أكد كل من النائب الأستاذ نهاد المشنوق ورئيس مركز الدراسات الإستراتيجية في القاهرة الدكتور مصطفى اللباد أن هيبة الرئيس المصري محمد مرسي سقطت بسبب حركة الإعتراض الكبيرة وأن حمايته أتت فقط من "الإخوان المسلمين" والإسلاميين عموماً، في حين أنه لم يحظَ بأي حماية معنوية من المجتمع. وشدد كل من المشنوق واللباد على أهمية الإصلاح الديني في الإسلام للدخول في عصر النهضة المنشودة والتقدم، وذلك في ندوة "ديموقراطية مصر بين الدور الإقليمي والتحديات الداخلية" في مركز عصام فارس. وفي حين أبدى المشنوق تفاؤله بوصول الأوضاع إلى نهاية سعيدة في مصر ولو بعد مرحلة انتقالية، أعرب اللباد عن تشاؤمه من سيطرة الإسلاميين على السلطة والحياة العامة.بداية كانت كلمة لمدير المركز السفير عبدالله بوحبيب قال فيها إنه ساد انطباع في مصر وخارجها خلال أحداث ثورة 25 يناير، بأن النظام السلطوي سقط إلى غير رجعة، لكن ما أعقب إصدار الرئيس محمد مرسي الإعلان الدستوري ومن ثم التراجع عنه، من حركة اعتراض، أثار هواجس من عودة السلطوية إلى مصر، خاصة لما لها من تأثير كبير على العالم العربي.النائب نهاد المشنوق أبدى تفاؤله بأن النصر في مصر سيكون للحرية الجامعة والحاضرة، بغض النظر عن نتائج الإستفتاء، لافتاً إلى أنه ليس مهماً من يحقق الربح المرحلي، لأن ليس هناك من انتصارات في المراحل الانتقالية، معتبراً أن حماية الرئيس محمد مرسي أتت من تنظيمه وانه لم يحظ بأي حماية معنوية في المجتمع مما أدى إلى تعريته بسرعة. وقال ان هناك قواعدة أكيدة وجديدة لآلية القرارات التأسيسية لم تتبلور بشكلها النهائي بعد ولكنها ليست لصالح قدرة حزبٍ يحلم بأن يكون حاكماً أياً كانت صفته الإلهية، مشيراً إلى أن مشاركة الإخوان في السلطة أفضل من خسارتهم لأنهم يجب أن يمروا في تجربة الحكم لكي تصبح أفكارهم أكثر اعتدالاً وقبولاً بموجبات الديموقراطية.ولاحظ المشنوق أن النتائج الأولى للمواجهة أظهرت الفارق في أذهان العامة بين الإسلام والإسلام السياسي، والفارق بين الإنتماء الديني والهوية السياسية الجامعة، معتبراً أن بذلك قد يربح الإسلاميون السلطة مثلاً ولكنهم سيخسرون هيمنتهم على المجتمع، ومعوّلاً على الأزمة إيجابياً بوصفها استئنافاً لمعركة عصر النهضة، معركة الإصلاح الديني المؤجل.وتحدّث المشنوق عن ثلاثة سيناريوهات تواجه مصر في المرحلة المقبلة، أوّلها إمكان انتصار مفاجىء للتيار المدني الذي يضم مزيجاً من ناصريين وعلمانيين وليبراليين ويساريين ونخبة ثقافية وفنية وإعلامية وحقوقية واقتصادية وأقباط ونساء، مؤكداً ان ذلك يعِد بتطور هائل لمستقبل السياسة في كل العالم العربي، ويحقق بسرعة قياسية الآمال البعيدة لطموحات الثورات العربية.واستدرك المشنوق بالإشارة إلى وجود سيناريو آخر يتمثّل بنجاح التحالف الإخواني والجيش وترتيب نظام حكم مديد يعيد إنتاج آليات التمييز والقمع ونظام الإستبداد، أي يعيد اغتراب الشعب عن السلطة والسياسة، على نحو ما اتصف به نظام مبارك، فينهزم التيار المدني ويتأجل التحول الديموقراطي إلى حين. وأضاف على أن هذا السيناريو إن نجح، سيكون مؤقتاً، إذ لم يعد ممكناً أن يعود الإستبداد ديناً طبيعياً للسياسة في العالم العربي.وقال إن هناك افتراضاً أخيراً يتمثّل بثبات انقسام المجتمع بحدة لا حسم فيه، وقد يكون أسوأ من الإنقسام اللبناني بين 8 و14 آذار أو نظيراً له، بحيث ينتصب الإفتراق الكبير بين شطرين أومجموعتين شعبيتين مؤدلجين ولدى كل منهما نظام قيم مضاد للآخر.