الارشاد الرسولي وواقع المنطقة» عنوان ندوة نظمها «مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية» تحدث فيها النائب علي فياض، قاضي شرع بيروت الشيخ الدكتور محمد النقري، رئيس جامعة الحكمة المونسنيور كميل مبارك ورئيس الرابطة السريانية حبيب افرام.
بداية القى مدير المركز عبد الله بوحبيب كلمة رأى فيها ان «الإرشاد الرسولي يأتي في لحظة إقليمية مضطربة، مما يطرح أسئلة حول كيفية تطبيقه، والإشكاليات التي طرحها الإرشاد ترتبط بإشكالية العلاقة الحضارية بين المجتمعات العربية والغربية عموما، وبكيفية تعاطي الدول الغربية أيضا مع مسألة التعددية في مجتمعاتها ومع الأقليات غير المسيحية، وهذا ما يقود إلى التساؤل عن مدى إمكانية وضع الإرشاد من ضمن نظرة كونية للفاتيكان لتعزيز العلاقات بين الأديان في العالم ولا سيما بين المسيحيين والمسلمين».
بدوره، رأى مبارك أن «الإرشاد الرسولي لمسيحيي الشرق الأوسط، يأتي في زمن تجتاح فيه الثورات العالم العربي، ومعظمها يطالب بالتغيير سعيا إلى الديموقراطية، غير أن نتائجها ما زالت غير معروفة»، مشيرا الى أن «الإرشاد الرسولي يعبر عن مدى اهتمام البابا بالسلام بين أبناء هذه المنطقة مسيحيين كانوا أم غير مسيحيين، وأن الوجود المسيحي ضرورة للسلام في العالم وفي المجتمعات التعددية خاصة لأن المسيحية تؤمن بوحدة الطبع البشري بقطع النظر عن الدين واللون والعرق والثقافة». وأبدى خشيته من أن «تنتقل بعض الشعوب في المنطقة من ديكتاتورية الفرد الى ديكتاتورية الجماعة أو المذهب أو الحزب».
وأعاد «تردد المسيحيين في اتخاذ مواقف صريحة مع الثورات أو ضدها إلى أن الانظمة السلطوية السابقة أمنت شيئا من الاستقرار في مناخ بعيد عن الحرية، لمعظم المواطنين ومنهم المسيحيون، غير أن زمن الفوضى سمح لبعض الجماعات المتشددة أن تعبث في أمن المسيحيين»، محذرا من «وجود لاعب غير منظور يسعى الى أن تعم الفوضى وتقوي الروح العدائية بين الجماعات العقائدية والمذهبية».
وفي الحالة اللبنانية، أشار الى انه «رغم الواقع الديموقراطي، تعرض المسيحيون لمحاولات إبعاد عن مراكز القرار خاصة في فترة الوصاية السورية»، مشددا على ان «الحل يكمن في العمل على تحقيق الدولة المدنية التي تحترم جميع الديانات ولا تتعرض لممارسة الشعائر الدينية، وبالوقت نفسه تبعد الدين عن إدارة شؤون البلاد، مع الحفاظ على حقوق الجماعات بالمشاركة الفاعلة».
أما فياض فأكد «أهمية الإرشاد الرسولي»، وقال: «ان الوجود المسيحي المشرقي هو أحد هواجسنا الكبرى، للحؤول دون تفسخ مجتمعاتنا ذات التكوين التعددي وسقوطها في الشمولية والتعصب والتكفير». وشدد على أن «التمسك بالوجود المسيحي في لبنان والمنطقة ليس فيه منة من أحد على أحد»، لافتا إلى أن «ليس المطلوب التمسك بالوجود المسيحي فقط بل تفعيله لتنمية الحضارة العربية»، مؤكدا «أهمية الحاجة إلى إحياء النموذج اللبناني في التفاعل الخلاق». ورأى ان «اللبنانيين بحاجة إلى حوار عميق يعيد الإعتبار إلى لبنان النموذج ودور الدولة والمكونات الميثاقية المشتركة التي تقوم على السيادة والتعايش والحرية والعدالة الإجتماعية».
