجلس شيوخ بما يشكّل معالجة حقيقيّة وجذريّة لموضوع التمثيل الطائفي، داعياً إلى أن يتزامن استحداث مجلس الشيوخ وانتخابه مع انتخاب مجلس نوّاب خارج القيد الطائفي، وان ينتخب مجلس النوّاب على أساس النسبية في دوائر تعتمد المعيار الواحد بما يحفظ التعددية ويشجّع الاحزاب، وأن يُعطى مجلس الشيوخ صلاحيات تشبه تلك المذكورة في المادة 65 من الدستور والتي تحدّد أربعة عشر موضوعاً أساسياً، بحيث يكون التصويت عليها لازماً في مجلسي النوّاب والشيوخ".