وخلص إلى القول إن مصر بحاجة اليوم إلى ميثاق وطني يسبق الدستور وكتابته، إذ إن كل دستور يصبو إلى إقامة نظام سياسي ديموقراطي وفق مبادىء المواطنة والمساواة بين المواطنين وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وصون الحريات، ويجب أن ينبثق أولاً من الإقرار بسيادة الشعب وولايته العامة، وبتبعية السلطات له بل وصدور هذه السلطات عن الشعب. وشدد على أن انبثاق الدستور من الشعب يجب أن يكون قبل كل شيء وليد مداولات المتعاقدين بعقد اجتماعي، وعليه أن يُنشىء رابطة وطنية ليست موروثة تماماً بل مصنوعة ميثاقياً من تعاقدهم بارادتهم الحرة.رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية في القاهرة الدكتور مصطفى اللباد أعرب عن عدم تفاؤله بمسار الأحداث في مصر مشيراً إلى أن مسودة الدستور رجعية، واعتبر أن هيبة الرئاسة سقطت في خلال الإعتراضات الأخيرة. ورأى أن هناك استعجالاً من "الاخوان المسلمين" للتمكن من السلطة واكد أن هناك سعياً لإنتاج "ولاية فقيه سنية" في مصر من خلال الإجراءات التي يقوم بها الإخوان، لافتاً إلى أن صياغة المواد الواردة في مواد الدستور تولاها فريق واحد هو السلفيون. وشدد على أنَّ العقل السياسي السني يحتاج إلى قراءة جديدة لا سيما في ظلّ الصعود السلفي.وأوضح اللبّاد أن المادة الرابعة في مسودة الدستور نصت على أن يؤخذ برأي كبار العلماء في الأزهر في تفسير الشريعة الإسلامية، وهذا ما يخلق منطقة رمادية يستطيع "الإخوان" أن ينفذوا منها لتفسير القوانين واحكامها. وأضاف ان شيخ الأزهر الحالي د. أ حمد الطيب منفتح لكن من يضمن نهج شيوخ الأزهر في المستقبل؟ورأى أن ما يحصل يشكل سعياً مما وصفه بمجموعة "فاشية" تسعى لإلغاء المؤسسات، مشيراً إلى أن الإخوان ليسوا الأغلبية في المجتمع لكنهم يتعاونون مع السلفيين لإظهار الإنقسام في مصر على أنه علماني/ إسلامي وليس بين مجموعة سلطوية والأفرقاء الآخرين كما هو حاصل الآن. وقال إنه صحيح إن الإخوان هم أكبر فصيل مصري ويمتلكون كتلة صلبة من 600 ألف حزبي، لكن الإنتخابات الرئاسية أظهرت المرشحين غير الإسلاميين أي احمد شفيق وعمر موسى ومحمد البرادعي نالوا ما مجموعه 52% من الأصوات. لكنه اعتبر أن فرص الإخوان ما زالت قوية في ربح الإستفتاء خاصةً وإن الإتئلاف المعارض لا يتمتع بالصلابة نفسها الموجودة لدى الإخوان، إضافةً إلى إدخال الكثير من المواد الدينية في مسودة الدستور، مما يجعل التصويت ضد الدستور وكأنه موجه ضد الإسلام. لكنه شدد على أن نتيجة الإستفتاء ليست نهاية المطاف لأن لدى مصر مشاكل اقتصادية حادة وستزداد والإخوان لا يملكون تصوراً لحلها.وفي المنظور الإقليمي للوضع المصري قال الدكتور اللباد إن الإدارة الأميركية لها مصلحة في تحويل الربيع العربي إلى ربيع إسلامي لأن الحركات الإسلامية ومنها الإخوان المسلمون يقدمون ما لا تستطيع تقديمه الأطراف السياسية الأخرى وقد برز ذلك خاصةً في التعاطي مع حرب غزة الاخيرة، وذلك من خلال المشاركة في المحور السني في المنطقة تحت المظلة الأميركية لمواجهة محور "الممانعة". وأشار إلى أن دور مصر الإقليمي بقيادة الإخوان سيخلق تنافساً مع تركيا الساعية إلى لعب دور اقليمي تحت المظلة الإسلامية، إضافةً إلى التنافس مع السعودية. وأضاف أن متطلبات لعب دور إقليمي في ظل المصاعب الإقتصادية لمصر سيدفع الإخوان إما إلى التعاون مع ليبيا وإما الدخول في معادلات النفط مع السعودية. وشدد على دور التنظيم العالمي للإخوان الممتد في معظم الدول الإسلامية في تنامي تأثيرهم الإقليمي0