عبدالله بوحبيب*
السفير - الخميس 8 تشرين الثاني 2012
برغم أن باراك أوباما انتخب لأسباب أميركية محلية صرفة، إلا أن الناس خارج الولايات المتحدة يناقشون سياسة أميركا الخارجية ويتساءلون: هل سيستمر الرئيس الأميركي بالسياسة التي اتبعها في إدارته الأولى؟
للجواب عن هذا السؤال، علينا مراجعة سياسة إدارة أوباما الأولى، خاصة أنه سيخسر بعد أشهر قليلة وزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون.
لقد حافظ أوباما على الهدفين الأساسيين للسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وهما: الحفاظ على أمن إسرائيل، وتدفق النفط العربي بأسعار معقولة. بالنسبة إلى إسرائيل، وبرغم خلافاته الشخصية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بيبي نتنياهو، استمر أوباما بدعمه غير المحدود للدولة العبرية سياسياً ومالياً وعسكرياً. وبرغم رفض أوباما وضع حد لبرنامج إيران النووي، إلا أنه راح بعيداً في فرض عقوبات دولية شاملة ومؤذية على إيران، ومن المنتظر أن يستمر في إدارته الثانية بالتشديد على إيران مالياً واقتصادياً وتقنياً ولن يفكر باستعمال القوة العسكرية إلا إذا قررت إيران أن تصنع القنبلة الذرية.
وفي ما يتعلق بالخليج، اكتفى أوباما بإعطاء نصائح غير ملزمة حول «ربيع» البحرين، وذلك عكس ما قام به في تونس ومصر وسوريا واليمن. ومن المنتظر أن يستمر في غض النظر عن مخالفات دول الخليج في ما يتعلق بحقوق الإنسان الأساسية. كذلك سيستمر أوباما في حماية هذه الدول بإبقاء القواعد الأميركية هناك ومدها بالسلاح المطلوب.
أما قضايا المنطقة الأخرى، فهي ليست أساسية ومن ثم لا تتطلب تحريك العسكر ولا المال الوفير. فالقضية الفلسطينية مثلاً، التي حازت على المبادرة الأولى في عهده الأول، لن تحظى بانتباهه إلا إذا تغيّر الحزب الحاكم في إسرائيل من خلال الانتخابات في السنة المقبلة وتوحد الصف الفلسطيني وتحركت الدول العربية للاهتمام بالفلسطينيين. لن تقوم واشنطن بأي تحرك في غياب هذه العناصر.
وتبقى الأزمة السورية على شاشة باراك أوباما يومياً. فالقتل والدمار المنتشران في كل أنحاء سوريا سيجبران الرئيس الأميركي على القيام بمبادرة لإنهاء هذه الأزمة الدموية والمدمرة. لكن هناك عوائق كثيرة قد تمنع الرئيس أوباما من الاستمرار طويلاً بمعالجة هذه الأزمة التي تبيّن تدريجياً بأنها قد تكون مستعصية على الحل. أولاً: ليس لواشنطن مصالح اقتصادية أو ثقافية في سوريا. فمنذ العام 1956، اتجهت سوريا نحو المعسكر الشرقي وماشت طريق الممانعة والرفض لمعظم المبادرات الأميركية للوصول إلى «سلام دائم» في المنطقة، فلم يكن هناك مجال لتنمية علاقات طبيعية بين البلدين. وباستثناء تسعينيات القرن الماضي عندما كانت سوريا تفاوض واشنطن وتل أبيب لاستعادة الجولان، لم تكن سوريا يوماً مقبولة في واشنطن، ولذلك لا توجد في العاصمة الأميركية الحماسة اللازمة للقيام بمبادرة جدية لوقف هذه الحرب. إن المحاولات العربية الخليجية ومعها جهود المعارضين السوريين في الخارج لإقناع إدارة أوباما الأولى بأنه قد حان الوقت لضم سوريا إلى المعسكر الغربي قد اصطدمت بدخول روسيا والصين إلى جانب النظام السوري فمنعتا اتخاذ قرار في مجلس الأمن بالتخلص من النظام السوري. كذلك، وعلى عكس سنوات الحرب الباردة، لا تريد واشنطن الاصطدام بأي من البلدين.
إضافة إلى ذلك، فإن تشرذم المعارضة لا يريح واشنطن، وتعتبر بأن النظام السوري نجح في جذب التطرف إلى سوريا حيث تسيطر العناصر المتطرفة على المقاومة الداخلية، مما يظهر أن البديل من النظام قد يكون أسوأ.
إن حصيلة الربيع العربي في البلدان التي شهدته، لا تشجع أوباما على التدخل المباشر في سوريا. وكذلك فإن مد دول الخليج المعارضة السورية بالمال والسلاح من دون تمييز بين متطرفين وسلفيين وديموقراطيين ومعتدلين، لا يريح الولايات المتحدة. إن مقتل الديبلوماسيين الأميركيين في بنغازي حمل واشنطن على التروي في الدخول أو التدخل في مجريات المأساة السورية. إضافة إلى ذلك كله، فإن صمود النظام بجيشه وإدارته المدنية حمل كثيرين في الغرب على تعديل نظرتهم إلى ما يجري في سوريا، وبدأ، في أوساط عديدة، الكلام عن مفاوضات ترعاها واشنطن وموسكو بالتعاون مع الدول المعنية بالأزمة السورية لإنهاء النزاع والانتقال إلى نظام ديموقراطي يقبل به الجميع.
لذلك، بينما يصعب التكهن بسياسة إدارة أوباما الثانية تجاه سوريا، من الضروري الإشارة إلى أن الأميركيين: شعباً وعسكراً وسياسيين، يرفضون دخول بلدهم في حرب جديدة. وإضافة إلى التعب الأميركي من التدخل العسكري في بلدان بعيدة، فإن ما يميز الرئيس أوباما عن سلفه هو أنه لا يحب الحروب والاقتتال وأنه يفضل الحوار والأساليب السلمية لحل القضايا العالقة.
أما لبنان، فإنه ليس من الأولويات الأميركية، والمسؤولون يعملون لأن يبقى خارجها. إن التقاءهم وتحركهم مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بعد جريمة اغتيال اللواء وسام الحسن، يشكل رسالة لحلفائهم ولأخصامهم اللبنانيين بأنه من الأفضل أن يبقى لبنان خارج اهتمامات الرئيس أوباما اليومية.