أحيا "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية" ذكرى استقلال لبنان ال69، بندوة بعنوان "صانعو تاريخ لبنان المعاصر ومؤرخوه"، سلط فيها الضوء على تجربة الرئيس الراحل رياض الصلح الوطنية ودوره في صياغة الميثاق الوطني، وعلى أعمال المؤرخ الراحل الدكتور كمال الصليبي النقدية وأهميتها في كتابة تاريخ لبنان.وحضر الندوة الوزيرة السابقة ليلى الصلح حماده وحشد من الشخصيات السياسية والفكرية.عصام فارس وفي كلمة لرئيس مجلس النواب السابق عصام فارس أرسلها للمناسبة، أكد "أنَّ الأمانة للاستقلال تقتضي جهودا مخلصة تؤسِّس على تجارب الماضي، لاحداث الحد الأدنى من التغيير لصياغة المستقبل"، مشيراً إلى أنَّ التغيير المنشود يبدأ من خلالنظامٍ انتخابي بديل يؤمن التنافس والتمثيل الصحيح لكل الإتجاهات السياسية والمناطقية".ورأى "أن الحرص على استقلال ناجز يتلازم والحرص على اعادة الروح الى حياتنا الوطنية من خلال المساءلة والتمسك الديموقراطية، لأن بهذا الحرص يصير التمسك بنهائية الوطن المستقل مرادفا لقيام دولة قادرة وعادلة، تكفل إيجاد الحلول لكافةالمعضلات الوطنية". وشدد على "أنَّ الوحدة الوطنية، ضامنة الاستقلال، تتجسد بالالتفاف حول قيم مشتركة في طليعتها الحرية والديموقراطية وصياغة القرار السياسي في المؤسسات الدستورية، وسيادة الدولة والعيش المشترك المتوازن".رياض الأسعدوشدد الأستاذ رياض الأسعد حفيد الرئيس رياض الصلح، على "أن رياض الصلح رجل في وطن ووطن في رجل"، ودعا "لمناسبة استذكاره في عيد الإستقلال إلى عقد أخلاقي جديد بين الرجال والأوطان". وقال: "أن الصلح أراد لبنان سيدا عزيزا حرا مستقلا، فجعلناه مرتهنا مهانا ذليلا مجوفا. وأراده مشتلا للحرية ومنبتا للأحرار، فجعلناه مطمرا للكرامة ومسلخا للارادة. وأراده سدا منيعا قويا، فجعلناه ممرا ومقرا ومستقرا".انطوان مسرةثم عقدت الجلسة الأولى تحت عنوان "رياض الصلح: التوفيق بين لبنان والعروبة"، وتحدث فيها عضو المجلس الدستوري الدكتور أنطوان مسرة وأدارها الرئيس السابق للجامعة اللبنانية الدكتور محمد المجذوب الذي أكد "ان العروبة هي واقع اجتماعي وثقافي ورابطة حضارية لا جذوره التاريخية وليست قالبا تطمس فيه الخصوصيات"، مؤكدا "أن العروبة ليست هوية طائفية".واستذكر الدكتور مسرة قول رياض الصلح لجريدة "العهد الجديد" في العام1928 "إنني آثر أن أعيش في كوخ داخل وطنٍ لبناني مستقل من أن أعيش مستعمرً في أمبراطورية عربية". واكد انه "كان لدى الصلح هاجسان هما لبنان والعروبة"، مؤكدا "تمسك رئيس الحكومة الراحل بالميثاق وبالوطنية اللبنانية".وأكد "أن الميثاق الوطني الذي تكرس لاحقا في وثيقة الطائف يمكن أن نستلخص منه مبادئ عدة أبرزها، التمسك بالعيش المشترك بما يعنيه من تفاعل ورفض للتقسيم والتجزئة والفدرالية الجغرافية، والعروبة المستقلة أي المقترنة بالتمسك بالإستقلالالوطني، والمصير المشترك بين اللبنانيين، وختاما الحريات".حسان حلاقواستعرض المؤرخ الدكتور حسان حلاق "التطور السياسي للمسلمين ولزعاماتهم الذين حملوا لواء الوحدة السورية، نحو القبول التدريجي بلبنان المستقل". وقال: "إن التحولات الكبرى في الطائفة الإسلامية نحو الاعتراف بالجمهورية اللبنانية تمثلت بقبول تدريجي بلبنان في موازاة مشاركتهم في السلطة". وأضاف: "إن قبول قيادات الطائفة السنية في تولي مناصب نيابية ووزارية ورئاسة وزراء ورئاسة مجلس نيابي، كان من جملة العوامل الأساسية في "لبننة" الكثير من طلاب الوحدة من المسلمين". ولفت حلاق إلى "أنَّ تمسك رياض الصلح بالكيان اللبناني كان مرتبطا برفع الغبن عن التمثيل السياسي للمسلمين".بولس نعمانثم عقدت الجلسة الثانية تحت عنوان "كمال الصليبي: الوحدة اللبنانية بيت بمنازل كثيرة"، وتحدث فيها كل من الأباتي بولس نعمان وأستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية الدكتور عبد الرحيم بوحسين، وأدارها الدكتور رغيد الصلح الذي اشار الى "أن الراحل الصليبي ترك لنا إشارات كثيرة في تراثه العلمي الغزير على طريق التحديث السياسي والعلمي، وإننا في حاجة ماسة الى استرجاع هذه الإشارات ومنها اهمية الحفاظ على الاستقلال". وخلص الأباتي نعمان، من التاريخ الذي كتبه كمال صليبي ومن الظروف التي تعيشها المنطقة، إلى انه "من الضروري للعالم العربي ان يبقى لبنان حاضرا ابدا نظرا لرسالته في هذا الشرق والمتمثّلة بالتعددية والعروبة المبنيتين على الإنسان وليس على الدين والطوائف"، داعيا إلى "المبادرة فورا بالحوار مع الأزهر والسيستاني وكل من يهمه أمر الإنسان في العالم العربي حول هذين المفهومين"، سائلا في الوقت عينه: هل بدأ حقا ربيع الإنسان في الشرق؟".عبد الرحيم بو حسينولفت الدكتور عبد الرحيم بو حسين إلى "أن الصليبي أعاد النظر في تاريخ لبنان وهذه العملية تتطلب جرأة وثقة بالنفس". وأوضح "أنَّ كتاب الصليبي "بيت بمنازل كثيرة: التاريخ اللبناني بين التطور والواقع" يمثل إعادة النظر هذه كما يمثل عصارة تجربة صليبي حول التاريخ والتأريخ اللبناني ويتوجها"، ناقلا عنه قوله "إنَّ الإتجاه الإعتذاري في التقليد التاريخي الماروني ما زال يسيطر على العمل البحثي الماروني في التاريخ. فالمؤرخون الموارنة اليوم ما زالوا يكتبون دفاعا عن طائفتهم ويغالون في أهميتها. ولا يمكن الإنطلاق بعيدا عن ذلك ما لم يبادِر المؤرخون الموارنة المعاصرون إلى إعادة تقويم كاملة لتأريخهم التقليدي في ضوء البحث الحديث".