ورأى أن «ما يسميه البابا بنديكتوس السادس عشر في الإرشاد الرسولي «شرقا أوسط» إنما هو العالم العربي والإسلامي»، مشيرا إلى ان «للعلاقات الإسلامية المسيحية وتفاعلهما في إطار تاريخ حضاري مشترك في العالم العربي خصوصية لا يمكن إدراجها في مساواة أعم يشترك فيها اليهود»، معتبرا أن «ثمة إشكالية تاريخية على صعيد علاقة الاديان ببعضها وتحديدا علاقة المسيحيين باليهود أرخت بظلالها على مضمون المقاربات التي تتصل بالمنطقة العربية وقد ظهرت في الإرشاد الرسولي». وقال: «إن الإشارة في الإرشاد إلى أن اللقاء بين الإسلام والمسيحية اتخذ غالبا شكل الجدل العقائدي وأنه شكل ذريعة لدى هذا الطرف أو ذاك ليبرر باسم الدين ممارسات التعصب والتمييز، لا تعبر عن جوهر العلاقة بين الطرفين ولا عن السياق التاريخي الذي نشأت عليه حقائق الإجتماع السياسي العربي - الإسلامي».
من جهته، أكد النقري «مشاطرة الفاتيكان الخوف من الأصولية الدينية»، مشيرا إلى أن «المسلمين هم أيضا ضحايا الأصولية التي لا ترحم احدا والمبنية على الجهل»، مشددا على «أهمية ما نادى به الإرشاد الرسولي لجهة تخطي التسامح الديني نحو الحرية الدينية». وسجل ملاحظات على الإرشاد الرسولي من بينها «التشديد على الحضارة اليهودية المسيحية المشتركة»، مشددا على «أهمية ألا ينسى المسيحيون المشرقيون انتماءهم الإسماعيلي أيضا والذي تغفله المسيحية الغربية»، لافتا الى ان «هناك ملاحظة على اعتبار الحروب بين المسلمين والمسيحيين ناتجة عن اختلافات عقائدية، في حين أن هذه الحروب التي حصلت كانت ذات أهداف سياسية». ولفت الى انه «يتبين في حديث الإرشاد عن العلاقات المسيحية الإسلامية أن هذه العلاقة مع المسلمين لم ترق إلى نفس المستوى الذي تحدث به الإرشاد عن اليهود»، لافتا إلى «غياب كامل لموضوع فلسطين وأهلها في الإرشاد». ودعا افرام العرب والمسلمين إلى إنتاج «ارشادهم والتصدي للمشكلات الحقيقية للانسان بعيدا عن نهج الاسلام هو الحل، والمساهمة الفعالة في معالجة قضايا المرأة والحريات والفقر والأمية وفهم التنوع واحترامه وخلق مناخ المساواة».
ورأى ان «تحديات الإرشاد الرسولي تتمثل في ثورة المسيحيين على حالهم ويأسهم واحباطهم، وبقراءة المسلمين واقعهم دون اوهام»، مشيرا الى انه «يشكل تحديا لربيع حقيقي ديموقراطي وليس ديموقراطية الاسماك اي ان يأكل الكبير الصغير، بل ربيع يوائم بين حق القوة لمواجهة العدوان والاحتلال والعنصرية والتسلط وبين قوة حقوق كل انسان وكل جماعة لربيع طالع من قيم الحياة». واعتبر أن «القيادات والنخب المسيحية المشرقية ليست على مستوى أزمة المسيحيين الوجودية، وان السلطة والجاه تأتي أولا لديهم، وتسيرهم الأحقاد وليس العقيدة»، مشيرا إلى ان «المسيحيين ضائعون من دون مشروع حقيقي، وهم يرددون كالببغاء «فليحكم الاخوان» وكأن لا مشكلة في حكم اوتوقراطي أو يصفقون «لولاية الفقيه» وكأنه مرجعيتهم، ويزهون بإقليم كردستان وكأنه انجازهم او يقنعون بالذمية».