بقلم دافيد عيسى
أن يــمــنــح رأس الــكــنــيــســة الكاثوليكية قداسة الحبر الاعظم البابا بنديكتوس السادس عشر شخصية لبنانية أرثوذكسية هو نائب رئيس مجلس الوزراﺀ الاسبق عصام فارس وساماً بابوياً رفيعاً تكريماً وتقديراً لعطاﺀاته ودوره الكبير في المجالات السياسية والانسانية والاجتماعية فهذه التفاتة استثنائية وخاصة، وان يكلف البطريرك الــمــارونــي مار نصرالله بطرس صفير تقليده هذا الوسام، فإن ذلك ينطوي على معان ودلالات عميقة ومعبّرة أولها ان قداسة البابا مهتم للكنيسة جمعاﺀ برعاياها وأحــبــارهــا، ولا تقتصر رعايته على الكاثوليك من ابنائها.
لقد شاﺀ الحبر الاعظم ان يكون الوسام البابوي الرفيع الممنوح لعصام فــارس "مستقيم الــرأي" متزامناً مع زيارة البابا المسكونية إلى جزيرة قبرص "الارثوذكسية".
خصوصاً ان الــزيــارة تــنــدرج في سياق انفتاح "فاتيكاني" على الكنائس الشقيقة الآخــرى وما لهذا الانفتاح مــن نظرة شاملة وأفق واسع وبُعد حضاري وانساني ومسيحي حقيقي.
ثاني هذه المعاني أن تكريم عصام فــارس هو تكريم للبنان الــوطــن بــكــل ابــنــائــه وطــوائــفــه ومـــنـــاطـــقـــه، ومــــا أراده الــبــابــا بنديكتوس الــســادس عشر من هــذا التكريم هو التذكير بدور "لبنان الرسالة" والتأكيد عليه، لبنان الانفتاح والحوار والعيش المسيحي – الاســلامــي الــواحــد، لبنان ملتقى الحضارات والثقافات والتفاعل والــحــوار في ما بينها، لــبــنــان أرض الــقــداســة والــقــيــم السماوية الذي لا يشبه أي بلد آخر والذي بتعدديته وتنوعه وحيويته وحضارته هو مصدر غنى للكنيسة والعالم والبشرية.
ثالث هذه المعاني أن عصام فــــارس شــخــصــيــة استثنائية تستحق التقدير والتكريم وعلى أرفــع المستويات. عصام فارس الــذي ساهم فــي تعزيز حضور لبنان في المحافل والمنابر الدولية، وتعزيز دوره الريادي في الدفاع عن القضايا العادلة والقيم الانسانية وفي نشر رسالة الحوار بين الاديان والحضارات... عصام فارس الذي أعطى الكنيسة كل الكنيسة ودون تمييز، الكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية بكل إيمان ومحبة وعمل عــلــى إعـــلاﺀ شــأنــهــا وصــوتــهــا...
عصام فــارس الــذي أعطى لبنان و ا للبنا نيين عــمــو مــاً ومنطقته عكار خصوصاً بكل جوارحه من دون منّة وحساب وبعيداً عن أية مصالح وحسابات. فساعد الفقراﺀ والمحتاجين ومد يد العون لكل طالب علم أو استشفاﺀ ولكل من سأله مساعدة أو حاجة دون ان تعرف يمناه مــا فعلته يسراه، وعمل على إنماﺀ الريف والمناطق الــمــحــرومــة، وشــجــع الــمــواهــب والطاقات الشابة الواعدة.
وعــنــدمــا دخـــل "جــنــة الحكم والــدولــة" نائباً لرئيس الحكومة ونــائــبــاً فــي البرلمان لــم يتغيّر هذا الرجل العصامي بل ظل على تواضعه ووفائه وتفانيه وترفعه ومحبته للفقراﺀ والمحتاجين...
وعــنــدمــا غـــرق لــبــنــان فــي دوامـــة الانقسامات والخلافات لم يفارق عـــصـــام فـــــارس نــهــج الـــوحـــدة الوطنية... وعندما انحرف العمل السياسي عــن مــســاره الصحيح وخرج الصراع من اطاره السياسي الديمقراطي إلــى الــشــارع فضّل عصام فارس الانسحاب الهادئ من الحياة السياسية، فكان كبيراً بــخــروجــه مثلما كــان كــبــيــراً في تعاطيه العمل السياسي والشأن الوطني العام.
وما نريده ونأمله ونتمناه الا يــكــون خـــروج عــصــام فـــارس من الحياة السياسية خروجاً من لبنان، وان يكون اعتكافه الاحتجاجي والمبرر في حينه خروجاً ظرفياً وموقتاً لأن لبنان، وبكل طوائفه ومناطقه بحاجة إليه وإلى امثاله ممن يعطون ولا يأخذون، يبادرون ولا يــســاومــون، يــجــمــعــون ولا يفرقون.
عصام فارس كبير من وطني نقدره ونقدر امثاله ونثمن عالياً جــهــودهــم وخــدمــاتــهــم للوطن وابنائه. ولكن مــا نأسف لــه أن يأتي تكريم المميّزين والكبار عندنا من الخارج، وأن يحصل في الخارج. فلا يلقون ما يستحقون في بلدهم من تكريم وتقدير إلا بعد فوات الأوان، ولا تُعرف قيمتهم ومكانتهم إلا وهــم بــعــيــدون عــن الــوطــن...
فإلى عصام فــارس نقول لبنان بانتظارك ابناﺀ منطقتك الحبيبة عكار بانتظارك ايضاً وعودتك تعني عودة الخير والبركة والمحبة والسلام إلى ربوعنا.