مركز عصام فارس للشؤون اللبنانيّة
PrintEmail This Page
كلمة الأستاذ كريم بقرادوني خلال ندوة "عصام فارس واللجان الوزارية"
25 تموز 2013

من الاعوام 2000 الى 2004 عرف لبنان حكومتين خلال عهد الرئيس اميل لحود قبل التمديد له ترأسهما رفيق الحريري وشغل فيهما عصام فارس موقع نائب الرئيس. تشكلت الحكومة الاولى في تشرين الاول 2000، والحكومة الثانية في نيسان 2003 واستمرت الى تشرين الثاني 2004 وكنت وزيراً فيها.


ومن موقعي كوزير دولة لشؤون التنمية الادارية تسنى لي مراقبة اعمال الوزراء عن كثب، فذهلت لحجم الاعمال التي كان يقوم بها نائب رئيس الحكومة عصام فارس، واكتشفت شخصيته المثلثة الابعاد: رجل اعمال ناجح، ورجل خير واحسان ، ورجل دولة بامتياز.


أهم ما انجزه انه حوّل نيابة رئاسة الحكومة من موقع رمزي بلا صلاحيات قانونية او عملية ، وبلا موازنة، وبلا مجرد مكتب، الى موقع منتج وفعال من خلال فريق عمل متحرك ومتعدد الاختصاصات ومن دون ان يحمّل الدولة اللبنانية ليرة لبنانية واحدة .وقد ضم هذا الفريق السفيرين فؤاد الترك وعبد الله ابو حبيب، والديبلوماسي فخري صاغيه، والقاضي عبد الله البيطار،والمهندس مصطفى الحجار، والدكتور عبد الله عطيه الذي عنى بالمواضيع الاقتصادية والبرامج الانمائية والاعمارية، والدكتور مناف منصور الذي وضع كتاباً تحت عنوان "عصام فارس واللجان الوزارية : من اجل دولة لوطن" والتي اعتمدته مرجعاً لمداخلتي.


عدا السهو والخطأ، أحصيت 63 لجنة وزارية ترأسها عصام فارس ما بين 2001 و2004، واعتذر عن واحدة كان موضوعها اعداد تقرير حول التوزيع الطائفي في وظائف الفئة الاولى بعد ان افاده مجلس الخدمة المدنية بأنه غير قادر على تزويده بجدول كامل حول تلك الوظائف !


وفي تفاصيل انتاجية اللجان الوزراية، اسجل ان 24 لجنة انجزت مهامها واقرّ مجلس الوزراء توصياتها ، وان 5 لجان انجزت مهامها لكنها بقيت عالقة في ادراج مجلس الوزراء، و17 لجنة تابعت اعمالها، و16 لجنة اعيدت الى الوزراء المعنيين بها، ولجنة واحدة تأجل البحث بها والمتعلقة بإنشاء مجالس انماء واعمار في مناطق بعلبك-الهرمل والشمال وجبل لبنان.


شاركته في 13 لجنة وزارية ترأسها وهي:مشروع ايدال وبلدية الدامور، تعديل قانون الاستملاك، تنظيم وزارة الشباب والرياضة، مشروع قانون حماية المستهلك، قانون حماية الانتاج الوطني، اوضاع الجامعة اللبنانية، حجم القطاع العام وتقديماته ونفقاته، تسريع عجلة القضاء، تقرير وزارة الزراعة عن التعاونيات، تعديل بعض احكام قانون الضمان الاجتماعي وانشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، تعديل العمل في النقل المشترك، الفائض في الادارات والمؤسسات العامة، وتعويضات اجراء وعمال الاهراءات في بيروت. واشير الى بعض اللجان التي ترأسها عصام فارس ولم اشارك فيها والتي شكلت مواضيع خلافية صاخبة كملف تجديد عقدي الخليوي، النفايات والمطامر الصحية، تسوية المخالفات على الاملاك البحرية، خفض الفاتورة الصحية، اعمال مجلس الانماء والاعمار وغيرها.


حرص عصام فارس على ان تتشكل اللجان الوزارية التي ترأسها من وزراء يمثلون كل الاطراف المشاركة في الحكومات كالياس المر وجان لوي قرداحي وكريم بقرادوني من جانب رئيس الجمهورية اميل لحود، علي حسن الخليل وميشال موسى ومحمد عبد الحميد بيضون من جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، بهيج طبارة وفؤاد السنيورة وسمير الجسر من جانب رئيس الحكومة رفيق الحريري، مروان حماده وغازي العريضي ووائل ابو فاعور وفؤاد السعد من جانب وليد جنبلاط. وكان يصر عصام فارس على تشكيل اللجان الوزارية على هذا النمط ضماناً لانتاجية الحكومة.


كان يكرر الدعوة الى اجتماعات اللجان الوزارية دون هوادة الى حين يتم الاجماع حول مواضيعها على قاعدة ان الاجماع يعزز انتاجية الحكومة. كان يصغي الى كل الآراء، لكنه كان يتوقف بشكل خاص حول الملاحظات القانونية التي يبديها بهيج طبارة، ويناقش باسهاب المعطيات والارقام التي يطرحها فؤاد السنيورة، ويلتقي في معظم الحالات مع افكار مروان حماده، ويتأنى في التعامل مع علي حسن خليل، ويستمع بصبر الى طروحات غازي العريضي.


واكثر ما فاجأني في العمل مع عصام فارس انه لم يكن تقليدياً ولا محافظاً في مقاربة الامور كما يخيل للكثيرين، بل كان عقلانياً واصلاحياً. لم ينظر الى التوافق الوطني على انه عملية تراضٍ بين النافذين على تقاسم المصالح والمغانم، بل نظر اليه على انه التزام بالقانون والعلم والتنمية المتوازنة . نادى بالغاء الطائفية وبناء نظام سياسي على قاعدة قيام احزاب غير طائفية تضم اعضاءاً من كل الطوائف والمناطق وطالب باصدار قانون جديد للاحزاب بهذا المعنى.


وبقصد المزيد من انتاجية الحكم والحكومات، دعا الى الفصل بين النيابة والوزراة ، وتطوير النظام الداخلي لمجلس الوزراء وصوغه في قانون، والاقدام على اصلاحات مالية واقتصادية جذرية، ومحاربة الفساد والهدر، والعمل باللامركزية الادارية ، وتعزيز هيئات الرقابة ، والعمل بسياسة الخصخصة شرط ان تسبقها اصلاحات شاملة لمرافق الدولة. ولم يغب عن باله موضوع اشراك المرأة والشباب في الحياة العامة .


خلاصة القول انه من المفيد لتحسين انتاجية الحكومات العمل بتجربة عصام فارس على ان تتم مأسستها، فلا يبقى موقع نائب رئيس الحكومة معلقاً فقط على الشخص الذي يحتله.


شارك عصام فارس للمرة الاخيرة في الحكومة التي تألفت بعد التمديد للرئيس لحود في تشرين الثاني 2004 برئاسة عمر كرامي والتي استقالت في 28 شباط 2005 في اعقاب اغتيال رفيق الحريري. وفي 9 أيار 2005 اعلن عزوفه عن الترشح الى النيابة، وغادر الوطن تاركاً وراءه تجربة ناجحة بحد ذاتها اضافة الى العديد من المنجزات والمعاهد والمراكز والمكتبات اذكر منها اثنين على سبيل المثال: "معهد عصام فارس للتكنولوجيا" و"مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية".


شكّل عزوفه عن السياسة صدمة لكل من عرفه، وخسارة لكل الوطن والمواطنين. هو مثال يحتذى لكل من عاصره. انه هبة من هبات الله للبنان.